ماذا وراء خفوت التبجح الإعلامي لتنظيم داعش

تراجع داعش عن تبني الهجمات يكشف عن توترات داخلية ضمن الجماعة.
الخميس 2023/07/27
تحركات غير معلن عنها

دير الزور (سوريا) - لم يكن التبجح غريبا على تنظيم داعش. وكثيرا ما تبنى الهجمات وصوّر القدرة على ضرب العواصم لبث الرعب في نفوس أعدائه منذ أن برز على الساحة.

لكنّ تقريرا صدر مؤخرا أفاد بأن تراجع الجماعة الإرهابية المتعمد عن تبني الهجمات يكشف عن توترات داخلية يحتاج صناع السياسة الذين يقودون القتال ضد داعش إلى أخذها في الاعتبار.

فلقد أصدر داعش في 25 يونيو الماضي تقريرا على تلغرام لعرض عملياته العسكرية في سوريا، وخاصة في دير الزور ودرعا. وتكمن أهمية هذا التقرير في عدم تبني العديد من الهجمات المذكورة فيه من قبل.

تنظيم داعش أشار في وقت سابق إلى تبنيه سياسة الصمت في صحيفته "النبأ"، وذلك لأسباب عملياتية

وليست الفكرة القائلة بأن الجماعة تخفي الهجمات التي تنفذها لأسباب أمنية جديدة. لكن مجموعة من وثائق داعش، يُزعم أن وكالة مناهضة للتنظيم سربتها ونشرتها، تدعم هذا الادعاء.

وتوفر الوثائق المسربة رؤى قيمة على عملية صنع القرار فيما يتعلق بتبني بعض الهجمات دون غيرها، بالإضافة إلى التوترات الداخلية داخل المجموعة. وتبرز التسريبات أن المحللين الذين لا يعتمدون سوى على عدد الهجمات التي تبناها التنظيم لن يقدّموا مقياسا دقيقا لقوة التنظيم المسلح. ويجب لذلك على صانعي السياسات توخي الحذر واتخاذ نهج شامل عند تقييمهم لقدرات تنظيم داعش والتهديد الذي يشكله.

ونشرت قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” الوثائق المسربة في 20 و21 يونيو الماضي. ويشير اسم المنفذ لقادة داعش المغتالين أبوبكر البغدادي وأبوإبراهيم الهاشمي القرشي. وهو حساب مؤيد للقاعدة ومناهض لتنظيم داعش ينشر تعليقات واتصالات داخلية مزعومة من التنظيم.

وحددت الوثائق أن قسم الإعلام في داعش هو المسؤول عادة عن الإعلان عن الهجمات، فهو يتلقى الوثائق المحلية ويرسلها إلى القسم المركزي للنشر. لكن قرار الإعلان عن الهجوم يرجع إلى كبار مسؤولي الإعلام والقادة العسكريين، وتتمتع القيادة العسكرية المحلية بالقدرة على الاعتراض على النشر إذا رأت فيه تقويضا لمصالح التنظيم.

كما تكشف الوثائق المسرّبة عن وجهات نظر متناقضة بين مسؤولي الإعلام والقادة العسكريين في سوريا بشأن الهجمات التي يجب الإعلان عنها. وتتعاون بعض الفروع، مثل دير الزور، مع الإعلاميين، بينما يرفض البعض الآخر، مثل فرعي البادية ودرعا، فكرة نشر إعلانات تتبنى الهجمات. وحددت أن القيادة العسكرية، وخاصة في تلك المناطق، تطبق سياسة الصمت الإعلامي بسبب المخاوف الأمنية.

وأدى هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى توترات ونزاعات داخلية. ويرى المسؤولون الإعلاميون الذين ينتقدون أمر حظر النشر أن له نتائج عكسية، وأنه يفيد أعداء الجماعة ويعيق جهود الدعاية. ويؤكدون أن الإعلان عن نشاط داعش يبث الخوف بين “المرتدين” ويمكن أن يلهم للقيام بهجمات مماثلة.

وذكروا لدعم حجتهم أن المسؤولين الإعلاميين سألوا عن كيفية اختلاف الوضع في سوريا عن المناطق في العراق حيث لا يزال المقاتلون يتبنون هجمات على الرغم من تعرضهم لضغوط عسكرية مكثفة.

تراجع الجماعة الإرهابية المتعمد عن تبني الهجمات يكشف عن توترات داخلية يحتاج صناع السياسة الذين يقودون القتال ضد داعش إلى أخذها في الاعتبار

وأشار التنظيم في وقت سابق إلى سياسة الصمت في صحيفته الأسبوعية “النبأ”. وقالت الجماعة في مقال نُشر في 16 مارس إنها تعمدت عدم تبني هجمات لأسباب عملياتية.

وبرز ادعاء مماثل في مقابلة نادرة في يوليو 2022 مع رئيس عمليات داعش في البادية السورية (منطقة صحراوية شاسعة تربط حمص وحماة والرقة ودير الزور). وقال المسؤول إن داعش نفذ عددا من الهجمات يتجاوز ما أعلنه، مما يشير إلى إستراتيجية تأخير مشاركة المعلومات حول الهجمات أو حجبها لأسباب عملياتية. ومن المثير للاهتمام أن القائد حذر أنصار التنظيم الذين قد يكونون متحمسين بشأن مشاركة أخبار الهجمات بالامتناع عن ذلك والالتزام بقنوات داعش الرسمية.

ويجدر الاعتراف بإمكانية اعتماد رواية داعش عن الصمت الإعلامي لتبرير الانخفاض الملحوظ في عدد الهجمات المبلغ عنها. لكن التنظيم ليس الكيان الوحيد الذي سلط الضوء على إستراتيجية عدم الإبلاغ. وقال مركز روج آفا للدراسات الإستراتيجية، الذي يراقب هجمات داعش في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إن التنظيم معروف بتنفيذ هجمات لا يعلن عنها في شمال شرق سوريا.

وسلط الضوء على أهمية اعتماد نهج أكثر دقة في التعامل مع الخطر الذي يشكله التنظيم في سوريا والمنطقة الأوسع. ويجب على صانعي السياسات والمحللين لذلك تجاوز قصر اعتمادهم على الإعلانات الرسمية واعتماد نهج قائم على الأدلة.

5