ماذا سيكسب أردوغان من استثماره في حرب أوكرانيا

يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضغوطه على حلفائه الغربيين واستثمار الحرب في أوكرانيا ومطالب انضمام فنلندا والسويد لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية. ويجادل مراقبون أن تركيا قد تتحصل على تنازلات لكن خسائرها من سياسة الابتزاز تتجاوز منافعها.
إسطنبول - يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستثمار الحرب الروسية على أوكرانيا وتحويل الأزمة إلى فرصة لتحقيق مكاسب، إلا أن محللين يشيرون إلى أن خسائر أردوغان طويلة الأمد ستكون أكبر من “انتصارات” ظرفية ومحدودة زمنيا سواء كان ذلك بشن عملية عسكرية ضد أكراد سوريا أو عرقلة انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي.
وتقول جونول تول مديرة البرنامج التركي في معهد دراسات الشرق الأوسط وألبير كوسكون أحد كبار زملاء برنامج أوروبا بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن الأزمة حول أوكرانيا هي مجرد آخر مثال على ذلك.
وبعد الصدمة الأولى للغزو الروسي، الذي وضع تركيا في موقف غير مريح، يبدو أن أردوغان الآن يتمتع بالواقع السياسي الجغرافي الجديد. فقد أصبح الغرب وروسيا في الوضع الذي يرغب في أن يكونا فيه، حيث الغرب في وضع يدين فيه بالفضل لأردوغان، بينما روسيا في وضع ضعيف للغاية يحول دون وقوفها ضده، أو هكذا يعتقد هو!
وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، أدى دور تركيا الرئيسي في أمن بحر البلطيق ودور أردوغان الموازن المطاطي بين موسكو وكييف إلى تعزيز مكانة أنقرة في الغرب بدرجة كبيرة.
فقد أصبحت العلاقات بين تركيا والحلفاء الغربيين ودية مرة أخرى، بعد سنوات من العلاقات المجمدة بسبب عدد من القضايا، بما في ذلك توغل تركيا في شمال سوريا وشراء نظام الدفاع الصاروخي إس – 400، الذي أدى إلى فرض عقوبات غربية.
◙ أهمية تركيا بالنسبة إلى الغرب لمواجهة روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا توفر لأردوغان فرصة لانتزاع تنازلات
وأشادت العواصم الغربية بمبيعات تركيا لطائرات مسيرة لأوكرانيا وقرارها بإغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية، في ممارسة لحق أنقرة وفق المادة 19 من اتفاقية مونترو لعام 1936، وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة لسوريا.
ومما زاد من تعزيز مكانة تركيا عرضها الأخير بالمساعدة في إزالة الألغام قبالة ساحل ميناء أوديسا الأوكراني وحراسة السفن التي تحمل منتجات زراعية أوكرانية لتجنب حدوث أزمة غذاء عالمية كبرى.
ويعتبر أردوغان واثقا من أن الغرب أدرك أخيرا دور تركيا الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الأمن الغربي. ومما زاد ثقته بطاقة الاعتراض التي تحملها تركيا ضد طلب السويد وفنلندا الانضمام لحلف شمال الأطلسي(الناتو)، وهي خطوة من شأنها أن تحول النطاق الأمني في أوروبا.
ولا شك أن الأهمية الاستراتيجية الكبيرة التي اضطلعت بها تركيا بالنسبة إلى الجهود الغربية لمواجهة روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا توفر لأردوغان الفرصة المناسبة لانتزاع تنازلات من الغرب.
وأحد المجالات الرئيسية بالنسبة إلى أردوغان في هذا الصدد هو المشتريات العسكرية. فالعديد من دول الاتحاد الأوروبي، ومن بينها السويد وفنلندا أوقفت صادرات الأسلحة لتركيا بسبب توغلها العسكري في أواخر عام 2019 في شمال سوريا.
ومع ذلك، فإن الانتكاسة المقلقة الحقيقية حدثت في مطلع عام 2019 عندما اتخذت الولايات المتحدة قرارا بوقف بيع الطائرات إف – 35 لتركيا بعد شرائها نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس – 400 ومنذ ذلك الحين طلبت تركيا شراء 40 طائرة مقاتلة إف – 16 و80 من معدات التحديث لأسطول طائراتها الحالي.
ويرى محللون أن الكونغرس يمارس ضغطا على إدارة بايدن لمنع إتمام الصفقة. وقد أدت العقوبات الغربية إلى عرقلة خطط التحديث في تركيا ووجهت ضربة كبيرة لصناعتها العسكرية.
وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا فكرت تركيا في العديد من الاختيارات للتغلب على تداعيات العقوبات الغربية، ومن بينها شراء مقاتلات روسية، والتعاون مع أوكرانيا في مجال صناعة المحركات.
وأرغمت الحرب تركيا على العودة للأسواق الغربية، ويأمل أردوغان في استغلال وضع تركيا المتجدد كعضو رئيسي في الناتو وما تتمتع به من حق الاعتراض على انضمام السويد وفنلندا للحلف لإرغام الدول الغربية على إنهاء القيود المفروضة على الصادرات العسكرية إلى تركيا.
كما يرغب أردوغان في الاستفادة من ضعف روسيا أيضا. فقد سعى منذ وقت طويل للقيام بعملية عسكرية أخرى في شمال سوريا لإقامة منطقة آمنة يمكن أن تأوي حوالي 3.6 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا. ومع ذلك فإن اعتراضات روسيا والولايات المتحدة تسببت في عدم تنفيذه لخططه.
ويبدو أن أردوغان يرى أن الوقت الحالي هو الوقت الملائم للقيام بتوغل جديد في ضوء انشغال روسيا في أوكرانيا والرفض القومي المتزايد للاجئين السوريين في تركيا قبل انتخابات عام 2023. ويريد استغلال حق تركيا في الاعتراض على انضمام السويد وفنلندا للناتو لضمان إذعان الغرب لمطالبه.
ويقول مراقبون إنه ربما يحصل أردوغان على بعض الأمور التي يريدها إذا ما ألغت السويد وفنلندا قيودهما على صادرات المعدات العسكرية إلى تركيا أو وافقت روسيا على توغل تركي آخر في شمال سوريا. ولكن جهود أردوغان للضغط على واشنطن يمكن أن تكون ذات آثار عكسية حيث من المرجح أن تعزز أي عملية تركية أخرى في سوريا الجبهة المضادة لأردوغان في العواصم الغربية.
الغزو الروسي لأوكرانيا فتح فرصا جديدة أمام تركيا، ولكن يتعين على أردوغان عدم المبالغة في مناوراته
ويبدو أن إدارة بايدن على استعداد لبيع طائرات إف – 16 لتركيا. ففي رسالة إلى الكونغرس، قالت وزارة الخارجية إن أي بيع محتمل لطائرات إف – 16 المقاتلة لتركيا سيكون متمشيا مع المصالح الأمنية القومية للولايات المتحدة كما أنه سيخدم وحدة الناتو طويلة الأمد.
وأقنع موقف أردوغان بالنسبة إلى أوكرانيا بعض الأعضاء البارزين في الكونغرس بدعم الصفقة، ولكن يبدو أن تهديد أردوغان الأخير بمنع انضمام السويد وفنلندا للناتو أدى إلى تغير الموقف في الكونغرس، حيث أثارت أغلبية من الحزبين الرئيسيين الأميركيين مخاوف إزاء ما يعتبرونه ابتزازا من جانب أردوغان. كما أن التوتر المتزايد بين اليونان وتركيا لا يساعد أردوغان أيضا.
ويؤكد محللون أن الغزو الروسي لأوكرانيا فتح فرصا جديدة أمام تركيا، ولكن يتعين على أردوغان عدم المبالغة في مناوراته. فموقف تركيا الانتهازي واعتراضها على طلب انضمام السويد وفنلندا للناتو يمكن أن يكون علامة فارقة على مكانتها المتضائلة كحليف في الناتو.
ويؤكد هؤلاء أن تهديد أردوغان بمنع توسيع الحلف، عبر ضم فنلندا والسويد، يثير الشكوك بشأن الاعتماد على أنقرة كعضو في التحالف. ويوصي المحللون زعماء الولايات المتحدة وأوروبا بأن يوضحوا لأردوغان أن معارضته لضم الدولتين تقوض الأمن الجماعي لحلف الأطلسي، وأن يكونوا على استعداد لفرض عواقب حال استمرت هذه المعارضة.