ماذا حمل عباس كامل للخرطوم كي يذهب هاكان فيدان ليقدم بدائله

دبلوماسية المخابرات مع السودان تعيد إلى الواجهة التنافس بين مصر وتركيا.
الأربعاء 2023/01/18
هل سعى فيدان لإحياء مشروع سواكن

الخرطوم- ربطت مصادر أمنية عربية بين زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل إلى الخرطوم وبين زيارة نظيره التركي هاكان فيدان بعدها بنحو أسبوعين، لافتة إلى أن الأول حمل معلومات تنطوي على قلق القاهرة من اتساع مساحة الرقعة العسكرية والسياسية والاقتصادية والآلية التي تتحرك بها أنقرة في السودان.

وأشار تتابع الزيارتين إلى نمو نشاط دبلوماسية المخابرات في المنطقة وقدرتها على تذويب الخلافات، لأن الدور الأمني القوي الذي تلعبه أجهزة المخابرات في الدول الثلاث كفيل بنزع فتيل الأزمات مبكرا ومنع تصاعدها.

الرشيد محمد إبراهيم: القضايا محل النقاش بين الخرطوم والقاهرة بعيدة في معظمها عن تلك التي بين الخرطوم وأنقرة
الرشيد محمد إبراهيم: القضايا محل النقاش بين الخرطوم والقاهرة بعيدة في معظمها عن تلك التي بين الخرطوم وأنقرة

وأكدت المصادر العربية لـ”العرب” أن مصر تعلم التطورات التي شهدتها العلاقات بين السودان وتركيا مؤخرا، ولن تتهاون إذا اتخذت أنقرة من عملية التوسع الراهنة وسيلة للتسلل إلى البحر الأحمر، وعودة شبح سيناريو تطوير ميناء سواكن الذي اتفقت عليه مع الخرطوم أواخر عهد الرئيس عمر البشير وتم تجميده عقب سقوطه.

ورغم بروز ملامح تقارب سياسي بين القاهرة وأنقرة توجت بلقاء الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان بالدوحة في نوفمبر الماضي، إلا أن العلاقات الدبلوماسية لم تتحرك إلى الأمام، ولا تزال تحافظ على جمودها.

ويؤكد الجمود الراهن أن هناك ملفات عالقة بين الطرفين لم يتم التوافق حول آليات محددة لتسويتها، ليس السودان من بينها، لكنّ زيارتي رئيسي مخابرات البلدين إلى الخرطوم خلال فترة قصيرة قد توحيان بغيوم ترتفع في سماء السودان وتتجاوز الحدود التقليدية المتعلقة بعلاقة تركيا بالحركة الإسلامية في السودان، والتي اتخذت الكثير من قياداتها من إسطنبول مقرا هادئا لها بعد سقوط البشير.

ويقول متابعون إن هذه واحدة من القضايا التي توليها القاهرة اهتماما كبيرا وطرحت على جدول أعمال اللواء عباس كامل أثناء زيارته إلى الخرطوم خشية تسللها إلى مصر، وقدمت معلومات للقيادة السودانية حذرتها من خطورة هذا السيناريو على البلدين.

ويرى المتابعون أن العلاقات الهادئة بين مصر وتركيا تمنع حدوث مواجهة صريحة بينهما، وتفرض الحذر في التعامل مع هذه الملفات خوفا من عودتها إلى التوتر السابق، طالما أن هناك فرصا متاحة للتطويق دون الإضرار بأيّ من الدول الثلاث.

◙ قلق مصري من عودة سيناريو تطوير ميناء سواكن الذي اتفقت عليه تركيا مع السودان في عهد البشير

وتسعى مصر وتركيا إلى مراقبة الأوضاع عن كثب في السودان استعدادا للمرحلة التالية لتحويل الاتفاق الإطاري، الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي بين المكونين العسكري والمدني ممثلا في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، إلى اتفاق نهائي يعيد السلطة في الخرطوم إلى القوى المدنية.

وتتولد عن هذه الخطوة ترتيبات جديدة تتمخض عنها تغيرات في الخارطة السياسية، لكن تظل المؤسسة العسكرية في السودان رقما محوريا الفترة المقبلة، ومن مصلحة تركيا الحفاظ على متانة العلاقات معها، سواء وهي في الحكم أو خارجه.

وكشفت التصريحات المتبادلة بين رئيس المخابرات التركية وكبار المسؤولين في الخرطوم عن أهمية العلاقات المشتركة وارتفاع مستوى التعاون بين الجانبين وتعزيز هذه العلاقات ووضعها في إطار إستراتيجي “أزلي” يؤكد متانتها وعدم اهتزازها.

والتقى فيدان في الخرطوم رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في حضور مدير المخابرات العامة بالسودان الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل.

ونقل بيان لمجلس السيادة الاثنين إشادة البرهان بالعلاقات القوية والقديمة مع تركيا، ورغبته في تعزيز العلاقات بين البلدين والشعبين الصديقين على كافة الأصعدة.

أمين إسماعيل مجذوب: هناك اهتماما مصريا وتركيا منفصلا بما يجري في الخرطوم
أمين إسماعيل مجذوب: هناك اهتماما مصريا وتركيا منفصلا بما يجري في الخرطوم

ووصف هاكان زيارته إلى الخرطوم بـ”المثمرة”، وأن أنقرة والخرطوم “وصلتا في تعاونهما والتنسيق بينهما إلى أهدافهما فيما يخص القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

واستبعد الخبير الإستراتيجي السوداني الرشيد محمد إبراهيم أن تكون زيارة رئيس المخابرات التركية ردا مباشرا على زيارة نظيره المصري، إذ جاءت بدعوة من رئيس مخابرات السودان وانطلاقا من تفاهمات سابقة بين البلدين في مجالات متعددة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القضايا محل النقاش بين الخرطوم والقاهرة بعيدة في معظمها عن تلك التي بين الخرطوم وأنقرة، وهذا لا يمنع وجود ملفات أمنية متقاطعة أحيانا، لافتا إلى أن التقارب بين مصر وتركيا مؤخرا يمنع حدوث أزمات بينهما على أراضي السودان، ويسهم في تغليب حل الخلافات بالطرق الودية.

وتحرص المؤسسة العسكرية في السودان على جمع الأوراق السياسية في يديها لمنحها هامشا لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية وتقويض الضغوط التي تستهدفها، فتطور علاقات الخرطوم مع أنقرة لم ينعكس سلبا على القاهرة أو العكس، وهي الطريقة التي جعلت من الجيش وعلى رأسه الجنرال البرهان ورقة جذب للعديد من القوى الإقليمية والدولية ما يصعّب التفكير في التضحية به لصالح القوى المدنية.

وأكد الخبير العسكري السوداني أمين إسماعيل مجذوب لـ”العرب” أن هناك اهتماما مصريا وتركيا منفصلا بما يجري في الخرطوم بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري لاستشراف المستقبل السياسي، ووضع الجيش في السلطة في عهد القوى المدنية.

1