ماذا بعد انتهاء المسار التفاوضي لسد النهضة

مصر وإثيوبيا تتبادلان الاتهامات بشأن إفشال المفاوضات.
الخميس 2023/12/21
مصر مجبرة على الخضوع للأمر الواقع

القاهرة- أشارت نتائج الجولة الرابعة لمفاوضات سد النهضة الإثيوبي إلى عدم الوثوق في المسار التفاوضي الذي جرى الاتفاق عليه لمدة أربعة أشهر لأجل التوصل إلى اتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا، وعبّر بيانان متتابعان صدرا في كل من القاهرة وأديس أبابا عن عمق الفجوة بينهما، وحمّل كلاهما الآخر مسؤولية الفشل.

وعادت المناوشات التي توقفت خلال الأشهر الماضية بين مصر وإثيوبيا إلى الواجهة بعد التأكد من الفشل، بينما تجنب السودان الانخراط في تلك المناوشات، مؤكدا على لسان وزير الري والموارد المائية ضو البيت عبدالرحمن منصور استمرار سعي بلاده في التوصل إلى اتفاق “يحقق المنفعة للدول الثلاث”.

وبات سؤال المسارات البديلة التي ستدخلها أزمة سد النهضة مطروحا لدى دوائر مصرية راهنت كثيرا على الحلول السياسية والفنية، لأن أي خيارات خشنة مع أديس أبابا لن تتمكن القاهرة من اتباعها في ظل تحديات أمنية وعرة تواجهها الدولة بالقرب من حدودها الجغرافية، وآخرها انفجار الحرب في قطاع غزة.

كما أن التلويح بالتعامل العسكري مع الأزمة لم يعد مناسبا أو مقنعا على سبيل الردع والتخويف عقب نجاح إثيوبيا في تحويل سد النهضة إلى واقع على الأرض، وتمكنها من القيام بأربع مراحل لملء خزانه دون إضرار بمصالح مصر، وتراكم المياه بكميات كبيرة يجعل أي عمل عسكري ضد السد خاطئا، لأنه سيغمر غالبية أراضي السودان بالمياه وقد تصل التداعيات السلبية إلى حدود مصر.

لذلك لن تقطع القاهرة شعرة التفاوض مع أديس أبابا حتى لو كانت البيانات المتبادلة بينهما حملت لهجة حادة تشير إلى تفاقم الأزمة، فضيق الخيارات أمام مصر لن يساعدها على ممارسة ضغوط عملية تجبر إثيوبيا على الرضوخ لمطالبها، وقد يكون خطاب التصعيد المستخدم أخيرا نوعا من إظهار الاحتجاج لامتصاص غضب متوقع من المواطنين في مصر تجلت ملامحه في النتائج القاتمة لجولات سابقة.

وأصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية بيانا عقب إعلان مصر، الثلاثاء، فشل أحدث جولة من جولات التفاوض حول سد النهضة، وقالت إن القاهرة “حرّفت” مواقف أديس أبابا في المحادثات، واتهمتها بـ”وضع حواجز أمام جهود التقارب”، وأن مصر “غير مستعدة لتقديم تنازلات”.

وأشارت وزارة الري المصرية في بيانها إلى أن الاجتماع الرابع والأخير حول سد النهضة انتهى من دون التوصل إلى أي نتائج، وأن القاهرة ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد، مؤكدة أنها “تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر”.

وطرقت مصر أبوابا مختلفة لحض إثيوبيا على التوصل إلى اتفاق مُلزم بعد شعورها بتعثر المحادثات ولجوء أديس أبابا إلى المناورات، واتجهت إلى مجلس الأمن مرتين، لكنها لم تحصل على نتائج ملموسة، ومالت تقديرات دول كبرى لطريق التفاوض على قاعدة عدم الإضرار بمصالح مصر المائية وحق إثيوبيا في بناء مشروعات تنموية.

ولاحت فرصة ثمينة في يوليو الماضي لاستنئاف التفاوض بعد جمود استمر نحو عامين، ولم تتسبب مراحل الملء الأربع التي قامت بها أديس أبابا حتى الآن في حدوث أضرار بالغة لمصر، ما خفف حدة التصعيد لكنه لم يوقف جوهر الخلاف، لأن مصر تريد اتفاقا واضحا، بينما تصر إثيوبيا على التفاهم بلا مواثيق مكتوبة، ومن هنا جاء حرص الثانية على تجنب توسيع نطاق الضرر بالقاهرة لتضييق الهوة.

واتفق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على هامش قمة دول جوار السودان لمحاصرة الحرب داخله في يوليو الماضي، على التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن سد النهضة في غضون أربعة أشهر، وانتهت المهلة الزمنية منذ شهر ولم يتحقق شيء، على أمل أن تصل الجولة الرابعة إلى تقدم.

ويفرض إخفاق الجولة الرابعة والأخيرة في أديس أبابا على القيادة المصرية التسليم برؤية إثيوبيا ومحاولة تقليل الخسائر من خلال عودة جديدة إلى إجراء محادثات فنية وسياسية لاحقا أو مقاطعة تامة لمنهج التفاوض.

◙ التلويح بالخيار العسكري لم يعد مناسبا أو مقنعا عقب نجاح إثيوبيا في تحويل سد النهضة إلى واقع على الأرض
التلويح بالخيار العسكري لم يعد مناسبا أو مقنعا عقب نجاح إثيوبيا في تحويل سد النهضة إلى واقع على الأرض

وقالت وزارة الري المصرية إن اجتماع أديس أبابا “لم يسفر عن أي نتيجة نظرا لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل إليه من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة”.

ورسخ في يقين القاهرة أن أديس أبابا مصممة على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض الحصول على موافقة تمكنها من التحكم المطلق في مياه النيل الأزرق بمعزل عن القانون الدولي.
وتفاوضت مصر والسودان وإثيوبيا على مدار نحو عشرة أعوام دون التوصل إلى اتفاق محدد بشأن ملء سد النهضة وتشغيله، ولم تثمر العديد من جولات التفاوض بين الدول الثلاث تفاهمات عملية، وفشلت وساطات مختلفة في إيجاد حل مناسب.

بينما تقول إثيوبيا إنها ملتزمة بالتوصل إلى تسوية ودية عن طريق تفاوض يلبي مصالحها ومصر والسودان، وتتطلع إلى استئناف المفاوضات، في إشارة توحي بأنها أكثر حرصا على هذا الطريق، وبالتالي التوصل إلى صيغة مرضية.

ويقول متابعون إن مصر جرّبت التفاوض والتلويح بالخشونة أحيانا مع إثيوبيا ولم تتمكن من فرض منطقها في الحالتين، لأن أديس أبابا تتعامل مع سد النهضة كهدف تتجاوز أبعاده الاستفادة من فائض المياه أو زيادة نطاق المشروعات القومية، فهو من الأدوات المهمة التي تستخدمها الحكومة لتقريب المسافات بين الشعوب الإثيوبية.

ويضيف المتابعون أن إثيوبيا تلقت من مصر بشكل غير مباشر استعدادها لتقبل الأمر الواقع لسد النهضة ولمسته في إشارات التمسك بمسار التفاوض والعودة إليه بعد كل فترة لمقاطعته بلا تغيير في موقف أديس أبابا، فضلا عن تصورات القاهرة في مجالات ترشيد المياه وتحليتها وتبطين الترع والمصارف والسحب من المخزون في بحيرة السد العالي، وكلها علامات فهمتها إثيوبيا بطريقة جلعتها تصر على منهجها.

2