ماجد الفطيم إماراتي يعكس قوة القرار الاقتصادي ونفاذ البصيرة

ليس من اليسير الإحاطة بسيرة رجل الأعمال الإماراتي ماجد الفطيم الذي رحل في السابع عشر من ديسمبر الجاري، تاركا وراءه أحد أبرز المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مجموعة الفطيم القابضة التي تكاد تكون قد طرقت كل مجالات الاستثمار المتاحة، ولاسيما في عوالم الترفيه والفندقة والعقارات والفضاءات التجارية الكبرى وتجارة التجزئة وغيرها.
ولد الفطيم بإمارة دبي عام 1935 داخل أسرة عريقة، ويعود أصل تسمية الأسرة إلى الجدة فطيمة التي كانت سيدة ثرية تستثمر أموالها في التجارة وصيد اللؤلؤ، وهو ما أثبتته وثائق بريطانية تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وواصل أبناؤها وأحفادها العمل من بعدها في تجارة الأخشاب والأقمشة واللؤلؤ.
نهضة الإمارات
درس الفطيم المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في دبي قبل أن يتجه لدراسة الهندسة الميكانيكية في جامعة “أليكرة” الإسلامية في الهند، وبعد عودته بدأ حياته العملية موظفا في بنك عمان الذي تأسس في دبي سنة 1967، ويحمل حاليا اسم بنك “المشرق”، ويقال إنه كان محبّا للاستقلالية وصاحب طموحات واسعة منذ البداية، حتى أنه لم يندمج في تجارة الأسرة التي كان يديرها والده وعمه، ومع ظهور بوادر الاتجاه نحو النهضة العمرانية في دبي على يد حاكمها آنذاك الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، سافر مع شقيقه عبدالله الى طوكيو لاستيراد 50 سيارة من شركة “تويوتا”، وما إن وصلت الشحنة حتى بيعت بسرعة قياسية، وهو ما دفع بهما إلى العودة إلى اليابان ليس لاستيراد المزيد من السيارات ولكن للحصول على توكيل للشركة في المنطقة، وهو ما تم فعلا.
كانت منطقة الخليج تتجه نحو تحولات كبرى في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، ولاسيما من حيث قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، واستقلال قطر والبحرين، وطي صفحة الوصاية البريطانية، وتزامن ذلك مع بروز طفرة النفط، والانطلاق نحو حركة واسعة للإعمار.
رؤية الفطيم تتمحور حول حلم بتغيير مفهوم التسوّق والترفيه لتحقيق "أسعد اللحظات لكل الناس، كل يوم"
ظهرت بوادر حركة واسعة في مختلف المجالات، فتوسع نشاط شركة الفطيم بالحصول على توكيل “هوندا”، وترويج الدراجات النارية والمولدات الكهربائية، ثم المحركات البحرية والجرارات والشاحنات وقطع الغيار. وأصبح من الطبيعي أن ينتشر اسم عائلة الفطيم كرديف للحركة التجارية في الإمارات وخاصة في دبي، ومما ساعدها على ذلك العلاقة الجديدة التي كانت تربط كبارها بقادة الدولة وعلى رأسهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي اختار الفطيم لعضوية وفد دبي إلى المجلس الوطني الاتحادي، غير أن الشغف بالعمل التجاري والاستثماري كان يمثل الأولوية بالنسبة إلى رجل الأعمال الشاب آنذاك.
في تلك الأثناء بدأ الفطيم بالتأسيس لمشروعه التجاري بكثير من الدقة في المصاريف، حتى أنه اعتمد على عدد قليل جدا من الموظفين، مع التركيز على أن يكونوا من الثقاة، وكان أولهم على الإطلاق رجل هندي يدعى نظام شاه، ثم محاسب سوري شاب يدعى بدر أبوشعر كلفه بإدارة الحسابات قبل أن يعينه مديرا ماليا، ثم اتجه لاحقا لاستجلاب موظفين مصريين من بينهم مصطفى عفيفي الذي كان يعمل في شركة مصر للطيران، وكلفه بوظيفة مدير تجاري، وعبدالمنعم عبدالعظيم الذي أسند إليه مهمة المدير الإداري والقانوني، وهكذا كوّن فريقا من هؤلاء الأربعة بالتزامن مع حدث كبير وهو قيام دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر 1971.
في العام 1976 حصل ماجد الفطيم على توكيل سيارات “دودج” الأميركية التي كانت قد اتحدت مع “كرايزلر”، وبدأ إنتاجهما يتوحد، وبما أن وكالة “كرايزلر” كانت لدى عبدالله الغرير، ولم تكن تدار بالشكل المطلوب لتأخذ نصيبها من السوق، دخل الفطيم في مفاوضات مع الغرير واشترى منه التوكيل بما معه من شاحنات وقطع غيار، وجمع التوكيلين في شركة جديدة أطلق عليها “المشروعات التجارية”، ثم ضم إليها في ما بعد توكيل “هوندا”، وبعد ذلك بعدة سنوات حصل على توكيل “فولفو” وأنشأ له شركة منفصلة.
بنمو أعماله، اتجه الفطيم إلى انتداب كفاءات إنجليزية لإدارة شركاته، وقد تم تقسيم الإدارات إلى مراكز ربحية منفصلة، وعين مديرا لكل توكيل، وبدأت ملامح إمبراطورية اقتصادية تتشكل، وخاصة مع تأسيس شركة “ماجد الفطيم القابضة” عام 1992، وهي الشركة الرائدة في مجال تطوير وإدارة مراكز التسوق، والمدن المتكاملة ومنشآت التجزئة والترفيه على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
رؤية مختلفة
حقق الفطيم قفزة مهمة تزامنت مع القفزة العملاقة التي عرفتها دبي ودولة الإمارات خلال عقد التسعينات، والتي مثلت القاعدة الأساسية للنهضة الحالية، ويقول المقربون منه إنه كان مهتما بالابتكار كأساس للحركة في مجاله الاستثماري وللعلاقة مع المستهلك، مع رغبة دائمة في مواكبة اللحظة التاريخية واستباقها ضمن إطار الاقتصاد المفتوح الذي يدار من خلال رؤية واضحة في عالم متحرك.
كانت رؤية الفطيم تتمحور حول حلم بتغيير مفهوم التسوّق والترفيه لتحقيق “أسعد اللحظات لكل الناس، كل يوم”. وقد بدأت تلك الرؤية تتجسّد عبر العديد من مراكز التسوّق الحديثة والمبتكرة، تم افتتاحها أولاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتتوسّع بعدها عبر 17 سوقاً حول العالم ويعمل بها أكثر من 43 ألف موظف. وقد نالت المجموعة أعلى درجة استثمارية “بي.بي.بي” للمؤسسات الخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
كان همّه أن يستثمر في اللحظات السعيدة للملايين من البشر، في لحظات تغلب عليه روح الاكتشاف والبحث عن الجديد في فضاءات تحيل زائرها على حالة من الرفاه والبهجة وذلك بأن تقرب منه الخدمات التي يرغب في الوصول إليها.
ولهذا أطلقت شركة “ماجد الفطيم” القابضة أول فرع لمركز التسوق “كارفور” في المنطقة في عام 1995، وهي التي تمتلك الامتياز الحصري لإدارة وتشغيل العلامة التجارية في أكثر من 30 سوقا عبر منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. وتدير حاليًا أكثر من 320 متجر “كارفور” متوزعة على 16 دولة لتلبية حاجات 750 ألف زبون يوميا، كما يضم فريق عمل “كارفور” أكثر من 37 ألف موظف، ويقدم خيارات تضم أكثر من 500 ألف نوع من المنتجات الغذائية وغير الغذائية، ويتم توريد 80 في المئة منها محلياً عبر شبكة من الموردين المحليين والإقليميين، لتساهم بذلك في دعم الاقتصاد والمجتمع المحلي، فضلاً عن تقديم تجربة تسوق فريدة متناغمة مع احتياجات المجتمع كل يوم.
مجلة فوربس صنّفت الفطيم كأغنى رجل أعمال في الإمارات للعام 2013، وقدرت ثروته الصافية بـ3.6 مليار دولار. وحينها كان سابع أغنى عربي في العالم، أما في هذا العام 2021 فقد احتل المرتبة الثالثة في تصنيف أغنياء العالم العربي
كما تمتلك المجموعة عددا من المراكز التجارية الشهيرة منها “مول الإمارات” في دبي، وعدة مشاريع أخرى مثل “ماجد الفطيم أوريكس”، “داليكا الشرق الأوسط”، شركة “ماجد الفطيم لإدارة الأصول العقارية” و”ماجد الفطيم لتجارة التجزئة”، وتدير أكثر من 500 شاشة سينما في الصالات التابعة لها، بالإضافة إلى مراكز ترفيه عائلي عالمية المستوى من بينها “ماجيك بلانيت” و”سكي دبي” و”آي فلاي دبي” و”دريم سكيب” و”سكي مصر”.
وفي يوليو الماضي أعلنت “ماجد الفطيم” إرساء مناقصة الإدارة والخدمات والاستشارات الهندسية على شركة “ميس” العالمية، لتتولى إدارة مشروع “شمال الرياض” بما في ذلك مشروع “مول السعودية”، مشيرة إلى أن مشروع “شمال الرياض” المتكامل يؤكد التزام شركة “ماجد الفطيم” المساهمة بشكل فعال في إنجاز رؤية 2030.
وقالت الشركة الإماراتية إن المشروع يقع في المنطقة الأسرع نمواً بالعاصمة السعودية، مشيرة إلى أنه تم منح عقد إدارة المشروع لشركة “ميس” بعد طرح مناقصة إقليمية تنافسية، لافتة إلى أن الشركة بدأت في حشد فريق عملها في الرياض، حيث سيبدأ في تولي مهمته بموجب بنود العقد للإشراف على كامل عمليات تطوير مشروع “شمال الرياض” ومن بينها التخطيط والإنشاءات والمراقبة والإدارة التجارية لهذا المشروع الضخم الذي سيمتد على مساحة بناء تقارب نحو مليون متر مربع.
ومن المتوقع أن يستوعب المخطط الرئيسي لمشروع “شمال الرياض” ومشروع “مول السعودية” الذي ستبلغ تكلفته 16 مليار ريال (4.2 مليار دولار) أكثر من 600 متجر تجزئة على مساحة إجمالية قابلة للتأجير تبلغ 300 ألف متر مربع، بالإضافة إلى 2000 غرفة ضمن تسعة فنادق وشقق فندقية، فضلاً عن الوجهات الترفيهية التي من بينها “سكي السعودية” الذي سيقدم منحدراً للتزلج وحديقة ثلجية هما الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.
ومن فروع “ماجد الفطيم القابضة” شركة “نجم” لخدمات التمويل والمتخصصة بإصدار البطاقات الائتمانية الاستهلاكية، وهي أيضا شركة متخصصة في الأزياء والتجزئة والمفروشات المنزلية والديكورات الداخلية وتدير عدداً من أبرز الأسماء والعلامات التجارية في عالم الأزياء والمنزل مثل “أبيركرومبي آند فتش” و”هوليستر” و”ليغو” و”ذات” المتجر والتطبيق الإلكتروني للأزياء.
المبادرات المستقبلية

اتسعت استثمارات الفطيم حول العالم، لكن صيته يتجاوز ذلك بكثير، وكل من زار دبي أو الشارقة أو أبوظبي أو غيرها من مدن الإمارات والخليج، أو حل بالرياض أو بيروت أو القاهرة أو عمّان، لا بد أن يجد نفسه أمام اسم الفطيم، فالشخص الذي انطلق بروح الطموح من دبي تحول بالفعل إلى عنوان لإمبراطورية مترامية الأطراف.
في عام 2013 اختارت مجلة فوربس الفطيم أغنى رجل أعمال في الإمارات العربية المتحدة. وفي ذلك العام قدرت ثروته الصافية بـ3.6 مليار دولار. كان سابع أغنى عربي في العالم، وفي 2021 احتل المرتبة الثالثة في تصنيف أغنياء العالم العربي، ووفقا لبيانات مؤشر “بلومبرغ للمليارديرات” فقد بلغت ثروته في 2021 نحو 6.05 مليار دولار، وجاء في المرتبة 476 ضمن مؤشر “بلومبرغ”.
رحلة الفطيم مع التجارة تعود إلى مغامرة خاضها مع شقيقه عبدالله حين سافرا إلى طوكيو لاستيراد 50 سيارة من شركة "تويوتا"، وما إن وصلت الشحنة حتى بيعت بسرعة قياسية، فعادا إلى اليابان للحصول على توكيل للشركة في المنطقة
ويعتبر الفطيم من أكثر رجال المال والأعمال وعيا بدوره في خدمة المجتمع الذي ينتمي إليه، وقد كان من آخر قراراته الإذن في سبتمبر الماضي بتوظيف 3000 مواطن إماراتي في مؤسساته، إذ أعلنت “ماجد الفطيم” اعتزامها توسيع نطاق برنامجها لتنمية واستقطاب المواهب الإماراتية بهدف توفير المزيد من الفرص المهنية لمواطني الدولة عبر قطاعاتها المتعددة في دولة الإمارات وخارجها.
وجاء قرار توظيف الآلاف من المواطنين في إطار مساهمة “ماجد الفطيم” في برنامج “نافس” والذي أطلقته حكومة الإمارات، حيث أعلنت الشركة التزامها ومشاركتها في تنفيذ سلسلة من المبادرات التي تركز على تطوير التقدم المهني للكوادر الوطنية، وتماشياً مع أهداف برنامج “نافس” الذي يدعو مؤسسات القطاعين العام والخاص إلى المساهمة عملياً في تعزيز وتنمية القوى العاملة الوطنية على المدى البعيد. وجاءت هذه المبادرة بهدف تذليل العقبات وتحفيز المزيد من مواطني الدولة على العمل في القطاع الخاص، كما تعد الشراكة مع برنامج “نافس” خطوة حاسمة لمؤسسات القطاع الخاص لتعزيز مساهمتها في دعم “مشاريع الخمسين” على مستوى دولة الإمارات.
وأعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي توفير الفطيم لهذا العدد الكبير من الوظائف للمواطنين، وأضاف “له منا الشكر والتقدير. هناك شركات شريكة في الوطن، وشركات تريد فقط الأخذ من الوطن”، وأردف “وجهنا الحكومة بأن تكون لشركات الفطيم أولوية وأفضلية في العقود الحكومية”.
من الصعب على المرء أن يلاحق مسيرة الفطيم الذي يعتبر تجسيدا واقعيا لمبدأ استثمار الفرص المتاحة في مجتمعات مفتوحة على العالم والمستقبل وفي ظل ثقافة تؤمن بالعمل كرسالة وطنية وإنسانية واجتماعية وثقافية، ولكن المؤكد أن اسمه سيبقى عنوانا لمرحلة مهمة في تاريخ الإمارات والمنطقة، إذ بوفاته طويت صفحة لواحد من الرموز التاريخية التي تتخذ من المال والأعمال مجالا لتفردها ولإثبات قدرتها على التأثير الإيجابي في محيطها القريب والبعيد.