مئوية إيتيل عدنان النضرة

مئة عام على ميلادها بعد وفاتها بأربع سنوات. ماتت الرسامة والشاعرة والروائية إيتيل عدنان في باريس عام 2021 وكانت قد ولدت في دمشق عام 1925.
يقول لي صديقي الشاعر اللبناني عيسى مخلوف "كلما مررت من تحت شقتها أفكر في أن ملائكتها كانت تسقبلني”.
صديقي الشاعر التونسي خالد النجار قال كلاما شبيها بعد أن أجرى معها حوار طويلا. أحلى ما في إيتيل أنها لم تتعب من حريتها ومن تمردها ومن طفولتها ومن جرأتها ومن حب الحقيقة التي يكرهها الجميع.
لقد عاشت حياتها بالطول وبالعرض كما تُحب. متنقلة بين المدن كما لو أن كل مدينة هي جزء من خريطة حياتها.
المرأة التي كتبت قصيدة “يوم القيامة العربي” لم تكن ابنة الثقافة العربية. لغات كثيرة عصفت بها لم تكن العربية واحدة منها.
لقد تعلمت العربية في وقت متأخر من حياتها وصارت تستعملها في رسومها وهي تستلهم جماليات حروفها. يشعر المرء حين يقف أمامها بأنه أمام كائن ملهم لا يحتاج إلى مفردات كثيرة لكي يكون حضوره مؤثرا.
لم ترسم عبر سنيّ حياتها سوى مفردات قليلة استعارتها من الطبيعة. البحر والجبل وفوقهما السماء التي لم تكن زرقاء دائما. وعلى الرغم من أنها كانت غزيرة الإنتاج بمفردات قليلة غير أن لوحاتها لم تتشابه. رسومها مثل شعرها مقتضبة وأشبه بالشذرات الشعرية التي تقول كلاما كثيرا بكلمات قليلة.
عاشت في باريس وكانت جزءا من الحياة الثقافية هناك غير أنها لم ترسم مشهدا من عاصمة النور. كان شغفها بالبحر هو قدرها البصري. البحر المتوسط الذي يحتضن بيروت والبحر الهادئ الذي يحتضن سان فرانسيسكو هما صديقاها الملهمان.
لا يخطئ مَن يرى رسومها طريقه إلى شعرها وهي التي تقول “نحن جميعا جزء فاعل/ من عملية خلق مستمرة/ ثقل المياه التي تسقط لم يكن رعبا”.
إلى موتها ظلت طفلة التي لا تكبر وكان العالم بالنسبة إليها مثيرا للدهشة مثل قصيدة لم تُكتب بعد.
بلغة شفافة وجارحة وعميقة كتبت إيتيل عن الحروب التي يعيشها العالم العربي بدءا من لبنان وانتهاء بالعراق مرورا بفلسطين فكان صوتها الذي وصل إلى العالم من غير ترجمة هو صوت الشعوب التي غمرها الظلم بمياهه الثقيلة. لأنها كانت تتنقل بيسر بين النثر والشعر فقد كان الواقع بالنسبة إليها نوعا من الخيال الذي جرى تهذيبه.
لقد احتفت بأدبها كبرى دور النشر واحتضنت كبرى المتاحف لوحاتها وها هي في مئويتها تبدو نضرة وهي تُستعاد كما لو أنها تستعد لكي تعيش مئة سنة مقبلة.