مئات الآلاف من الأطفال يلقون حتفهم سنويا بسبب التلوث

انبعاثات وسائل النقل تعتبر أكثر الملوثات ضررا، وتلوث الهواء يعد السبب الرئيسي للوفيات المبكرة في أوروبا.
الخميس 2018/11/01
تلوث الهواء يعيق نمو عقول الأطفال

رغم تحذيرات المنظمات الدولية والهيئات الصحية من مخاطر التلوث، لا يزال عدد الضحايا من الأطفال مفزعا. ولا ينحصر الخطر داخل الدول الفقيرة وإنما يشمل العالم بأسره وإن كان بدرجات متفاوتة، فمن ينجو من الموت يظل عرضة للإصابة بالأمراض الخطرة، جراء استنشاق انبعاثات عوادم السيارات وأفران المصانع.

جنيف - قالت منظمة الصحة العالمية إنه يجب على الآباء في جميع أنحاء العالم الدفع باتجاه إحداث تغيير في سياسات الحكومات للحد من تلوث الهواء الذي يودي بحياة مئات الآلآف من الأطفال سنويا ويعرض حياة عدد لا يحصى إلى خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.

وقالت المنظمة، في دراسة حول تأثير الهواء الملوث على صحة الأطفال، إنه تم تسجيل نحو 600 ألف حالة وفاة لأطفال أقل من 15 عاما خلال عام 2016.

ولا تقتصر المشكلة على المناطق الأكثر فقرا، وفقا لتقرير منفصل للاتحاد الأوروبي يصف تلوث الهواء بأنه السبب الرئيسي للوفيات المبكرة في أوروبا.

وأشار تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالي 93 في المئة من أطفال العالم الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما يتنفسون الهواء الملوث كل يوم بدرجة تهدد صحتهم ونموهم.

وقالت ماريا نيرا مديرة الإدارة المعنية بالصحة العمومية والمحددات البيئية والاجتماعية للصحة بالمنظمة “تلوث الهواء يعيق نمو عقول أبنائنا، ويؤثر على صحتهم بطريق أكبر مما كنا نتصور” مشيرة إلى المخاطر الكبرى لأمراض السرطان والبدانة والقلب.

والأطفال هم أكثر عرضة من البالغين، لأن رئتي الطفل الصغيرتين تحتاجان إلى الهواء بكميات كبيرة لما يقوم به من أنشطة، وكذلك لأن الأطفال يميلون إلى استنشاق الهواء من خلال الفم بدلا من استنشاقه عبر الأنف. بالإضافة إلى ذلك، فإن أفواه الأطفال تكون عند نفس مستوى العادم من مركبات الطرق.

كما أظهرت دراسة إسبانية سابقة أن تلوث الهواء الذي يتعرض له الأطفال أثناء السير من وإلى المدرسة، قد يؤدي إلى بطء النمو المعرفي ويؤثر سلبيا على قدرات الذاكرة العاملة للأطفال.

الأطفال أكثر عرضة لخطر التلوث من البالغين لأنهم يميلون إلى استنشاق الهواء من خلال الفم بدلا من الأنف

وقد أجرى الدراسة باحثون بمعهد برشلونة للصحة العالمية في إسبانيا، ونشرت في دورية “أنفايرنمنتال بوليوشن” العلمية. وتابع الباحثون أكثر من 1200 طفل تتراوح أعمارهم بين 7 و10 أعوام، من 39 مدرسة مختلفة، وكانوا يسيرون على أقدامهم جميعا من وإلى المدرسة بشكل يومي.

وتم تقييم الذاكرة العاملة للأطفال مرات عدة خلال فترة الدراسة التي استمرت 12 شهرا، كما جرى تقدير مستويات تعرضهم لتلوث الهواء خلال الفترة نفسها.

وركز الباحثون على الآثار الصحية للجسيمات الدقيقة التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، المنبعثة من مصادر صناعية، والتي يمكن استنشاقها فتستقر في الرئتين.

ووجد الباحثون أن هناك علاقة بين انخفاض الذاكرة العاملة عند الأطفال والتعرض للجسيمات الدقيقة المحمولة جوا والتي تعرف باسم “بي.أم 2.5” من جهة، والكربون الأسود أثناء المشي من وإلى المدرسة من جهة أخرى.

وعادة ما تنجم الجسيمات الدقيقة المحمولة جوا عن عمليات الاحتراق المختلفة بما فيها الاحتراقات في محركات المركبات ومنشآت توليد الطاقة واحتراق الغابات والمخلفات الزراعية وعن بعض العمليات الصناعية.

ووجد الباحثون أن هذا النوع من التلوث ارتبط بانخفاض تراوح بين 4.6 بالمئة و3.9 بالمئة في النمو السنوي المتوقع من الذاكرة العاملة للأطفال، بالإضافة إلى بطء النمو المعرفي.

وأظهرت النتائج أن 20 بالمئة من الجرعة اليومية التي يتعرض لها الطفل من التلوث بالكربون الأسود، والذي يرتبط مباشرة بنشاطه المروري، يتم استنشاقها في محيط الرحلات بالمناطق الحضرية.

ويتعرض الأطفال والبالغون في العديد من البلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل لأبخرة خطرة من المواقد في منازلهم.

وأضافت ماريا أنه من أجل تغيير هذا الوضع، يتعين على المدن والدول الابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري في الطبخ والتدفئة والقيادة. كما دعت ماريا إلى اتخاذ تدابير لتعزيز استخدام وسائل النقل العام وركوب الدراجات والمشي.

93 في المئة من أطفال العالم الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما يتنفسون الهواء الملوث

وعند سؤالها عما يمكن أن يفعله الآباء للتغلب على هذه المشكلة، قالت ماريا “إنك تستخدم صوتك، وتستخدم حقوقك السياسية للضغط على رئيس بلديتك، وعلى سلطاتك الحكومية للتأكد من أنها تعمل على التقليل من مصدر التلوث”.

وبحسب ماريا ففي الوقت الذي تعد فيه نيودلهي وأولان باتور ومكسيكو سيتي وليما من بين أكثر المدن تلوثا في العالم، فإن الوضع في بكين يتحسن بفضل سياسات الحكومة.

أما في أوروبا، فقد أفادت الوكالة الأوروبية للبيئة بأن الدول تحتاج إلى تكثيف الجهود لتحسين نوعية الهواء، على الرغم من التقدم الحاصل أخيرا.

وقالت الوكالة الأوروبية للبيئة ومقرها كوبنهاغن إن تلوث الهواء كان سببا رئيسيا للوفيات المبكرة بين البالغين والأطفال في 41 دولة أوروبية شملها المسح بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعددها 28 دولة.

وربط التقرير ما يصل إلى 422 ألف حالة وفاة مبكرة في عام 2015 بالتلوث الجسيمي.

والتلوث الجسيمي هو خليط من الجسيمات الصغيرة والقطيرات السائلة التي تضم العديد من المكونات، بما في ذلك الأحماض والمعادن والتربة أو الغبار.

وقال هانز بروينينكس، رئيس الوكالة الأوروبية للبيئة في بيان “في ما يتعلق بتلوث الهواء، غالبا ما تكون انبعاثات وسائل النقل على الطرقات أكثر ضررا من تلك الصادرة عن مصادر أخرى، حيث إن هذه الانبعاثات تكون في مستوى قريب من سطح الأرض وتحدث في الأماكن المكتظة بالناس”.

وتابعت الوكالة القول إن تبني سياسات أفضل لتحسين جودة الهواء واتخاذ معايير صارمة للحد من انبعاثات السيارات والصناعة وإنتاج الطاقة ساعد على خفض معدلات الوفيات المبكرة منذ عام 1990.

17