مؤشرات انفراجة مزدوجة في كردستان العراق: تجاوز الأزمة المالية والاقتراب من تشكيل حكومة جديدة

المسار الإيجابي خلاصة سياسة المثابرة وطول النفس التي سلكتها سلطات الإقليم بقيادة الحزب الديمقراطي.
الأربعاء 2025/02/19
هناك ما يدعو للتفاؤل

أربيل (إقليم كردستان العراق) - يتجّه إقليم كردستان العراق تدريجيا نحو الخروج من فترة الصعوبات الاقتصادية والمالية والتعقيدات السياسية الذي شهدها مؤخرا، والدخول في مرحلة جديدة من استعادة التوازن والهدوء اللذين طبعا وضعه الداخلي على مدى سنوات طويلة سابقة والتفرغ لاستئناف مساره التنموي النشط الذي ميّز ساحته قياسا بباقي المناطق العراقية.

وحمل إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة المرجع المخضرم مسعود بارزاني عن تذليل أغلب الصعوبات من طريق تشكيل حكومة جديدة للإقليم مؤشرا سياسيا إيجابيا يضاف إلى المؤشر الإيجابي اقتصاديا وماليا والمتمثّل في قرب استئناف تصدير النفط المنتج في حقول الإقليم ما يوفّر للأخير متنفّسا ماليا كبيرا بعد الصعوبات التي شهدها وطالت الوضع الاجتماعي لسكانه من خلال عدم الانتظام في دفع رواتب الموظفين.

ويعتبر هذا المسار الإيجابي اقتصاديا وسياسيا خلاصة سياسة المثابرة وطول النفس التي سلكتها سلطات الإقليم بقيادة الحزب الديمقراطي في حلحلة القضايا المعقّدة وإدارة العلاقة مع السلطة الاتحادية العراقية التي تأثرت بعض سياساتها تجاه كردستان العراق بتوجّهات قوى متنفّذة حاولت تسليط أقصى قدر من الضغوط على الإقليم بسبب عدم توافق قيادته مع توجهات تلك القوى الحليفة في الغالب لإيران والساهرة على حماية مصالحها ونفوذها في العراق.

بلند إسماعيل: اتفقنا مع الاتحاد الوطني على معظم محاور تشكيل الحكومة
بلند إسماعيل: اتفقنا مع الاتحاد الوطني على معظم محاور تشكيل الحكومة

وينسحب أسلوب الصبر الإستراتيجي على الطريقة التي اتّبعها الحزب في حلحلة المشاكل والخلافات السياسية الداخلية لاسيما مع المنافس الأبرز الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تحمّله مصادر سياسية من داخل الإقليم مسؤولية تعقيد تشكيل حكومة جديدة إثر الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر أكتوبر الماضي وذلك برفع سقف اشتراطاته ومطالبه بشكل لا يتلاءم وحجمه الانتخابي وعدد المقاعد التي حصل عليها في برلمان الإقليم.

وحل الاتحاد الوطني في الانتخابات المذكورة في المرتبة الثانية بعد الحزب الديمقراطي وذلك بحصوله على ثلاثة وعشرين مقعدا من مجمل المقاعد المئة بالبرلمان بينما حصد منافسه الأكبر الحزب الديمقراطي على تسعة وثلاثين مقعدا.

ورفع الاتحاد شعار تغيير مسار الحكم في الإقليم كمبرر لمطالبته بمناصب قيادية في السلطة خارج استحقاقه الانتخابي ما عقّد جهود تشكيل الحكومة التي ليس من السهل تشكيلها دون التوافق الضروري بين الحزبين.

ويعتبر الاتحاد الوطني مقرّبا من أحزاب وفصائل شيعية عراقية مسلحة، وكثيرا ما تعرّض لانتقادات بسبب ما يبدو أنّه توافق مع سياسات تلك القوى بما فيها المضادة لمصالح الإقليم.

ويبدو أن براعة المفاوض في الحزب الديمقراطي وطول نفسه أتاحا مجدّدا تفكيك تلك الخلافات وفتح الطريق لتشكيل الحكومة ما يمثّل خطوة أخرى نحو ترسيخ استقرار الإقليم وضمان تماسكه الداخلي.

وكشف عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني بلند إسماعيل، الثلاثاء، أنّ الحزبين اتفقا على أغلب المحاور في تشكيل الحكومة الجديدة للإقليم.

وأوضح أنّه جرى “في الاجتماع الأخير للجنة المركزية مناقشة كيفية وآلية التنفيذ وتقييم مستوى الاتفاق بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.”

وأضاف متحدثا لموقع كردستان أربع وعشرون أنّ “الاجتماع مضى بسلاسة واتفقنا على معظم محاور تشكيل الحكومة الجديدة والتي تمتد من ثمانية إلى تسعة محاور فقط، ولا يزال أمامنا الاتفاق على توزيع المناصب.” مشيرا إلى أنه من المقرر عقد اجتماع خلال الأسبوع الجاري.

يبدو أن براعة المفاوض في الحزب الديمقراطي وطول نفسه أتاحا مجدّدا تفكيك تلك الخلافات وفتح الطريق لتشكيل الحكومة

وسبق للمتحدث باسم الحزب الديمقراطي محمود محمد أن كشف قبل أيام عن وصول المحادثات بين حزبه والاتحاد الوطني إلى مرحلة متقدمة بشأن تشكيل الحكومة.

وقال في تصريح لوسائل إعلام محلية إن المحادثات بين الحزبين “وصلت إلى مرحلة التوصل إلى أفكار مشتركة لتشكيل الحكومة”، موضحا أنّه لم يتبق سوى بضع نقاط تحتاج للمناقشة على مستوى آخر وسيتم ذلك في الأيام القليلة المقبلة، وحل نقاط الخلاف. كما أشار إلى أن الجانبين “توصلا إلى ضرورة تسريع تشكيل الحكومة.”

وجاء الحديث عن قرب حلحلة قضية تشكيل حكومة جديدة للإقليم مترافقا مع الإعلان عن الخطوة النوعية باتجاه الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية متمثّلة في الإعلان عن قرب استئناف تصدير النفط الذي كلّف توقفّه قبل نحو عامين خسائر كبيرة انعكست على الوضع المالي للإقليم وقدرة سلطاته على الإيفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها.

وأعلن وزير النفط العراقي حيان عبدالغني، الاثنين، أن صادرات النفط من إقليم كردستان العراق ستستأنف في غضون الأسبوع المقبل.

وكانت تركيا قد أوقفت تدفقات النفط في مارس 2023 بعد أن أمرت غرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع تعويضات لبغداد قدرها 1.5 مليار دولار عن صادرات نفطية بلا تصاريح لحكومة إقليم كردستان عبر خطوط أنابيب بين عامي 2014 و2018.

وقال عبدالغني إنّ وفدا من وزارة النفط سيزور إقليم كردستان للتفاوض حول آلية استلام النفط من الإقليم وتصديره.

وفي وقت سابق من هذا الشهر وافق البرلمان العراقي على تعديل للميزانية لدعم تكاليف إنتاج شركات النفط العالمية العاملة في كردستان وهي خطوة تهدف إلى رفع الحظر عن صادرات نفط الشمال.

ولم تكن قدرة صانع القرار في كردستان العراق على التفاوض وإدارة الخلافات بعيدة عن تمرير ذلك التعديل حيث مثلت بغداد على مدى أشهر قبلة لوفود من الإقليم وموطنا لاتصالات مكثفة مع قيادات ومسؤولين في حكومة رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني ومع برلمانيين وقادة أحزاب وقوى ذات نفوذ كبير في الحكومة.

ومن المتوقع أن يخفف استئناف التصدير الضغوط الاقتصادية عن إقليم كردستان بعدما أدى التوقف إلى تأخير رواتب العاملين في القطاع العام وتقليص الخدمات الأساسية ما تسبب في حالة تذمّر واحتقان اجتماعي داخل الإقليم.

3