مؤشرات أداء إيقاع الاقتصاد لا أثر لها في معيشة الأتراك

يؤكد المحللون أن المؤشرات الإيجابية التي تكشفها البيانات الرسمية بشأن أداء الاقتصاد التركي لم تظهر آثارها في الحياة اليومية للناس، في وقت كثفت فيه الحكومة رهانها على سياساتها النقدية لحماية الليرة المنهارة وكبح انفلات التضخم.
أنقرة - ساق العديد من الخبراء تحفظات بشأن أرقام نمو الاقتصاد التركي، التي تؤكد الحكومة أنها شهدت تحسنا خلال الربع الثاني من هذا العام مدفوعا بأداء مجموعة من الأنشطة.
ويرتكز هؤلاء في تقييمهم على مجموعة من المؤشرات السلبية التي لم تستطع السلطات معالجتها على النحو المطلوب، وفي مقدمتها التضخم الذي أثر على مناحي معيشة المواطنين وتأثر الليرة بسياسة خفض أسعار الفائدة التي يتبناها الرئيس رجب طيب أردوغان.
وفاق الاقتصاد توقعات المحللين بعدما نما 7.6 في المئة خلال الفترة بين أبريل ويونيو الماضيين على أساس سنوي، ما يعد الأفضل في مجموعة العشرين، رغم أن التضخم وصل إلى أعلى مستوى في ربع قرن بدعم من نمو الاستهلاك وزيادة الصادرات.
وكانت توقعات محللين، استطلعت آراءهم وكالة بلومبرغ، تشير إلى نمو بنسبة 7.4 في المئة، بينما خلص مسح أجرته وكالة الأناضول إلى أن النمو يكون عند 7.2 في المئة خلال الربع الثاني.
وفي استطلاع لرويترز، رجح محللون أن يتوسع الاقتصاد التركي بنسبة 7.5 في المئة خلال الربع الثاني مع نمو العام بأكمله عند 4 في المئة.

جيسون توفي: التضخم سيترسخ وسيظل عجز الحساب الجاري واسعا
وأظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 2.1 في المئة مقارنة بالربع السابق على أساس موسمي وتقويم معدّل.
وقال وزير التجارة محمد موش في تدوينة على حسابه في تويتر تعليقا على الأرقام، إن “الصادرات ساهمت بنحو 3.87 نقطة في نمو اقتصاد البلاد بالربع الثاني من العام الجاري”.
وأوضح أن نصف نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال تلك الفترة نجم عن صادرات السلع والخدمات، والتي ساهمت بحوالي 2.7 في المئة.
وفي مواجهة المقايضة بين النمو والتضخم قبل انتخابات العام المقبل، يدافع أردوغان عن نموذج اقتصادي يعطي الصادرات والإنتاج والتوظيف الأولوية على حساب استقرار الأسعار والعملة.
ويأتي ذلك الأمر مدفوعا بسلسلة من التخفيضات غير التقليدية في أسعار الفائدة التي أشعلت أزمة في الليرة، ودوامة تضخمية أواخر العام الماضي.
ويقول الخبراء إن ارتفاع الأسعار ساعد في دفع الإنفاق، بينما ساعد انخفاض الليرة على زيادة الصادرات.
وارتفعت صادرات السلع والخدمات بنسبة 16.4 في المئة خلال الربع الثاني مقارنة بالعام الماضي في مؤشر الحجم المرتبط بالسلاسل، بينما زادت هذه الواردات بنسبة 5.8 في المئة.
ووفقا لحسابات المصرفيين، أضاف استهلاك الأسر 13.6 نقطة مئوية للنمو وزاد الطلب الأجنبي 2.7 نقطة.
وقال جيسون توفي، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، إن “إجراءات دعم الأسر في مواجهة التضخم المرتفع ساعدت في دعم الإنفاق الاستهلاكي”.
وكتب يقول في مذكرة إن “النمو القوي في النصف الأول من هذا العام وأسعار الطاقة العالمية المرتفعة والسياسات لحماية الأسر من ارتفاع التضخم، تعني أن التضخم سيترسخ وسيظل عجز الحساب الجاري واسعا”.
وأضافت الأموال الرخيصة دفعة إلى الاقتصاد البالغ 828 مليار دولار، والذي يتوسع بمعدل يزيد على 6 في المئة كل ربع سنة منذ أن عاد إلى الحياة مع تخفيف عمليات الإغلاق بسبب فايروس كورونا في عام 2020.
ومع ذلك فإنّ طفرة النمو في تركيا قد لا تمضي في مسارها. فقد أشار مسح منفصل للمحللين الشهر الماضي إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي قد ينخفض إلى 3.3 في المئة هذا الربع، و1.3 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام.
16.4
في المئة نسبة ارتفاع صادرات السلع والخدمات خلال الربع الثاني مقارنة بالعام الماضي في مؤشر الحجم المرتبط بالسلاسل
وظهرت بالفعل علامات تباطؤ في الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة، مع تدهور ظروف العمل بين الشركات المصنّعة التركية الشهر الماضي إلى أقصى حد منذ الموجة الأولى من الجائحة.
ويشكل خطر حدوث ركود في أوروبا مصدر قلق على نحو خاص، لأنها الوجهة الرئيسية للصادرات التركية. وقد أشار المركزي التركي بالفعل إلى “فقدان بعض الزخم” في الاقتصاد بوصفه أساسا منطقيا لخفض سعر الفائدة.
ويمكن للسياسات النقدية الفضفاضة للغاية أن تعود لتلاحق تركيا. وحذر خبراء في آي.أن.جي بنك في تقرير نشره في أغسطس، من أن “علاوة المخاطر المرتفعة في الأسواق المالية ومخاطر الاستقرار الكلي المتزايدة قد تؤثر في الطلب المحلي”.
وبحسب بلومبرغ، قال محللو آي.أن.جي بنك، بمن فيهم محمد ميركان، “نشهد ضغوطا مستمرة في التكلفة، وظروفا مالية عالمية أكثر صرامة، وبيئة تنظيمية محلية صعبة، مما يضع ضغوطا على قطاع الشركات”.
وأضاف ميركان “من المحتمل فقدان الزخم في الصادرات بالنظر إلى التباطؤ في منطقة اليورو”.
ويعد أردوغان، الذي تُعتبر فترة حكمه الأطول في تركيا، من دعاة أسعار الفائدة المنخفضة، ويعتمد على مرونة الأُسر والشركات في التعامل مع التضخم الذي من المحتمل أن يصل إلى ذروته السابقة عند 80 في المئة مع انخفاض سعر الليرة إلى مستوى قياسي.
وقال وزير الخزانة والمالية نورالدين نبطي، الذي قدّر تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، الشهر الماضي “إننا لا نتنازل عن النمو”. وفي حديث متلفز أضاف “عندما لا نتنازل عن النمو فإن مكافحة التضخم تستغرق وقتا”.

محمد ميركان: الصادرات قد تفقد الزخم نظرا للتباطؤ في منطقة اليورو
وقاد قطاع المال والتأمين النمو بنسبة 26.6 في المئة، يليه قطاع الخدمات بنسبة 18.1 في المئة، وخدمات الدعم المهني والإداري بنسبة 11 في المئة، فيما توسع القطاع الصناعي بنسبة 7.8 في المئة.
كما ارتفعت أرباح البنوك هذا العام، حيث واصلت الإقراض بمعدلات أعلى بكثير من سعر إعادة الشراء للبنك المركزي لمدة أسبوع واحد، والذي يستخدمه البنك لتمويل السوق.
وأظهرت بيانات نشرت الاثنين الماضي أن صافي أرباح القطاع المصرفي في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام بلغ 207.9 مليار ليرة (11.4 مليار دولار) بارتفاع 417.2 في المئة على أساس سنوي.
وبحسب الإحصائيات ذاتها، ارتفع صافي دخل الفوائد للبنوك بنسبة 216 في المئة خلال الفترة نفسها.
وكشف المركزي عن حيازات سندات جديدة مطلوبة للمقرضين الأسبوع الماضي، بهدف تقريب أسعار قروض الشركات إلى معدل سياسته، في حين يتم تقديم القروض الاستهلاكية والرهون العقارية بمعدلات عالية للغاية.
وعلى الرغم من أن التضخم بلغ 80 في المئة، فإن المركزي خفض سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في أغسطس إلى 13 في المئة.
وأشار إلى مؤشرات على التباطؤ في الربع الثالث، وقال “يجب الحفاظ على الزخم في الإنتاج الصناعي والاتجاه الإيجابي في التوظيف”.
ويرى الاقتصاديون أيضا تراجع النمو في النصف الثاني من العام بسبب الاتجاه التنازلي في الطلب المحلي والأجنبي، بقيادة تباطؤ متوقع في أكبر الشركاء التجاريين لتركيا.
وفي العام الماضي، انتعش الاقتصاد التركي بقوة من الجائحة ونما بنسبة 11.4 في المئة، وهو أعلى معدل له منذ عقد.
وأظهرت بيانات الأربعاء أنه تم تعديل النمو السنوي في الربع الأول من عام 2022 إلى 7.5 في المئة من 7.3 في المئة.