مؤسسات الإعلام المُصادرة عبء إضافي على الدولة التونسية

تطرح الدعوة لإنقاذ مؤسسة "كاكتوس برود" الإعلامية الجدل بشأن جدوى هذه الخطوة مع استمرار أزمة الشركة لـ13 عاما دون أن تتمكن من تحقيق أي تقدم يساعدها على ضمان الاستمرارية.
تونس - دعت نقابة الصحافيين التونسيين الرئيس قيس سعيد إلى التدخل العاجل من أجل إبطال بيع مؤسسة “كاكتوس برود” الإعلامية المُصادرة، غير أن هذه الدعوة تثير إشارات استفهام بشأن جدوى الاحتفاظ بالمؤسسات الإعلامية المفلسة غير القادرة على تأمين مصاريف التشغيل وبالتالي عدم إنتاج المحتوى الذي يحقق الهدف من وجودها.
وتطالب النقابة بالعمل على استمرارية المؤسسة المصادرة منذ 13 عاما وضمان مواطن شغل العاملين بها وإمكانية إلحاقها بمؤسسات الإعلام العمومي وفق نفس الصيغ والإجراءات التي انسحبت على العاملين في إذاعة "شمس.أف.أم"، لكن المتابعين للملف يحذرون من خطورة تحميل الدولة مسؤولية المزيد من مشاريع مفلسة بدلا من إصلاح الشركات لتتحمل مسؤوليتها في إنتاج محتوى إعلامي قادر على جذب المتلقي وتحقيق مردود مالي تستطيع به تغطية نفقاتها واستمراريتها.
ويضيف هؤلاء أن التعثر في بعض المحطات يتطلب من الدولة التدخل لدعم المؤسسة الإعلامية ومساندتها لكنه لا يلغي مسؤولية المؤسسة في إيجاد إستراتيجية وخطة عمل قادرة على النهوض بها مجددا وهذا لم يحدث في "كاكتوس برود".
ويحذر هؤلاء من أن المطالبة بتحميل الدولة مسؤولية إنعاش مؤسسات فشلت في تحقيق أيّ تقدم طوال عقد من الزمن من شأنه أن يشكل عبئا إضافيا يزيد من أعباء الإعلام العمومي. ويعاني الإعلام العمومي في تونس من مشاكل متوارثة عبر الحكومات المتلاحقة، وفي ظل أزمة سياسية طويلة الأمد كان من الصعب وضع إستراتيجية مفيدة تسير بهذا الإعلام نحو الإصلاح.
وكانت السلطات التونسية قد صادرت جميع الممتلكات والمؤسسات العائدة إلى عائلة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وأصهاره والدوائر المقربة منهم، ومن بين المؤسسات في قطاع الإعلام راديو "شمس أف أم" وصحيفة “الصباح” اليومية ومؤسسة “كاكتوس برود” المتخصصة في إنتاج برامج الترفيه.
ووضعت الدولة متصرفين قضائيين على تلك المؤسسات إلى حين تسوية وضعياتها القانونية، وهو ما لم يتحقق على الرغم من مرور نحو 13 عاما من المصادرة. وباتت 51 في المئة من أسهم شركة "كاكتوس برود" ملكا للدولة في حين احتفظ سامي الفهري بـ49 في المئة من أسهمها، لتعرف الشركة بعد ذلك تقهقرا وتراكما في الديون بعد أن كانت أولى شركات الإنتاج التلفزيوني، وهذا الملف أسال الكثير من الحبر دون إيجاد حل لوضع الصحافيين والعاملين في هذه المؤسسة التي باتت مهددة بالإغلاق والإفلاس.
وأشارت النقابة في بيان لها الأربعاء إلى أن مؤسسة “كاكتوس برود” مؤسسة إعلامية مصادرة تتحمل الدولة مسؤولية ضمان ديمومتها الاقتصادية والحقوق المهنية للعاملين فيها بما يسمح بتوفير خدمة عامة لعموم الشعب التونسي.
ولفتت إلى أن العاملين في مؤسسة "كاكتوس برود" المصادرة لا يتحملون أيّ مسؤولية في المآل الاقتصادي والاجتماعي والمهني والقضائي للمؤسسة، معتبرة أن تحالف المال السياسي الفاسد وانتهازية الحكومات المتعاقبة منذ 2011 ساهم في الإجهاز على مؤسسة ناجحة وإفسادها وتخريبها وصولا إلى إحالتها على التسوية القضائية في إطار تصفية وسائل الإعلام.
وبعد أن ذكّرت بفتح طلب عروض لإحالة المؤسسة المصادرة بالصحف التونسية هذا الشهر بناء على القرار الصادر عن المحكمة الابتدائية بتونس، أكدت النقابة أن غياب سياسة عمومية لقطاع الإعلام في تونس بعد الثورة وتعنت السلطة التنفيذية في فتح حوار شامل مع أصحاب المصلحة تسبب بشكل مباشر في المآل الخطير لمؤسسة "كاكتوس برود".
وفي هذا الإطار أوضحت أن اللجنة الوطنية للتصرف في الممتلكات والأموال المعنية بالمصادرة أو الاسترجاع تخلت عن مسؤوليتها في الحفاظ على أملاك الشعب التونسي، وانتهجت سياسة تساهل وتفريط تجاوز كل منطق لم تذهب ضحيته الشركة المذكورة فقط بل العشرات من المؤسسات غيرها.
واعتبرت أن انحراف اللجنة عن مسؤولياتها تسبب في إحالة أكثر من 150 عاملا على البطالة القسرية مما تسبب في تجويع العشرات من العائلات والتنكيل بهم وتعريضهم لشتى الآفات الاجتماعية وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة.
وأكدت النقابة أنه وبناء على الخطاب الرسمي حول حماية الممتلكات والمؤسسات العمومية والمصادرة وإصلاحها، والتصدي لمحاولات التفويت فيها تحت أيّ عنوان، ورفض أيّ محاولات إغلاق مثل هذه الملفات لطمس معالم الفساد الذي نخرها لمدة عقود في إطار التحالف الإستراتيجي بين المال والسياسة، تدعو الرئيس إلى التدخل العاجل لإنقاذ المؤسسة.
ويقول صحافيون إن نقابة الصحافيين بدت عاجزة عن إيجاد حل لهذا الملف، حيث أن التحركات الاحتجاجية كانت تساهم نسبيا في تحريك المياه الراكدة تحت هذا الملف لكن دون أثر حقيقي.
◙ التعثر يتطلب من الدولة التدخل لدعم المؤسسة الإعلامية ومساندتها لكنه لا يلغي مسؤولية المؤسسة في إيجاد خطة عمل قادرة على النهوض بها
ويشير الصحافيون إلى أن الإشكال اليوم هو أن المعارك التي تخوضها النقابة مع السلطة السياسية وما يثار حول أجندات تقف خلف تحركات البعض يجعلان من فرص فتح حوار جدي بين الطرفين، لمعالجة أوضاع الصحافيين والقطاع ككل، أمرا غير متاح.
ويلفت البعض إلى أن الحديث عن ردة في حرية الصحافة منذ انطلاق مسار الخامس والعشرين من يوليو لا يبدو مقنعا، لسبب بسيط وهو أن هذه الحرية ذاتها كانت مختطفة من قبل لوبيات "المال والأعمال" بتواطؤ مع المنظومة السياسية الحاكمة خلال السنوات الماضية، ولم يتم تسجيل تحرك من النقابة، في حين أن "المبدأ لا يتجزأ".
وفي يناير 2022، تمت إقالة هالة غربية المتصرفة في الشركة بسبب الفترة الكارثية التي تمر بها مع سلسلة غير مسبوقة من الديون غير المدفوعة وتقطّع في أجور العاملين كما صادر الدائنون بعض معدات الشركة وباعوها بالمزاد العلني.
يذكر أن الصحافيين والعاملين بالمؤسسة قد هدّدوا طيلة السنوات السابقة بالتصعيد والدخول في إضراب جوع والاعتصام أمام مقر رئاسة الحكومة إذا ما لم يتم التجاوب مع مطالبهم، بعد أن نفّذوا العديد من الوقفات الاحتجاجية، على إثر صرف نصف أجور الصحافيين والموظفين والتقنيين والعمال، وعدم الدفع للتغطية الاجتماعية، إضافة إلى تنفيذ عقلة على كافة معدات الشركة وبيع سياراتها في المزاد العلني مما أصبح يهدد موطن رزق أكثر من 150 عائلة.
وطالبوا رئاسة الحكومة ووزارة المالية ولجنة الأملاك المصادرة للتدخل الفوري لإيقاف النزيف الحاصل بشركة "كاكتوس برود" المصادرة مع التعجيل بتعيين شخص من ذوي الكفاءة على رأسها مع إعادة جدولة ديونها بما يضمن استمراريتها وديمومتها.