مؤتمر "محمود درويش: سردية الماضي والحاضر" يجمع الشعر بالفنون

مشروع ثقافي يتناول أعمال درويش بأشكال فنية وثقافية مختلفة.
السبت 2022/11/26
الشاعر حالة حضارية لا أدبية فقط

رام الله - أطلقت مؤسسة عبدالمحسن القطان الخميس مؤتمر “محمود درويش: سردية الماضي والحاضر”، الذي جاءت فكرته نتاجَ لقاءات تشاورية بين مجموعة من المؤسسات الثقافية المهتمة بشأن درويش داخل فلسطين وخارجها.

وأوضحت المؤسسة في بيان صدر عنها الخميس أنه من منبع أهمية الحالة التي شكلتها شخصية درويش، خلُصت المباحثات بين الشركاء إلى مشروع من ثلاث مراحلَ مختلفة، على أن تتناول أعمال الشاعر بأشكال فنية وثقافية مختلفة، ويستمر المؤتمر لثلاثة أيام.

وقال منسق البرامج في البرنامج العام في مؤسسة القطان شادي بكر “في المرحلة الأولى قررت المؤسسة وضمن منحة الإقامات، منح إقامة فنية للفنان التونسي حمدي دريدي لتنفيذ عمل فني، قام بكتابة نصه القيمي المخرج إيليا سليمان، لكن ما حدث في ما بعد أن الاحتلال رفض السماح للفنان دريدي بدخول فلسطين”.

وأضاف أنه في المرحلة الثانية من المشروع تعاقدت مؤسسة القطان مع فنانين نفذوا مجموعة من العروض الأدائية التي تحتفي بأعمال الشاعر محمود درويش وأثره الأدبي العالمي، وتستكشف أيضا إبداعه بوصفه شخصية ثورية رمزية ووطنية وعربية وقومية، ومرجعا أساسيا للشعر الحداثي بشكل عام، والملتزم منه بشكل خاص، وحمل المشروع اسم “توتر أزلي”.

المؤتمر يعتبر مشروعا متكاملا من ثلاث مراحل مختلفة على أن تتناول أعمال الشاعر بأشكال فنية وثقافية مختلفة
المؤتمر يعتبر مشروعا متكاملا من ثلاث مراحل مختلفة على أن تتناول أعمال الشاعر بأشكال فنية وثقافية مختلفة

وتابع “أما المرحلة الثالثة، ستكون مؤتمرا يتناول أعمال الشاعر التي تفاعلت مع الأدب والفكر السياسي الحديث، حيث يسعى المؤتمر من خلال تجلياته الخمسة إلى استكشاف أثر أعمال درويش الأدبية العالمية، والتوترات التي صاغت لغته أحيانا، بطريقة جعلت فهمها متأرجحا في أذن سامعها، من خلال المعاني التي طرحتها أعماله، بين المعنى واللامعنى، وبين المأساة والملهاة، وبين الفرد والجماعة، وبين الخاص الفلسطيني والإنساني العام”.

وأوضح بكر أن المؤتمر الذي يستمر على مدار ثلاثةِ أيام بواقع خمسِ جلسات، قدمت خلاله مداخلات لمتحدثين هم مجموعة من الشعراء والنقاد والأكاديميين ممن عايشوا حياة درويش وكانوا معه في لحظات مختلفة من حياته ومرضه، وآخرين يمثلون مجموعة قد تختلفُ مع درويش في بعض الجزئيات.

وأشار إلى أن المؤتمر قد لا يحتفي بأمجاد درويش بقدر ما يُحلل أعماله لخلق حالة من النقد البناء، لذلك يبحث في كيفية توظيف إرث محمود درويش، وتمثيله، وتأويله في الماضي وفي الحاضر، كما يلتفت إلى التوظيف الممنهج لبعض أعمال درويش في إطارات الأرض والوطنية.

في كلّ ثقافة معاصرة شخصيّات حلّقت في فضاء شاسع، وأثبتت حضورا عالميا، وهنا لا يكفي أن يكون المرء صاحب قضية عادلة، بل يحتاج إلى الفرادة والتميّز والقدرة الخارقة على ابتكار الجديد في عالمه الأدبيّ ليكون مؤثّرا ومصدّرا لقضيّته وأدبه، وهذا ما ينطبق على الشاعر الفلسطيني محمود درويش (1941 - 2008) الذي يعدّ أحد أبرز الشعراء العرب المعاصرين تأثيرا وحضورا في العالم.

وقد نال درويش استحقاق الاحترام من أهم المؤسسات الثقافية الدولية حتى بات شعره نموذجا متفوقا لعالمية الأدب. يضاف إلى ذلك موسوعة الكتابات والدراسات النقدية التي اشتغلت على شعره، وانحازت إلى بيان إيجابيات ذلك الشعر، متغاضية عن التفكير بأي قصور فني محتمل، ومتحمسة بشكل سحري إلى جماليات الأساليب وأنماط البنية الفنية المتجددة في التشكيل الشعري عند درويش.

ويختلف الشاعر عن أقرانه من الشعراء الفلسطينيين إذ أنه لم ينحصر في القضية الفلسطينية وفي الصدامات أو البيانات الشعرية المشحونة بما هو سياسي بشكل مباشر، بل ذوّب كل تصوراته وقضاياه في مزيج إنساني منفتح على الآخر وعلى الأساطير الإنسانية وعلى التفاصيل اليومية البسيطة، مستفيدا من تنويعات فنية وفكرية وجمالية تجول بقارئ شعره في أزمنة وأمكنة مختلفة لتصل به إلى المشترك الإنساني في النهاية.

في كلّ ثقافة معاصرة شخصيّات حلّقت في فضاء شاسع وأثبتت حضورا عالميا
في كلّ ثقافة معاصرة شخصيّات حلّقت في فضاء شاسع وأثبتت حضورا عالميا

ويعتبر شعر درويش دفاعا ثقافيا مضادا ضد الاحتلال لا لفلسطين فحسب، بل وكل نظرة استشراقية أو كولونيالية تحط من شأن الشعوب الأخرى، فاستطاع بفاعلية جمالياته الإبداعية المنفتحة أن ينال كل هذا الاهتمام والإعجاب وربما “الأسطرة”.

ويتأكد عدم اتكاء الشاعر على قضية وطنه من خلال من درسوا شعره، إذ أن نسبة عالية ممن تناولوا شعره وحللوه كتبوا ما كتبوه بشفافية انبهارية تمجد فن الشعرية في هذه التجربة، بحيث تضاءلت كثيرا نسبة القائلين إن القضية الفلسطينية هي التي حملت القراء على التعاطف مع شعر درويش.

واحتفى كثيرون بدرويش الحاضر الغائب سواء عبر دراسات نقدية أو حتى من خلال أعمال فنية موسيقية على غرار الكثير من أعمال مجموعة “تريو جبران” أو حفل مرسال خليفة “أنا ومحمود” وأعمال تشكيلية استلهم فنانوها لوحاتهم من قصائد الشاعر على غرار التجربة التي قام بها أربعة عشر فنانا وفنانة من فلسطين في معرض بعنوان “صور للشاعر محمود درويش”.

واهتمت السينما كذلك بالشاعر ونذكر فيلم “كما قال الشاعر” للمخرج الفلسطيني نصري حجاج الذي قدم ملامح مختلفة من حياة الشاعر كما عرفه مجايلوه عن قرب.

وفي جمعه بين الورقات النقدية والدراسات الأدبية والأعمال الفنية يساهم مؤتمر “محمود درويش: سردية الماضي والحاضر”، الذي يختتم فعالياته السبت السادس والعشرين من نوفمبر الجاري، في تشكيل رؤية مختلفة للشاعر في محيطه الثقافي والفني وبالتالي الحضاري، إذ ليس الشعر بمعزل عن الحراك الثقافي في شموليته.

13