مؤتمر لندن لإنقاذ السودان يعقد في غياب الجيش والدعم السريع

غياب طرفي الصراع عن المؤتمر يثير تساؤلات حول حدود ما يمكن أن يصل إليه من قرارات يمكن تنفيذها.
الأربعاء 2025/04/16
التفاتة مناسباتية لمعاناة مستمرة

لندن - استضافت العاصمة البريطانية لندن الثلاثاء مؤتمرا دوليا لإنقاذ السودان مع دخول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثالث، ويندرج المؤتمر في سياق البحث عن مسار يمكن معه التعامل مع الوضع الإنساني المتردي.

وأثار غياب طرفي الصراع عن مؤتمر لندن تساؤلات حول حدود ما يمكن أن يصل إليه من قرارات يمكن تنفيذها، في ظل عدم التنسيق مع قوى تمتلك مفاتيح الحل وتمضي في طريق المعارك العسكرية.

وقالت بريطانيا إن المؤتمر فرصة لتعزيز الاستجابة الدولية للأزمة، لكن حكومة السودان انتقدت المؤتمر لعدم إشراكها.

ولم يركز المؤتمر على بحث سبل التسوية السياسية، وركز جهوده على الجانب الإنساني.

وإلى جانب الدولة المضيفة، جرى المؤتمر برعاية كل من فرنسا وألمانيا والأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، ووزراء من 14 دولة، بينها السعودية والولايات المتحدة.

إمام الحلو: مؤتمر لندن جمع أطرافا لها قدرة على التأثير
إمام الحلو: مؤتمر لندن جمع أطرافا لها قدرة على التأثير

ولن يرتفع سقف المؤتمر أكثر من توفير مساعدات مالية لتخفيف حدة المعاناة الإنسانية، في وقت تراجع فيه التمويل الذي تحصل عليه هيئات ومنظمات عاملة في مجال الإغاثة، وما ترتب عليه من توقف خدماتها داخل السودان مؤخرا.

ويعكس تنظيم المؤتمر بعد فترة من خفوت الجهود الإنسانية والسياسية الدولية الساعية إلى وقف الحرب منذ عقد مؤتمر جنيف في أغسطس الماضي، خشية بعض الدول من التأثيرات السلبية لإطالة أمد الصراع، مع تعقيدات الوضعين الإنساني والعسكري في إقليم دارفور، وما يرشح من تداعيات سلبية على دول عدة.

وظهرت رؤية لندن في آليات المشاركة في المؤتمر، واستبعاد الجيش والدعم السريع منه، وفتح المجال لمعرفة رؤى قوى سياسية ومدنية تقدمت بمطالب للمشاركين في المؤتمر، ويمكن أن تقود لإنقاذ الملايين من الأبرياء والتخفيف من انعكاسات الصراع عليهم، غير أن ذلك قلص من التعويل على نتائج ملموسة، في غياب التنسيق والتشاور مع الطرفين المؤثرين في مسار الحرب الراهنة.

وأعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي تخصيص 120 مليون جنيه إسترليني، من ميزانية المساعدات الخارجية البريطانية، لتوفير الغذاء لـ650 ألف شخص في السودان العام المقبل، كما تعهدت ألمانيا بتقديم مساعدات بقيمة تبلغ 125 مليون يورو، وتخصص الأموال لمساعدة منظمات إغاثة دولية ومحلية لتوفير الغذاء والدواء.

وقال رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي إمام الحلو في تصريحات لـ”العرب” إن المؤتمر يأتي بعد عامين من اندلاع حرب غير مشهودة في التاريخ الحديث للسودان، وبعد انعقاد عدة مؤتمرات هدفت إلى البحث عن تمويلات ومساعدات إنسانية صعبة.

وأوضح الحلو أن التعويل على إيجاد خطوات لوقف الحرب تراجع بالنسبة للشعب السوداني الذي يسعى إلى توفير سبل يمكن أن تنقذه أولا من الدمار والنزوح المستمر، وأن خفوت حضور المجتمع الدولي في الأزمة السودانية خلق قناعة بأنه لن يتحقق شيء في ظل اشتعال المعارك في مناطق متفرقة، ومع فشل القوى السياسية في الاتفاق على موقف موحد يشكل ضغطا على طرفي الصراع.

وأشار إلى أن مؤتمر لندن جمع أطرافا لها قدرة على التأثير في تحسين الوضع الإنساني، لكن من الصعب استباق النتائج، لأن التجارب السابقة كانت سلبية للغاية، ويبقى الأمل في تأثير الدول والمنظمات والهيئات المشاركة في الضغط على طرفي الصراع لحماية المدنيين، وليس مطلوبا من هؤلاء سوى السماح بوصول المساعدات مع ضرورة تقديم كل من ارتكب جرائم حرب إلى محاكمات عاجلة وعادلة.

محمد تورشين: بريطانيا تسعى إلى تأكيد حضورها في الملف السوداني
محمد تورشين: بريطانيا تسعى إلى تأكيد حضورها في الملف السوداني

واعترض السودان على مشروع قرار تقدمت به بريطانيا قبل أشهر إلى مجلس الأمن، وهدفه إيجاد مناطق آمنة للمدنيين وتوفير مسارات تدخل لحمايتهم. وتسبب فيتو روسي في مجلس الأمن مدعوم من الحكومة السودانية في التراجع عن خطوات جرى التعامل معها كأنها تقدم خدمة لقوات الدعم السريع.

وخلقت العلاقات المتوترة بين بريطانيا وحكومة السودان معوقات يمكن أن تعرقل تنفيذ التوصيات الصادرة عن مؤتمر لندن، حيث يملك الجيش سيطرة كبيرة على منافذ إدخال المساعدات بسبب اتساع رقعة هيمنته الجغرافية في ولايات مختلفة.

وأكد الخبير في الشؤون الأفريقية محمد تورشين أن مؤتمر لندن لن يأتي بجديد، بعد أن تجاهل القوتين الفاعلتين؛ الجيش والدعم السريع، وهما يمتلكان أدوات كثيرة للمواجهات العسكرية،  بينما القوى السياسية والمدنية التي حضرته هي في حقيقتها لا تزال على هامش الصراع، ونجاح المؤتمر يرتبط بالوصول إلى من تأثروا بالحرب.

وذكر تورشين في تصريح لـ”العرب” أن بريطانيا تهدف من المؤتمر إلى تأكيد حضورها في الملف السوداني، ونفوذها قائم كإحدى القوى الاستعمارية السابقة، وسط تنافس قوى إقليمية ودولية على المصالح والتأثير في مجريات الأزمة الراهنة، وتسعى إلى تقديم تصورات عامة لها علاقة برؤيتها للحل.

وأوضح تورشين أن توقيت انعقاد المؤتمر يرتبط بوضع السودان وما قد ينتهي إليه من انهيار للدولة، وانعكاس ذلك على أوضاع اللاجئين، وتزايد معدلات النزوح إلى دول الجوار وأوروبا، فضلا عن تحول الأراضي السودانية إلى معبر لشبكات الهجرة غير الشرعية، ومنها إلى الحدود المفتوحة مع ليبيا والانطلاق من هناك في رحلات عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، بجانب المخاوف الكبيرة من ظهور تشكيلات جديدة لجماعات متطرفة قد تتحرك بحرية وتنتقل إلى أوروبا، في ظل السيولة الأمنية المتفاقمة.

واحتجت الحكومة السودانية على عدم دعوتها للمشاركة في مؤتمر لندن، وأرسل وزير الخارجية علي يوسف رسالة إلى وزير خارجية بريطانيا ديفيد لامي، عبّر فيها عن احتجاجه على تنظيم بلاده مؤتمرا حول السودان من دون دعوة حكومته.

وأكدت وزارة الخارجية الألمانية في وقت سابق أن كلا من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع “غير مستعدين للجلوس إلى طاولة المفاوضات”.

وتشير بيانات صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن نصف السكان (نحو 25 مليون نسمة) يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ونزح أكثر من 11 مليون شخص داخل البلاد.

2