مؤتمر لقضايا تونس أم مؤتمر انتخابي لحسم الخلافات والصراعات

تونس- وصفت أوساط سياسية تونسية مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل بأنه فرصة لهذه المنظمة لتغيير مسارها باتجاه خدمة قضايا تونس على المستوى البعيد بدلا من أن يكون مؤتمرا لحسم الخلافات والصراعات بمنطق المغالبة الانتخابية، وهو منطق يحتكم في العادة إلى المزايدات.
وأشارت الأوساط التونسية إلى أن المؤتمر الذي يعقد الأربعاء ويستمر لثلاثة أيام، في مدينة صفاقس ذات الثقل النقابي، يمكن من خلال القيادة التي سيتم انتخابها أن يغيّر وجه الاتحاد الذي ظل خلال السنوات الماضية يتصرف وكأنه حزب له حساباته وتحالفاته ولا يختلف بهذا عن حركة النهضة وبقية الأحزاب، ليصبح شريكا اجتماعيا يعمل ما في وسعه على تحقيق مكاسب لمنتسبيه من موظفين وعمال على حسب إمكانيات الدولة وظروفها، وليس من باب التعجيز وإغراق ميزانيتها بزيادات متتالية أكبر من قدرتها.
وأضافت هذه الأوساط أن المؤتمر يعقد في ظرف سياسي خاص يقوم على الصراع بين الرئيس التونسي قيس سعيد ولوبيات سياسية ومالية وقطاعية تريد أن تستمر في احتكار القوة والنفوذ، وعلى الاتحاد أن يختار إلى أيّ صف سينحاز، هل سيكون إلى جانب الرئيس قيس سعيد وما قد يفرضه هذا الخيار من تقديم تضحيات من بينها القبول بهدنة اجتماعية ودعم إصلاحات اقتصادية ضرورية وعاجلة، أم أنه سيقف في الصف المقابل ويمارس ضغوطا على الدولة والحكومة.
ويعتقد مراقبون محليون أن الفرصة مواتية أمام الاتحاد ليكون في مستوى المرحلة، معتبرين أن المسؤولية الوطنية يجب أن تكون على أساس المصارحة سواء داخل البرلمان من خلال عرض اللوائح والبرامج أو خارجه بتأكيد القيادة الحالية على أن خيار التصعيد والتلويح بالإضرابات والاعتصامات والمعارضة الجذرية لأيّ إصلاحات خيار لم يعد ممكنا حاليا ليس فقط لرغبة الاتحاد في التهدئة وعدم الصدام مع رئيس بشخصية قوية يرفض منطق ليّ الذراع، ولكن، وهذا الأهم، أن تونس لم تعد تحتمل المزايدات ومراكمة المكاسب الفئوية.
وتساءل المراقبون عن مسؤولية الاتحاد في ما وصلت إليه تونس الآن خاصة من خلال الإيحاء بأن الدولة مازالت قادرة على تحمل الرواتب دون سقف معقول، وأن الاتحاد لن يسكت كما جاء في تصريحات سابقة لأمينه العام نورالدين الطبوبي.

محمد علي البوغديري: المؤتمر يعقد في ظل انقسام واضح واعتداء على القانون
وأشار الطبوبي في خطاب له خلال ديسمبر الماضي إلى أن “اتحاد الشغل لن يخون الوطن ولن يخون العمال بعدما طلبت الحكومة تجميد الأجور لمدة خمس سنوات”، وأنهم “لو أرادوها معركة تقدم وازدهار وبناء سيكون الاتحاد في المقدمة وإذا أرادوها معركة كسر عظام نحن جاهزون لها ولا خيار آخر لنا”.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه المراقبون هذه التصريحات بأنها موجهة إلى النقابيين ضمن حملة انتخابية أكثر منها تحديا لقيس سعيد، فإنهم لفتوا إلى أن المقياس الحقيقي للسلطة السياسية في التعامل مع الاتحاد سيكون الموقف من الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة من صندوق النقد الدولي كشرط لحصول تونس على التمويلات اللازمة لتنفيذ مشاريع التنمية.
ويرى هؤلاء أن هذه الإصلاحات تتطلب جرأة من القيادة النقابية، فخلال عشر سنوات كان الاتحاد يعارض مختلف الإصلاحات وخاصة ما تعلق بالمؤسسات الحكومية، والآن تعيش هذه المؤسسات على وقع الإفلاس والفساد، وسيكون أيّ دفاع عن بقاء الوضع كما هو بمثابة تعطيل الإصلاحات دون مبرر.
وكان الأمين العام للاتحاد قال في تصريحات أخرى إن هناك “نزعة تفرّد في أغلب القرارات المصيرية، ومنها التفاوض مع الدوائر المالية العالمية، فضلا عن نزعة متنامية من العداء للعمل النقابي ووضع العراقيل أمامه”، في إشارة إلى تمسك قيس سعيد بالإصلاحات وعدم رهن للمشاورات والتمطيط الزمني، وستكون هذه النقطة مفصلية في تحديد الأسماء الفائزة في المكتب التنفيذي الجديد.
وتقول مصادر مقربة من اتحاد الشغل إن هناك تنافسا شديدا بين القيادة الحالية برئاسة نورالدين الطبوبي، والتي سعت لإطلاق تصريحات متوازنة بشأن العلاقة مع الرئيس قيس سعيد وحكومة نجلاء بودن، وبين مرشحين آخرين يعتقدون أن الاتحاد في الفترة الماضية دخل منطقة الحسابات السياسية على حساب مصالح العمال، وأن عليه أن يعود إلى الضغط على الحكومة بقطع النظر عن الظروف التي تعيشها.
وتشير المصادر إلى أن الكفة تميل لصالح الفريق الأول بالرغم من الحرج الذي يعيشه بعد التعديل الأخير الذي سمح للقيادة الحالية بالتجديد بالرغم من استنفاد حقها في الترشح.
وكان المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي لاتحاد الشغل المنعقد خلال شهر يوليو الماضي في سوسة قد أقر إدخال تنقيح على نظامه الأساسي يجيز لأعضاء مكتبه التنفيذي الوطني الترشح لأكثر من دورتين متتاليتين على أن يشمل التجديد على الأقل ثلث الأعضاء ضمن تركيبة المكتب التنفيذي وأعضاء الجامعات مع حصر الأمانة العامة بالمكتب التنفيذي لدورتين فقط.
وسيمكن هذا التنقيح ما لا يقل عن تسعة أعضاء من مجموع ثلاثة عشر عضوا من المكتب الحالي بمن فيهم الأمين العام من تجديد ترشحهم في المؤتمر القادم.
وقال الأمين العام المساعد للاتحاد محمد علي البوغديري إن “كل النداءات لتأجيل المؤتمر الخامس والعشرين للاتحاد قد باءت بالفشل”.
وأضاف في تصريحات لإذاعة “الجوهرة أف أم” المحلية أن ” المؤتمر سيمر في ظروف قاتمة وانقسام واضح داخل الهياكل النقابية وكذلك في ظل اعتداء صارخ على القانون”.
وأوضح أنه “لم يترشّح وفضّل الانسحاب لأن المؤتمر غير شرعي وانقلب على قانون المنظمة”، مؤكدا أيضا أنه “لا يبحث عن المواقع بقدر حرصه على مستقبل الحركة النقابية”.