مؤتمر في القاهرة لحل الأزمة السودانية: الهدف تجميع الفرقاء

القاهرة- دعمت قوى سودانية مقاربة مصرية جديدة قد تساعد على تهدئة الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن هذه المقاربة تواجه تحديات عديدة من بينها أن مصر لا تمتلك رؤية واضحة لإدارة الخلافات السودانية، وأن ما يهمها هو إظهار القدرة على تجميع الفرقاء تحت سقف واحد، في وقت تحتدم فيه المعارك العسكرية في أماكن متفرقة بين الجانبين، وتتباعد فيه المسافات السياسية بين القوى السودانية المشاركة في مؤتمر القاهرة خلال يومي السبت والأحد.
وسيطر التوتر على الأطراف السودانية المشاركة في المؤتمر، ما يظهر أن الجهة المنظمة لم توفق في تأمين الحد الأدنى من شروط المشاركة.
ورفض مسؤولون حكوميون، من بينهم نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار ووزير المالية جبريل إبراهيم وحاكم دارفور منّي أركو منّاوي، عقد لقاء مباشر مع رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية “تقدم”.
واتّهم ممثلو الحكومة المتحالفة مع الجيش رئيس الوزراء السابق وأعضاء التنسيقية بأنهم واجهة لقوات الدعم السريع، وفق ما أفادت به مصادر مقربة من عقار وحمدوك.
وشهدت العاصمة الإدارية الجديدة بشرق القاهرة السبت افتتاح مؤتمر دولي لبحث وقف الحرب في السودان بحضور قوى سياسية ومدنية متباينة تحت عنوان “معا لوقف الحرب في السودان”، بمشاركة وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبدالعاطي.
وشارك في المؤتمر ممثلون عن قوى سودانية وعن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، ودول فاعلة وذات اهتمام بالأزمة في السودان.
وقال مصدر مقرّب من منّاوي إن المعسكر الموالي للجيش حضر المؤتمر “مجاملة لمصر” التي ينظر إليها على أنها مقربة من قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
وأكد عبدالعاطي أمام المؤتمر أن التداعيات الكارثية للحرب تتطلب الوقف الفوري والمستدام للعمليات العسكرية حفاظاً على مقدرات الشعب ومؤسسات الدولة، وأن وقف الحرب “يتيح الاستجابة الإنسانية الجادة والمنسقة والسريعة من كافة أطراف المجتمع الدولي، والتوصل إلى حل سياسي شامل يستجيب لآمال وتطلعات الشعب”.
وشدد على أن أي حل سياسي حقيقي لا بد أن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم، وبلا ضغوط خارجية وبتسهيل من المؤسسات الدولية والإقليمية.
وقالت مصادر سودانية إن تعدد المبادرات المطروحة وعدم وجود تنسيق واضح بينها يعرقلان نجاح المبادرة المصرية، فتوازيا مع مؤتمر القاهرة هناك دعوة من الأمم المتحدة لعقد لقاء غير مباشر بين وفدين يمثلان الطرفين المتصارعين في جنيف بعد أيام، ودعوة من الاتحاد الأفريقي لعقد لقاء مباشر بين الطرفين في الفترة من العاشر إلى الخامس عشر من يوليو الجاري، ومطالبات بالعودة إلى منبر جدة الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة.
وأكدت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن وزارة الخارجية المصرية انتبهت إلى هذه النقطة، ووجهت دعوات لقوى إقليمية ودولية مهتمة بالأزمة، لتفويت الفرصة على ما يمكن أن يتردد حول وجود تضارب في المبادرات، وثمنت الجهود التي تبذلها جميع الأطراف، لأن الهدف وقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية التي ضربت إقليم دارفور.
لكن المصادر لم تشر إلى فحوى المقاربة المصرية، وما إذا كانت القاهرة لديها رؤية لوساطتها أم تسعى إلى حل من خلال الحوارات السودانية – السودانية.
ويعد مؤتمر القاهرة استكمالاً لجهود مصر السابقة، حيث استضافت قبل نحو عام مؤتمرا لدول جوار السودان، واجتماعات عديدة لقوى سودانية من مشارب سياسية مختلفة، في إطار من التعاون والتكامل مع شركاء إقليميين ودوليين، ومنبر جدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد).
وتكمن أهمية المؤتمر في اجتماع قوى سودانية متنوعة تحت سقف واحد، بعضها يؤيد الجيش، والبعض الآخر يقف في صف الدعم السريع، حيث عقدت في القاهرة لقاءات، كل لقاء على حدة، ما قلل من تأثيرها في مسار الأزمة خلال الفترة الماضية.
واعتبر رئيس الحكومة السودانية السابق، رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) عبدالله حمدوك أن مؤتمر القاهرة يعقد “في توقيت مفصلي بالنسبة إلى الدولة التي تواجه أزمة وجودية أودت بحياة الكثير من أبناء شعب السودان”، ويعالج ثلاث قضايا رئيسية، الأولى تتعلق بوقف الحرب، والثانية تخص الأزمة الإنسانية، والثالثة تهم بحث العملية السياسية وأجندتها والمبادئ العملية الأساسية.
ووجهت وزارة الخارجية في مصر الدعوة إلى أكثر من 50 قياديا من قياديي القوى السياسية والمدنية والمجتمعية وشخصيات قومية ورجال دين وإدارات أهلية، وتجاوز المؤتمر التيار الإسلامي، ولم تقدم دعوة لحزب المؤتمر الوطني المنحل.
وراعى التحرك المصري التوازنات بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث شملت الدعوة المصرية القوى المنضوية تحت تحالف قوى الميثاق الوطني المساندة للأول، وتنسيقية “تقدم” المتّهمة من جانب خصومها بمساندة قوات الدعم السريع وهو ما تنفيه دائما، فضلا عن قوى وشخصيات تتراوح مواقفها بين الطرفين، ومجموعة مستقلة.
وثمن المحلل السياسي السوداني محمد تورشين الشعار الذي رفعه مؤتمر القاهرة (معا لوقف الحرب في السودان)، قائلا إنه “يعكس إدراك ومعرفة مصر بتفاصيل الأزمة السودانية الدقيقة دون تدخلات خارجية”.
وأوضح لـ”العرب” أن التحرك المصري جيد في دعوته القوى السياسية الفاعلة، “وآمل أن تكون هذه القوى على قدر التحدي الذي يواجهها، وتناقش القضايا الحيوية الشائكة والتوصل فيها إلى تفاهمات وخارطة طريق واضحة، وأبرزها الحد من تفاقم الأزمة الإنسانية، وتوحيد المؤسسة العسكرية لتكوين جيش وطني واحد، ورسم صورة لنظام الحكم وشكل الدولة وعلاقاتها الخارجية، وبالطبع وضع نهاية للحرب”.
وعبّر تورشين عن تخوّفه من أن يؤدي تجذر الخلافات إلى المزيد من التعقيدات التي حالت دون لقاء الطرفين المتقاتلين وعقد اجتماع مباشر بينهما، ولذلك من المفيد توحيد المبادرات المطروحة، وتعزيز منبر جدة وما حققه من تقدم في الجولات السابقة.
ورفضت الحركة الشعبية – شمال، جناح عبدالعزيز الحلو، المشاركة في مؤتمر القاهرة، وأعلنت نائبة رئيس التيار الثوري الديمقراطي بثينة دينار اعتذارها أيضا، مطالبة تنسيقية “تقدم” بتبني رؤية واضحة حول العملية السياسية قبل المشاركة، بينما زاد الإعلان عن المشاركة قبيل انعقاد جلسات المؤتمر.
وقال المفكر السياسي الشفيع خضر إن موافقة القوى المدنية والسياسية على المشاركة تعني أنها باتت على قناعة بأن الوطن كله أصبح في مهب الريح، وأن خطرا داهما يتهدد الجميع، وما يجمع بين هذه القوى للحياة في سودان آمن أقوى مما يفرقها.
واستبعد متابعون أن يحسم المؤتمر كل القضايا المطروحة سريعا، لأنها تحتاج إلى لقاءات عدة، واقترحوا التأكيد على المبادئ العامة حول وقف الحرب عبر التفاوض، ومعالجة الأزمة الإنسانية، والحفاظ على وحدة السودان، والسعي نحو عملية سياسية تؤسس لفترة انتقال تأسيسية، والتوافق على لجنة تحضيرية لعقد لقاءات مكملة.
وأرسل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة خطابا إلى قائد الجيش السوداني، اقترح فيه إرسال وفد إلى جنيف في العاشر من يوليو الجاري لبدء محادثات مع قوات الدعم السريع تحت رعاية الأمم المتحدة.
وذكر موقع “سودان تربيون” أن الخطاب أشار إلى أن المفاوضات ستركز على الإجراءات الواجب اتخاذها لضمان توزيع المساعدات الإنسانية على جميع السكان السودانيين المحتاجين، ومناقشة الخيارات لضمان حماية المدنيين.
وكلف مجلس الأمن الدولي لعمامرة بناء على القرار 2740 باستخدام مساعيه لوقف القتال في السودان، وطُلب من الأمين العام للأمم المتحدة التشاور مع السلطات السودانية والمعنيين الإقليميين من أجل تقديم توصيات لحماية المدنيين في السودان.