مؤتمر فرنسي لدعم الجيش اللبناني تفاديا لانهيار كامل

باريس – قالت مصادر أوروبيّة إن مؤتمر دعم الجيش اللبناني الذي دعت إليه فرنسا والذي انعقد الخميس يستهدف إنقاذ آخر حصون الدولة اللبنانية.
وأوضحت أن الهدف من المؤتمر، الذي يستهدف الحؤول دون انهيار الجيش اللبناني، تفادي فوضى عارمة وانهيار كامل في البلد في حال عجز الجيش عن القيام بمهامه على الصعيد الداخلي، مثلما أشار إلى ذلك قائد الجيش العماد جوزيف عون الخميس خلال المؤتمر.
وأشارت المصادر إلى أن المؤسّسة العسكرية حاليا في حالة يرثى لها بعدما فقدت العملة اللبنانية تسعين في المئة من قيمتها ولم يعد باستطاعة الجندي العادي في الجيش اللبناني الالتحاق بموقع خدمته وتوفير الطعام لعائلته.
واعتبر مسؤولون لبنانيون أن فرنسا تعمل مع الإدارة الأميركية على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من لبنان في انتظار تسوية سياسية تسمح بتشكيل حكومة جديدة تستطيع التفاوض بشأن الحصول على مساعدات دوليّة.
وقال المسؤولون اللبنانيون إن الهدف من المؤتمر كسب الوقت عن طريق إبقاء الجيش متماسكا.
وكشف هؤلاء أن لدى فرنسا ودول أخرى خطة واضحة بشأن الإبقاء على الجيش اللبناني متماسكا. ومن بين ما تتضمنّه هذه الخطة توفير مساعدات ماليّة مباشرة بالدولار لعناصر الجيش من جنود عاديين وضباط، وذلك بعد وصول ما يتقاضاه الضابط اللبناني إلى ما يساوي 300 دولار في الشهر بعدما كان راتبه نحو ثلاثة آلاف دولار.
وتشارك حوالي عشرين دولة، من بينها الولايات المتحدة ودول الخليج وعدة دول أوروبية، في المؤتمر الافتراضي فضلا عن ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، حسب توضيح وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي خلال اجتماع لمجلس الوزراء.
وقالت بارلي خلال المؤتمر “كلنا معنيون بأن يبقى جيش لبنان قادرا على القيام بمهامه في الحفاظ على الأمن والاستقرار”، وذلك في كلمتها ضمن المؤتمر الافتراضي.

فلورانس بارلي: كلنا معنيون بأن يبقى جيش لبنان قادرًا على القيام بمهامه في الحفاظ على الأمن والاستقرار
ونوه قائد الجيش اللبناني بأداء العسكريين “الذين يواجهون هذه الظروف الصعبة بعزيمة وإصرارٍ (…) رغم تدهور قيمة الليرة ما أدّى إلى تدني قيمة رواتبهم بنسبة تقارب 90 في المئة”.
وحذر جوزيف عون من أن البلاد ستواجه أزمة غير مسبوقة إذا غابت الحلول، مؤكدا على أن المس بالمؤسسة العسكرية سيؤدي إلى انهيار الكيان اللبناني وانتشار الفوضى.
وقال إن “استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان سيؤدي حتما إلى انهيار المؤسسات ومن ضمنها المؤسسة العسكرية، وبالتالي فإن البلد بأكمله سيكون مكشوفا أمنيا”.
وأضاف “يبدو واضحا انعدام فرص حلول الأزمة الاقتصادية في الوقت القريب، ولذلك تزداد الحاجة أكثر إلى دعم الجيش الذي يحظى بثقة المواطن ومساندته كي يبقى متماسكا وقادرا على القيام بمهامه”.
من جانبه دعا وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني إلى “الاستجابة لحاجات الجيش اللبناني من خلال تأمين متطلبات الدعم الأساسي له”.
وبدورها أكدت المنسقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا أن “هدف المؤتمر هو دعم الجيش اللبناني كي يبقى متماسكا وفاعلاً”، داعية إلى “تلبية حاجاته الضرورية”.
وفي ظل الأزمة الحكومية في لبنان يُظهر المجتمع الدولي قلقا من احتمال تدهور الأوضاع وخروجها عن السيطرة، في ظل ضعف المؤسسات الأمنية وعلى رأسها الجيش، وعلى وقع غضب واحتجاجات شعبية منددة بانهيار اقتصادي هو الأسوأ منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990.
وفي مارس الماضي صرخ قائد الجيش اللبناني في وجه سياسيّي بلاده متسائلا “إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا تنوون أن تفعلوا؟ هل تريدون جيشا أم لا؟”.
وقال “إنهم لا يكترثون للجيش ولا لمعاناة العسكر الذين يعانون ويجوعون مثل الشعب”.
وأضاف “موازنة الجيش تُخفَّض في كل سنة، بحيث أصبحت الأموال لا تكفي حتى نهاية العام”.

ومنذ صرخة عون القوية بدأت تتدفق على الجيش مساعدات (مواد طبية وغذائية) من جيوش دول صديقة للبنان، منها الولايات المتحدة والمغرب وتركيا ومصر والأردن.
ولبى قائد الجيش اللبناني، في الخامس والعشرين من مايو الماضي، دعوة من نظيره الفرنسي الجنرال فرنسوا ليكوانتري لزيارة باريس، بعد أن فقدت فرنسا الأمل في تشكيل حكومة إنقاذ لبنانية.
وبعد أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت، في الرابع من أغسطس 2020، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من بيروت مبادرة لتشكيل حكومة اختصاصيين تُجري إصلاحات إدارية ومصرفية، لكن ذلك قوبل بلامبالاة من أغلب القوى السياسية التي تتعارض مصالحها مع تشكيل حكومة اختصاصيين.
وحرص ماكرون على استقبال قائد الجيش اللبناني بباريس، في إشارة لافتة إلى مدى اهتمام فرنسا بمؤسسة الجيش اللبناني.
وقال الرئيس الفرنسي وقتها إن بلاده لن تتخلى عن الجيش اللبناني كضامنة لاستقرار البلاد.

العماد جوزيف عون: تدهور الوضع الاقتصادي يهدد بانهيار المؤسسات، ومنها الجيش
ولا يبدو الاستثمار في دعم الجيش اللبناني مجرد موقف عابر، فموقف فرنسا مدعوم من الولايات المتحدة والسعودية.
وقال الجنرال فرانك ماكنزي قائد القيادة المركزية الأميركية في وقت سابق من هذا الشهر إن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم الجيش اللبناني.
وأضاف “إنهم (العسكريّين) أحد عناصر السلطة اللبنانية الذين يعملون بشكل جيد للغاية، ونعتقد أنه يجب أن يظلوا التعبير الوحيد عن القوة العسكرية للدولة في لبنان”.
ويخشى المجتمع الدولي أن يؤدي تدهور وضع الجيش إلى تعزيز تموضع ميليشيا حزب الله التي صارت بمثابة جيش مواز من حيث عدد عناصرها وحجم التسليح، لا بل إن الأوساط الاستخبارية تُجمع على أن حزب الله يملك من العتاد ما يفوق قدرات الجيش.
ويشير منير الربيع المحلل السياسي اللبناني إلى استياء الطبقة السياسية من هذا الاهتمام الدولي -وليس الفرنسي فقط- بالجيش اللبناني؛ لأنه يحظى بثقة كل المجتمع الدولي، وبالتالي سيكون على حساب القوى السياسية التي فقدت ثقة الشعب والعالم الخارجي.
وقال إن “كل المساعدات الدولية التي تأتي لبنان يتم تسليمها إلى الجيش لتوزيعها، بسبب الثقة الدولية به، وفقدان الثقة بالطبقة السياسية”.