مؤتمر حول جعفر الطيار: إيران تخطط لاختراق الأردن بآلية ثقافية تاريخية

عمان / طهران - تعمل إيران على الاحتفاء بالمزارات الشيعية كوجود ثقافي وتاريخي وتحويلها إلى مدخل لوجود فعلي بأجندة سياسية لزيادة نفوذها الإقليمي؛ فبعد لبنان وسوريا والعراق جاء دور الأردن من خلال إقامة ملتقى دولي بإشراف المرشد الأعلى علي خامنئي حول الصحابي جعفر بن أبي طالب، جعفر الطيار، الذي يوجد مقامه في بلدة المزار بمحافظة الكرك جنوب الأردن.
وسبق أن سعى الإيرانيون في العديد من المرات إلى طرق باب الأردن للسماح بفتح باب السياحة الدينية وتمكين الشيعة من زيارة مقام جعفر بن أبي طالب، لكن الهدف يتجاوز البعد الثقافي والاحتفاء برموز دينية ومذهبية إلى ما هو أبعد من ذلك، وسط تعالي أصوات مراقبين محذرين من أن الهدف هو التغطية على وجود إيراني سياسي وأمني.
ويضرب مراقبون مثلا مدينة بعلبك اللبنانية حيث روج الإيرانيون لحكاية أن زوجة من زوجات الحسين أسقطت جنينا في طريق قافلتها بين سوريا ومصر بعد سبي كربلاء، وكان موضع الإسقاط في بعلبك أين تحول إلى مزار وضريح لم يكن له وجود قبل 40 عاما.
ومن الوارد الاستفادة من هذه الحكاية لرسم خارطة أضرحة وأماكن دينية تتحول بمرور الوقت إلى مقصد ديني بقدسية تفتح الباب لزائرين ومقيمين وحق للدفاع عنه بالطريقة نفسها عندما تدفق الآلاف من المتطوعين الشيعة من إيران والعراق وأفغانستان للدفاع عن ضريح السيدة زينب قرب دمشق إبان الحرب الأهلية السورية.
واعتبر محمد الزغول، الباحث في مركز الإمارات للدراسات، أن عقد مؤتمر عن الصحابي جعفر بن أبي طالب “في هذا الظرف التاريخي، ليس جهدا ثقافيا بريئا، وليس صحوة من بعد غفلة عن أهمية ومكانة الصحابي الجليل، إنما هو جزء رئيسي من رؤية إيران للمرحلة القادمة من مشروعها للتوسع الإقليمي، ومحاولتها اختراق الجدار العربي في الأردن”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن هذا “جزء من صناعة شرعية موهومة للتدخل، والنفوذ عبر صناعة (أماكن مقدسة، وتكريس رموز دينية) تسوغ وتبرر الحضور الإيراني مستقبلا لحمايتها والذود عنها، وهو أمر شهدنا مثله في سوريا والعراق واليمن من قبل”.
وتعهد الإيرانيون بتطوير البنية التحتية وبناء مرافق سياحية وأسواق ومتاحف في المزار مستغلين الوضع الاقتصادي الصعب للأردن وتراجع المساعدات التي كان يحصل عليها من دول الإقليم.
وقال سفير أردني سابق في طهران إنه عُرض عليه ذات يوم أن تقوم إيران ببناء مطار في الكرك لاستقبال ألف زائر يوميّا. وقبل سنوات دار حديث عن اقتراح إيراني لمدّ خط سكة حديد بين إيران والعراق (النجف وكربلاء)، والأردن (العقبة). وتوقع مهتمّون بهذا الاقتراح أن يصل مئات الحجاج الإيرانيين يوميا إلى الأردن عبر القطار.
وما يثير مخاوف الأردنيين أن فتح الباب أمام زيارات الموالين لإيران إلى البلاد تحت عناوين دينية وسياحية قد يهدد أمنهم القومي خاصة في ظل الوضع الإقليمي القلق، وفي ظل سعي الأردن للنأي بنفسه عن الحرب ومنع أي عملية ضد إسرائيل انطلاقا من أراضيه.
وزادت هذه المخاوف بعد أن نفذ مسلحان بلباس الجيش الأردني عملية قرب البحر الميت أسفرت عن إصابة جنديين إسرائيليين في أكتوبر الماضي، وقبلها الكشف عن خلية ووضع اليد على أسلحة مهربة بهدف تنفيذ عملية داخل الأراضي الإسرائيلية.
ووجدت القيادة الأردنية نفسها في مرمى انتقادات أذرع إيران بسبب وجود التحالف الدولي على أراضيها والتصدي للصواريخ الإيرانية في الهجومين المحدودين على إسرائيل في أبريل وأكتوبر الماضيين.
ويمكن أن يساهم التساهل إزاء الوجود الإيراني في بروز مصاعب للأردن تُضاف إلى مخاوفه من تأثير حماس على الشارع الأردني، الذي يضم نسبة كبيرة من أصول فلسطينية. وقد تجد المملكة الهاشمية نفسها بعد فترة في مواجهة حركة حماس و”حزب الله” الأردني، أو “المقاومة الإسلامية في الأردن”، كما هو الشأن في العراق.
وفي أبريل الماضي أعلنت كتائب حزب الله العراقية أنها جهزت أسلحة وقاذفات ضد الدروع وصواريخ تكتيكية لـ”مقاتلين في الأردن”، تحت اسم “المقاومة الإسلامية في الأردن”.
وأشار المسؤول الأمني للكتائب أبوعلي العسكري، الاثنين في منشور على قناته في تطبيق تلغرام، إلى أن “المقاومة الإسلامية في العراق أعدت عدتها لتجهيز المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضد الدروع والصواريخ التكتيكية وملايين الذخائر وأطنان من المتفجرات، لنكون يدا واحدة للدفاع عن إخوتنا الفلسطينيين”.
وأعرب العسكري في منشوره عن جاهزية “المقاومة في العراق بالشروع في التجهيز”، متابعا “ويكفي في ذلك التزكية من حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، لنبدأ أولاً بقطع الطريق البري الذي يصل إلى الكيان الصهيوني”.
ويزخر الأردن بأضرحة الصحابة والأماكن الدينية للديانات الثلاث، من أبرزها مغطس السيد المسيح، فضلاً عن مقامات الأنبياء موسى وهارون ونوح وشعيب ويوشع وبعض إخوة يوسف.
كما يحتوي الأردن قرية المزار التي توجد فيها مقامات الصحابة الثلاثة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحة. وإلى الجنوب من الكرك، يوجد مقام الصحابي الحارث بن عمير الأزدي المدفون منذ زمن المعارك بين المسلمين الأوائل والروم، الواقع في مدينة الطفيلة (بناء حديث مع مسجد).
أما إلى الشمال فيوجد في مدينة مأدبا مقام أبي ذر الغفاري، وفي عمان ثمة كهف أهل الكهف، الذي أقيم عليه مسجد ومركز علمي تابع لوزارة الأوقاف. وتسمح السلطات لجميع أتباع الديانات بزيارة هذه الأماكن، وتستثني المذهب الشيعي لأسباب أمنية وسياسية.