مؤتمر حزب الأغلبية في الجزائر.. التغيير من أجل الثبات

يتجه حزب جبهة التحرير الجزائرية نحو انتخاب القيادي عبدالكريم بن مبارك في الأمانة العامة للحزب ليكون خلفا للأمين العام المنتهية ولايته أبوالفضل بعجي، في خطوة يرى مراقبون أنها تحمل رسائل تغيير بخطاب قديم، على عكس بقية الأحزاب السياسية في البلاد.
الجزائر - ينهي حزب جبهة التحرير الجزائرية الإثنين مؤتمره الحادي عشر، وسط أجواء توحي بإحداث تغيير شكلي يكمن في انتخاب قيادة جديدة، لكن لا شيء في الأفق يؤشر على إمكانية خروج الحزب من عباءة السلطة، لاسيما في ظل ثبات الخطاب المؤيد لها.
وينتخب الحاضرون في المؤتمر الحادي عشر لحزب جبهة التحرير الوطني، خلال اليوم الثالث والأخير من أعمال المؤتمر، الأمين العام الجديد الذي سيقود حزب الأغلبية في السنوات الخمس المقبلة، وتتجه الأنظار إلى القيادي عبدالكريم بن مبارك ليكون خلفا للأمين العام المنتهية ولايته أبوالفضل بعجي.
وتداولت كواليس المؤتمر العديد من الأسماء، بما فيها الوجوه المخضرمة على غرار الهاشمي جيار وبوجمعة هيشور، وهما وجهان محسوبان على حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، غير أن الكفة تميل إلى النائب السابق والقيادي المحلي بن مبارك، المدعوم من طرف التيار المؤيد للسلطة الحالية بقيادة عبدالمجيد تبون.
الفترة الممتدة بين المؤتمر العاشر والحادي عشر لحزب جبهة التحرير عرفت تولي ستة قياديين لمنصب الأمانة العامة
وبمثل هذه المخارج يكون الحزب الأول في البلاد قد حافظ على تقليد التغيير الدوري في المراكز القيادية، حيث دأب على استهلاك أمنائه العامين من مؤتمر إلى آخر، عكس الأحزاب السياسية التي عمر فيها قادتها لأكثر من ربع قرن، كما هو الشأن بالنسبة إلى حزب العمال اليساري، لكنه ظل ثابتا في محتواه السياسي؛ فباستثناء الحقبة القصيرة في مطلع تسعينات القرن الماضي التي تحول فيها إلى قوة سياسية معارضة، ظل مساره وفيا للسلط المتعاقبة مهما كانت خلفيتها الأيديولوجية والسياسية.
وكان أبوالفضل بعجي، الذي فهم رسالة التغيير التي لوحت بها السلطة، وقرر عدم الترشح مجددا في آخر الساعات التي سبقت موعد المؤتمر، قد أشاد في كلمته الافتتاحية، بـ”مساهمته الكبيرة في القضاء على الفساد والمفسدين، وتسييره المحكم وإدارته الحكيمة لشؤون الحزب، الأمر الذي مكنه من القضاء على دعاة المتحف والشعارات المسيئة”.
وقال “كرست كل طاقتي لخدمة الحزب والله يشهد بأنني كنت من الصادقين”، وإن خياره بالتنحي عن الأمانة العامة للحزب لولاية جديدة قد أتى عن قناعة وليس بسبب ضغوط، “فلقد كنت من الصادقين الحريصين على أداء الأمانات في سبيل خدمة الحزب والجزائر، وإنه ليشرفني أن أقرر في إطار التداول وبقرار سيادي عدم الترشح لأمانة الحزب”.
ولم يفوت المتحدث فرصته الأخيرة على منبر الحزب ليتهم أطرافا، لم يذكرها بالاسم، “بمحاولة زعزعة الحزب وإدخاله إلى المتحف، غير أن انتصار الحزب في الاستحقاقات الانتخابية فوت الفرصة على المتربصين بالحزب، وكانت هناك مؤامرة خبيثة لإنهاء الحزب، لكن مرجعيتنا النوفمبرية حالت دون ذلك وانتصارنا بعد ذلك كان كبيرا”.
وأضاف “الحزب تحول من (شعار) ‘جبهة التحرير ارحلي’، الذي رفع خلال احتجاجات الحراك الشعبي، إلى قوة سياسية أولى وعظمى، ومن حزب منبوذ لدى عامة الناس إلى حزب محمود وقوة سياسية أولى لدى مؤسسات الدولة”.
وكانت ملامح الوفاء للسلطة واضحة في خطاب المؤتمر الذي “ثمن مواقف الرئيس تبون، في سبيل استرجاع الشعب الفلسطيني سيادته الكاملة”، وأعلن عن تسمية المؤتمر باسم فلسطين تأكيدا على دعم الأفلان والشعب الجزائري لفلسطين خصوصا في ظل العدوان الذي تتعرض له غزة منذ أكثر من شهر.
حزب جبهة التحرير الوطني ينتخب خلال اليوم الثالث والأخير من أعمال المؤتمر الأمين العام الجديد الذي سيقود حزب الأغلبية في السنوات الخمس المقبلة
وأوضح أبوالفضل بعجي أن “مبادئ الجزائر اليوم والوقوف مع الشعوب المضطهدة جعلاها تقع تحت التهديدات، خاصة أن الجزائر لها تأثير إقليمي ودولي يتطلب منا الدفاع عن مؤسسات الدولة وأولاها رئاسة الجمهورية والجيش، لاسيما وأن الجزائر هي البلد الوحيد في المنطقة التي تملك قرارها السياسي، وهذا يعتبر تحديا كبيرا يتطلب منا جميعا التلاحم لأجل حماية الوطن”.
وشدد على أن “جبهة التحرير الوطني حزب لا يرضى المساس بمؤسسات الدولة التي ساهم في بنائها منذ 1962، وأن الحزب اختار مسار التجديد بعد 40 سنة من قصيدة ‘أيها الحزب تجدد أو تبدد’ للشاعر عمر أزراج، ولقد اجتزنا فترة صعبة في السنوات الأخيرة بعد الحراك الشعبي، وقد حققنا نتائج في الانتخابات جعلتنا في الطليعة”.
وعرفت الفترة الممتدة بين المؤتمر العاشر للحزب والحادي عشر تولي ستة قياديين لمنصب الأمانة العامة، وذلك لأول مرة في تاريخ الحزب العتيد، فبعد تزكية عمار سعيداني في المؤتمر العاشر للحزب المنعقد أواخر شهر أبريل 2015 جاء الدور على الوزير الأسبق المتواجد في السجن جمال ولد عباس، بعد تنحي سعيداني، ثم رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق معاذ بوشارب، الذي تلاه البرلماني السابق محمد جميعي، ثم القيادي علي صديقي، الذي سير الحزب لفترة مؤقتة، إلى حين تزكية أبوالفضل بعجي على رأس الحزب.