مؤتمر بروكسل يضفي شرعية دولية على الإدارة السورية

شارك وفد من الحكومة السورية للمرة الأولى في مؤتمر للمانحين ببروكسل، فيما يعكس وجود رغبة دولية في إضفاء شرعية على الإدارة السورية الجديدة، ودعمها وإن بحذر في تجاوز المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.
بروكسل - حمل مؤتمر بروكسل للدول المانحة حول سوريا أبعادا سياسية بالتوازي مع تعزيز التعبئة لدعم اقتصاد هذا البلد الذي دمرته الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد.
وأضفى المؤتمر الذي عقد الاثنين، برعاية من الاتحاد الأوروبي، “شرعية دولية” على الإدارة السورية الجديدة التي شاركت بوفد رسمي برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني.
وهذه المرة الأولى التي يشارك في المؤتمر التاسع للمانحين ممثلون عن الحكومة في دمشق.
وأطاح ائتلاف قادته هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) في الثامن من ديسمبر الماضي الرئيس السوري بشار الأسد، وتولت سلطات جديدة الحكم بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي لا يزال مدرجا من قبل الولايات المتحدة على لائحة “الإرهاب”.
وترى كريستينا كاوش، وهي محللة سياسات في الصندوق الألماني مارشال، أن مشاركة حكومة الشرع في المؤتمر تعد خطوة مهمة نحو حصول هذه الحكومة على “الشرعية الدولية”، لافتة إلى أن المؤتمر يهدف إلى منع انهيار البلاد الفوري، حيث إن سوريا في وضع صعب للغاية.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي “من المؤكد أن المؤتمر هذا العام مختلف.” وأضاف “ثمة فرصة سانحة، لكنها ليست كبيرة بما يكفي، لذا يتعين علينا استغلالها، وإلا فسيكون الأوان قد فات.”
الاتحاد الأوروبي يتعهد خلال المؤتمر بتقديم حوالي 2.5 مليار يورو (2.7 مليار دولار) من المساعدات إلى سوريا
وتعد عملية الانتقال صعبة في بلد منقسم بين مجموعات دينية عدة. وارتُكِبت أعمال عنف خلال الأسابيع الأخيرة في منطقة الساحل السوري في غرب البلاد، تُعَدّ الأعنف منذ وصول هذا الائتلاف بقيادة هيئة تحرير الشام إلى السلطة.
وقتل نحو 1400 مدني على الأقل غالبيتهم العظمى من العلويين وهي الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السابق، جراء أعمال العنف التي شهدتها هذه المنطقة اعتبارا من السادس من مارس، على ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبحسب دبلوماسيين، فإن دول الاتحاد الأوروبي الـ27 التي سارعت بعد الثامن من ديسمبر إلى دعم العملية الانتقالية في سوريا، تريد أن تعتبر ما حصل حادثا معزولا. وقد رحبت بتعيين لجنة تحقيق، قائلة إنه “يجب القيام بكل شيء منعا لحدوث جرائم كهذه مرة أخرى”، وفق ما جاء في بيان.
وقالت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس “من الضروري الاستمرار في رفع العقوبات. تدركون أنه في حال توافر الأمل للناس، تتراجع الفوضى، ولتوفير هذا الأمل، يجب أن يتم توفير كل الخدمات المصرفية على سبيل المثال.”
في المقابل قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إنه اقترح خلال اجتماع للاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الضالعين في شن هجمات على العلويين في سوريا.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي أكدت استعدادها لإعادة النظر في الرفع التدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا الذي تقرر في نهاية فبراير، إذا تكررت حوادث مثل أعمال العنف التي شهدتها منطقة الساحل، وفقا لدبلوماسيين في بروكسل.
مشاركة حكومة الشرع في المؤتمر تعد خطوة مهمة نحو حصول هذه الحكومة على "الشرعية الدولية"
وفيما يبدو أن التوافق على رفع العقوبات على دمشق لا يزال صعبا تحققه على المدى المنظور، فإن النقطة التي هي محل شبه إجماع، هي وجوب التحرك لإسناد البلد في هذه المرحلة الحرجة.
وتعهد الاتحاد الأوروبي خلال المؤتمر بتقديم حوالي 2.5 مليار يورو (2.7 مليار دولار) من المساعدات إلى سوريا.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر المانحين إن “السوريين بحاجة إلى المزيد من الدعم، سواء إذا كانوا لا يزالون في الخارج أو قرّروا العودة إلى ديارهم. لذا، نزيد اليوم في الاتحاد الأوروبي تعهداتنا إزاء السوريين في البلد والمنطقة إلى حوالي 2.5 مليار يورو لعامي 2025 و2026.”
من جهتها تعهدت المملكة المتحدة بتقديم ما يصل إلى 160 مليون جنيه إسترليني (200 مليون دولار). وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن ذلك “سيساعد في توفير الاحتياجات الأساسية للسوريين من الماء والغذاء والرعاية الصحية والتعليم خلال العام 2025.”
وأعلنت ألمانيا بدورها عن تقديم مساعدة جديدة لسوريا بقيمة 300 مليون يورو. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في بروكسل “في سبيل هذه المهمة الهائلة، ستوفر ألمانيا للأمم المتحدة ومجموعة من المنظمات، 300 مليون يورو إضافي في إطار هذه العملية السلمية ومن أجل الشعب السوري وشعوب المنطقة“.
وتحاول الدول الـ27 في بروكسل حشد مساعدة المجتمع الدولي لإعادة بناء هذا البلد. وكانت النسخ السابقة للمؤتمر تكتفي بالمساعدة الدولية إلا أن الطموحات هذه المرة مختلفة تماما، وتأمل الحكومة السورية في أن يمهد المؤتمر لرفع كلي للعقوبات، وهو ما يبدو صعبا تحققه على المدى المنظور.
وقال وزير الخارجية السوري، في كلمة له خلال مؤتمر بروكسل، إن حكومة بلاده تطالب برفع العقوبات المفروضة عليها، ودعم إعادة إعمارها “لأن العقوبات الأحادية تزيد من معاناة الشعب.”
نحو 16.7 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة دولية في سوريا في الوقت الذي لم تعد الولايات المتحدة منخرطة كثيرا في هذا المجال
وأشار الوزير السوري إلى أن “مؤتمر المانحين في بروكسل اليوم فيه تمثيل سوري حقيقي لأول مرة.” وقال إن “استمرار العقوبات يعني أن الشعب السوري هو المعاقب، ولا بد من رفعها لأنها تمنع نهضة البلاد.”
وأكد أن خطوات الحكومة نحو نهضة سوريا “يجب أن تتوافق مع تطلعات الشعب، الذي ما زال معظمه يعيش في المخيمات.”
وشدد الشيباني على أن “عودة النازحين إلى بلدهم تتطلب جهدا دوليا ومساهمة في تنشيط الاقتصاد.”
وفي ظل الاحتياجات الهائلة، قدرت الأمم المتحدة أنه، بالوتيرة الحالية، ستحتاج سوريا إلى نصف قرن على الأقل للعودة إلى الوضع الاقتصادي الذي كانت عليه قبل الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 2011.
ويحتاج نحو 16.7 مليون شخص إلى مساعدة دولية في سوريا في الوقت الذي لم تعد الولايات المتحدة منخرطة كثيرا في هذا المجال.
ونجح مؤتمر المانحين العام الماضي في جمع نحو 7.5 مليار يورو لسوريا.
لكن الجهود المبذولة لتحقيق هذه النتيجة كانت دون التوقعات هذا العام بسبب قرار الولايات المتحدة تعليق مساعداتها الدولية.
وكانت الولايات المتحدة تُعتبَر حتى الآن المانح الرئيسي للمساعدات الدولية لسوريا، بحسب الأمم المتحدة، وهي ستكون ممثلة الاثنين في المؤتمر.
وأوضح مسؤول أوروبي آخر أن “نظام المساعدات الإنسانية الدولي كان يعتمد بشكل عام على ركيزتين، الأولى مهمة جدا وتشكلها الولايات المتحدة، والثانية الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.”
وأضاف أن “إحدى هاتين الركيزتين قد تقلصت (حاليا) إلى حد كبير، إن لم تكن قد اختفت بالكامل، وهذا يعني تراجعا في الأموال المتاحة للمساعدات الإنسانية في كل أنحاء العالم.”
حتى قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لم تكن الأطراف المانحة توفر لسوريا إلا حوالي 35 في المئة من المساعدة المطلوبة من الأمم المتحدة.
ويأمل منظمو مؤتمر المانحين هذا أن تتمكن دول عربية في الشرق الأوسط من تعويض الانسحاب الأميركي.
اقرأ أيضاً: