مؤتمر القاهرة يعمق الهوة بين القوى السودانية ويكشف انحيازاتها

الحرب أفرزت قوى جديدة تناهض الحلول السياسية.
الاثنين 2024/07/08
نتيجة المؤتمر مخيبة للآمال

فشل المؤتمر الذي رعته القاهرة في تحقيق أي اختراق في جدار الأزمة السودانية، في ظل الفجوة الكبيرة بين القوى السياسية وحالة الاستقطاب الشديد بين طرفي النزاع.

القاهرة / الخرطوم - اختتم مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية أعماله على نحو متعجل، مساء السبت، بعد أن كان من المقرر استكمال جلساته مساء الأحد، وذلك بفعل خلافات طفت على السطح بين قوى عدة شاركت في المؤتمر، وصعوبات واجهها مسهلون وراعون بشأن دفع الأطراف للوصول إلى حد أدنى من التوافق يمثل ضغطًا على طرفي الصراع لوقف الحرب، اللذين غابا عن المؤتمر.

وسلط فشل مؤتمر القاهرة الضوء على تعقيدات التسوية السياسية المنتظرة في السودان مع طول أمد المعارك وما أحدثته من شروخ يصعب تفكيكها.

وعبّر اللقاء الذي عقده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأحد، مع وفد من السياسيين السودانيين الذين حضروا المؤتمر، في مقدمتهم رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك، ويشغل منصب رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، عن تصميم القاهرة على تنحية الخلافات السياسية وتشكيل جبهة واسعة لوقف الحرب.

وأكد السيسي أن بلاده لن تَأْلُوَ جهدا ولن تدخر أي محاولة في سبيل رأب الصدع بين مختلف الأطراف، ووقف الحرب وعودة الأمن والاستقرار والحفاظ على مقدرات الشعب السوداني، مشددا على ضرورة أن يتضمن الانتقال للمسار السياسي للأزمة، مشاركة جميع الأطراف، وفقا للمصلحة الوطنية السودانية دون غيرها.

انتصار العقلي: أجواء غير مواتية لتحقيق توافق واسع على وقف الحرب
انتصار العقلي: أجواء غير مواتية لتحقيق توافق واسع على وقف الحرب

وأرسل مؤتمر القاهرة إشارة سلبية بشأن إمكانية التخفيف من حدة الاستقطاب، والذي وصل إلى حد انقسام الأحزاب السياسية وتفتت النسيج المجتمعي وبروز الشعارات القبلية التي توفر الوقود اللازم لاستمرار الحرب، وبدا من الواضح أن تأثير حضور الإسلاميين في المشهد الراهن طاغيا على كل التحركات السياسية، وأن التحالفات التي نسجتها أطراف باتت مؤثرة داخل الجيش وتشكيلها معسكرا واحدا يضم الحركات المسلحة والكتائب الإسلامية، بجانب قوى سياسية محسوبة على حزب المؤتمر الوطني المنحل، لديها قدرة على إفشال أي محاولات لتقريب وجهات النظر.

وتقود حالة التشدد التي يتبناها التيار الإسلامي إلى تشكيل تحالفات مقابلة تقف في جهة بعيدة عن تقديم تنازلات من شأنها مراعاة ما أحدثته الحرب من تغييرات من جهة الحضور السياسي والتأثير العسكري للقوى المناوئة للثورة السودانية.

وتتمسك غالبية القوى المدنية بمبادئها المتعلقة بإبعاد كافة عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير عن هياكل السلطة مستقبلا، ما يجعل الفجوة بعيدة بين الطرفين.

وذكرت وسائل إعلام سودانية، الأحد، أن قيادات الكتلة الديمقراطية وتضم حركات مسلحة وقوى سياسية قريبة من الجيش، رفضت الدخول في مفاوضات مباشرة مع قوى سياسية تتهمها بالتحالف مع قوات الدعم السريع، وفي مقدمتها تنسيقية “تقدم”، كما أن بعض قيادات الكتلة رفضوا التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر القاهرة.

وقالت عضو تنسيقية “تقدم” انتصار العقلي إن مؤتمر القاهرة كان خطوة إيجابية تحتاجها القوى السياسية بعد أن استطاعت الحكومة المصرية سابقا جمع دول الجوار على مائدة واحدة، مشيرة إلى أن تجاوز عدد من الأحزاب الفاعلة في ثورة ديسمبر واعتذار قوى أخرى عن الحضور، مع محاولة أحزاب لديها رغبة في استمرار الحرب لإفشاله، عوامل خلقت أجواء غير مواتية لتحقيق توافق مدني واسع على آليات وقف الحرب.

وأضافت العقلي في تصريح لـ”العرب” أن ما حدث في مؤتمر القاهرة يبرهن على أن تعقيدات المشهد ليست بسيطة، وأكد أن الأزمة السودانية بحاجة إلى حلول فاعلة تدعم الالتقاء المباشر بين الجيش وقوات الدعم السريع بما يدفع كليهما للسيطرة على الحواضن السياسية والقبلية التي يمكن أن تدعم وقف الحرب، وأن التواصل مع من يديرون الحرب بالداخل والخارج يبقى مدخلاً مناسبًا في ظل صعوبة التقاء آراء القوى السياسية التي لديها انتماءات إلى الجيش أو أطراف أخرى قريبة من الدعم السريع.

ولفتت إلى أن القاهرة وضعت يدها على جوهر الحل حينما تحدثت عن ضرورة أن يكون الحل سودانيًا بعيداً عن التدخلات الخارجية، لكن التنفيذ صعب في وقت تشتعل فيه المعارك على جبهات مختلفة.

وشمل النقاش، وفق البيان الختامي، ضرورة الوقف الفوري للحرب بما يشمل آليات وسبل ومراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار ووقف العدائيات، والالتزام بإعلان منبر جدة، والنظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب.

منذر أبوالمعالي: على القوى الإسلامية إدراك أن دورها انتهى في السودان
منذر أبوالمعالي: على القوى الإسلامية إدراك أن دورها انتهى في السودان

وذكر البيان أن المجتمعين توجهوا بالدعوة والمناشدة للدول والجهات الداعمة لأطراف الحرب بأي من أشكال الدعم للتوقف عن إشعال المزيد من نيران الحرب في السودان.

وأشار المحلل السياسي السوداني منذر أبوالمعالي إلى أن أهم ما فعله مؤتمر القاهرة هو أنه كشف التباين الكبير بين القوى السياسية بما فوت الفرصة على محاولة جيدة كانت يمكن أن تختصر طريق الحل السياسي، وبمواصلة المحاولات قد يتوصل الفرقاء لاتفاق يحمي السودان من خطر الدمار ويقود إلى وقف الحرب.

وأكد أبوالمعالي في تصريح لـ”العرب” أن مؤتمر القاهرة افتقد إلى عملية عقد الاجتماعات المسبقة قبل انعقاد جلسته الرئيسية، ويمكن أن تمهد تلك الاجتماعات الفرصة لتقريب وجهات النظر بين سياسيين لم يلتقوا مع بعضهم البعض منذ اندلاع الحرب.

وشدد على أن السبيل الوحيد لتقليص الفجوة بين القوى السياسية يتمثل في توافقهم على إطار تفاهمات عامة من أجل وحدة السودان، وليس في إطار مفاوضات على مكاسب سياسية مستقبلية، وأن القوى الإسلامية عليها إدراك أن دورها انتهى في السودان ولن تكون لها عودة أخرى إلا حال تغيير لغتها وأفكارها.

وأوضح لـ”العرب” أن الحرب أفرزت قوى جديدة خرجت من رحم القوى السياسية القديمة، ولديها لغة لا تتوافق مع الأحزاب القديمة، وهؤلاء ينظرون إلى مصالحهم الشخصية على نحو أكبر، وهو ما يشكل عائقًا أمام الحلول السياسية.

ويبقى التعويل على ما ستُفرزه الحرب من قوى أكثر وعيًا ووطنية، تدرك أن الهدف الأسمى ليس وقف الحرب ولا الصراع المستقبلي، لكن في كيفية إعادة بناء السودان، وتوافق جميع القوى السياسية على هذه الخطوات، ولفت المحلل السياسي السوداني أبوالمعالي إلى وجود قوى في السودان أثبتت قدرتها على تقدم صفوف العمل العام في ظل خلافات السياسيين، تتمثل في النقابات المهنية التي كان لها حضور فاعل في عدد من ثورات السودان.

2