مؤتمر استقرار ليبيا يشدد على سيادة البلاد ورفض التدخلات الخارجية

طرابلس - أكد البيان الختامي لمؤتمر دعم استقرار ليبيا الالتزام الدائم والثابت للحكومة الليبية بسيادة البلاد، ورفضها القاطع للتدخلات الخارجية وإدانتها لمحاولات خرق حظر السلاح وإثارة الفوضى.
وقالت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الكويتي أحمد الصباح، في ختام أعمال مؤتمر دعم استقرار ليبيا في العاصمة طرابلس، إن البيان الختامي للمؤتمر أكد التزام الحكومة الليبية بتنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا، ومخرجات مؤتمر برلين وخارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي ودعوة الجميع إلى تنفيذ هذه القرارات.
كما شدد البيان الختامي على أهمية اتخاذ التدابير اللازمة لبناء الثقة، من أجل عقد الانتخابات الوطنية بشكل نزيه وشفاف وجامع في الرابع والعشرين من ديسمبر.
وأعرب وزير الخارجية الكويتي عن دعمه الكامل للسلطة الجديدة الموحدة لليبيا، المتمثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.
وعبّر الوزير عن رفض بلاده جميع أشكال التدخل الأجنبي في الدولة المنتجة للنفط، وشدد على حق ليبيا في الحفاظ على أصولها في البنوك الأجنبية.
وفي وقت سابق الخميس، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة خلال المؤتمر المنعقد في طرابلس، إنه من الممكن إنهاء الأزمة الطويلة التي تعاني منها البلاد منذ الانتفاضة المدعومة من حلف شمال الأطلسي التي أطاحت بنظام معمر القذافي في 2011.
وفي كلمة افتتاح المؤتمر بفندق "كورنثيا"، قال الدبيبة إن "طرابلس استعادت عافيتها، نعقد اليوم (الخميس) مؤتمر استقرار ليبيا في ليبيا"، مضيفا "حضوركم المشرف اليوم رسالة قوية بأن رحلة الاستقرار والبناء قد انطلقت".
وأثنى الدبيبة على "الدعم الكبير الذي قدمته الدول الشقيقة والصديقة لليبيا، والذي أسهم في وقف الحرب والخروج باتفاق سياسي رعته الأمم المتحدة وأدى إلى توحيد السلطة التنفيذية".
وقال "هذا المؤتمر ليس تنصلا من أي تعهدات التزمت بها حكومتنا سابقا، بل هو تأكيد على استمرار دعمنا لتنفيذ الانتخابات والمساهمة في توفير الظروف الجيدة لانعقادها وتشجيع كافة الأطراف الليبية على احترام نتائجها".
وهذه الانتخابات ربما تعرقلها خلافات راهنة حول قانوني الانتخابات بين مجلس النواب من جانب والمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) وحكومة الوحدة والمجلس الرئاسي من جانب آخر.
وأضاف الدبيبة "من خلال هذا المؤتمر يجب أن نتوجه بالشكر للمجلس الرئاسي واللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 على جهودهما المبذولة من أجل تنظيم الملف العسكري، الذي يحتاج إلى جهود إضافية ودعم دولي، نظرا لأهميته".
وأشار إلى أن "ملف الهجرة غير الشرعية يؤرقنا، نريد دعمكم في هذا الشأن".
وليبيا هي إحدى دول العبور لمهاجرين أفارقة يسعون إلى الوصول عبر البحر المتوسط إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل، في ظل حروب وأوضاع اقتصادية متردية للغاية في دولهم.
وأكد وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح الذي ترأس أيضا المؤتمر ، "موقف الكويت الثابت في دعم السلطة الليبية الموحدة من المجلس الرئاسي والحكومة وكل ما من شأنه تعزيز أمن واستقرار ليبيا".
ودعا إلى "تغليب المصالح العليا وإيجاد الحلول السلمية ونبذ العنف والالتزام بقرارات مجلس الأمن وتوصيات لجنة 5 + 5 بإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا"، موضحا أن "هناك حرصا عربيا على وحدة واستقرار ليبيا ورفض جميع أنواع التدخل".
وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، منذ إسقاط نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، بدأ توافد المشاركين في المؤتمر من نحو 31 دولة عربية وأجنبية إلى العاصمة طرابلس.
ووصلت إلى قاعة المؤتمر وفود الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، والجامعة العربية، إضافة إلى دول الإمارات ومصر والسعودية والكويت وقطر والبحرين، والجزائر وتونس والمغرب والسودان ومالطا وتشاد والنيجر وتركيا، والولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا واليونان وسويسرا وروسيا والصين والكونغو برازافيل والكونغو الديمقراطية.
ورفعت أعلام حوالي ثلاثين دولة ممثلة في المؤتمر على طول طريق الكورنيش في طرابلس، التي أقفلت أمام حركة السير للمناسبة.
وقالت وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة نجلاء المنقوش، خلال افتتاح فعاليات المؤتمر إنه "لا استقرار في ليبيا إلا بسيادة وطنية كاملة على كل أراضيها"، مؤكدة حاجة البلاد إلى "استقرار سياسي يضمن لجميع أطراف الشعب المشاركة في تقرير مصير" بلادهم.
وأشارت المنقوش إلى رمزية هذا الاجتماع "العميقة"، وقالت للمشاركين "أنتم تسطّرون معنا أول فصل لاستقرار ليبيا، دعوناكم كأصدقاء وأشقاء، استقرار نمد ببواعثه إلى دول الجوار".
وأضافت "نلتئم اليوم (الخميس) في طرابلس ونأمل أن نلتقي غدا في بنغازي وبعده في سبها"، معتبرة أن حكومة الوحدة الوطنية معنية بـ"دعم الديمقراطية والعدالة السياسية وتقبّل نتائج الانتخابات"، وكذلك "تصحيح المفاهيم، والانتصار على الفساد والجهل، ومعالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعة بما يحفظ حقوق الإنسان، ومواجهة ظاهرة التطرف".
فيما قالت روزماري ديكارلو وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، إن المنظمة الدولية مستمرة في دعم إجراء الانتخابات في موعدها، تمهيدا لتوحيد كل المؤسسات الليبية.
وأضافت أن الأمم المتحدة تعمل مع شركائها الليبيين، الممثلين في اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار (الساري منذ الثالث والعشرين من أكتوبر 2020).
وترتكز مبادرة "استقرار ليبيا" على مسارين: الأول أمني عسكري، والآخر اقتصادي تنموي، بالإضافة إلى "حشد الدعم اللازم للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات لتمكينها من أداء دورها بشكل إيجابي" في ديسمبر المقبل، ودعوة المجتمع الدولي لمشاركته في دعم مطلب ليبيا بشأن مغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد.
وتكمن الأولوية بالنسبة إلى المجتمع الدولي في إجراء الانتخابات بالغة الأهمية، التي لا تزال تحيط بها شكوك كثيرة بسبب الانقسامات الداخلية الحادّة.
ويقول الخبير في مركز "غلوبل إينيشياتيف" للأبحاث عماد الدين بادي من جنيف إنّ أحد أبرز التحديات يكمن في "التركيز على الحركة الحالية من أجل الإفادة منها للتوصّل إلى استقرار ليبيا، لأنّ دولا عدّة تريد لليبيا أن تستقر، حتى لو بشروطها الخاصة".
وهناك تحد آخر يتمثل في "التركيز على نتائج مؤتمر برلين لأن جزءا من سبب عقد هذا المؤتمر هو التوصل إلى نسخة ليبية من آلية برلين".
وغذّت الانقسامات الليبية تدخّلات خارجية من دول عدّة، دعمت أطرافا مختلفة في النزاع.
وعُقد في برلين في مطلع العام الماضي مؤتمر دولي حول ليبيا تعهّدت خلاله الدول بالعمل على إخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا والالتزام بعدم إرسال السلاح إليها، وذلك للمساعدة على وقف الحرب في هذا البلد.
وأفاد تقرير للأمم المتحدة في ديسمبر بوجود قرابة عشرين ألفا من المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا: روس من مجموعة فاغنر الخاصة وتشاديين وسودانيين وسوريين... وأيضا المئات من العسكريين الأتراك الموجودين بموجب اتفاق ثنائي وقعته أنقرة مع الحكومة الليبية السابقة، عندما كانت في أوج صراعها مع حكومة موازية في الشرق.
وتقول طرابلس إنّ عددا ضئيلا من المرتزقة غادر البلاد. وفي بداية أكتوبر اتفق وفدان عسكريان ليبيان، أحدهما من الشرق والآخر من الغرب، على "خطة عمل شاملة" لسحب المرتزقة، لكنهما لم يحدّدا أيّ جدول زمني لذلك.
ويتساءل البعض حول توقيت المؤتمر قبل الانتخابات. ويقول الخبير في الشأن الليبي في مركز "غلوبل إينيشياتيف" للأبحاث جلال حرشاوي "إذا افترضنا أن الانتخابات الرئاسية ستعقد فعلا في ديسمبر 2021، لم تنظيم مؤتمر حول استقرار ليبيا قبل الانتخابات بتسعة أسابيع؟ إذا كانت الحكومة الحالية ستذهب في ديسمبر، أي مصلحة في الاتفاق معها على خطط في أكتوبر؟".
ويتابع حرشاوي "من المؤكد أنه سيتم التطرق إلى الانتخابات، لأن هناك شكوكا تحيط بها، بموعدها وبقانونيتها"، من دون أن يستبعد إرجاء للانتخابات.