مأزق انهيار العملة يُسقط الأسواق الإيرانية في دوامة الانكماش

طهران – أكد خبراء ومتعاملون أن مأزق انهيار العملة الإيرانية المتسارع في الأسابيع القليلة الماضية أدخل الأسواق التجارية المحلية في دوامة من الانكماش جراء المشاكل التي تراكمت على الاقتصاد، ما يزيد الضغوط على المستهلكين.
وتراجعت العملة المحلية المتعثرة إلى مستوى منخفض جديد مقابل الدولار مع استمرار الاضطرابات وتزايد عزلة البلاد، في ظل الانتقادات الغربية للإجراءات الأمنية الصارمة التي تتخذها الحكومة وعلاقاتها مع روسيا.
وواصل الريال انحداره السريع مع تزايد ملامح اختناق الاقتصاد إلى جانب استمرار الاحتجاجات وانعكاسات الحرب في أوكرانيا والعقوبات الأميركية، وسط ترجيح للمزيد من الركود في الأنشطة التجارية مع اتساع المخاوف والارتباك اللذين ظهرا على السلطات.
18
في المئة نسبة ما فقدته العملة من قيمتها منذ سبتمبر 2022 ليبلغ الدولار 384 ألف ريال
وذكرت وكالة بلومبرغ الأربعاء أن العملة المحلية انخفضت إلى ما معدله 384 ألف ريال مقابل الدولار الثلاثاء الماضي، وهو أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق، وفقا لمتداولين في طهران وموقع إلكتروني محلي يراقب أسعار العملات الأجنبية.
وأعلن الاتحاد الأوروبي الاثنين الماضي فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب عمليات تسليم الطائرات العسكرية دون طيار إلى روسيا وقمعها العنيف للاحتجاجات المستمرة منذ شهور.
وفرضت المملكة المتحدة أيضا المزيد من العقوبات بسبب دعم طهران لحرب موسكو على أوكرانيا.
وفقد الريال 18 في المئة من قيمته منذ منتصف سبتمبر الماضي، عندما اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد بعد وفاة امرأة شابة في الحجز تم اعتقالها بزعم انتهاك قواعد اللباس الإسلامي.
ومنذ العام الذي أعادت فيه الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران وعلى صادراتها النفطية بدأ مسلسل انهيار الريال.
وأدت جهود الحكومة للسيطرة على أسواق العملات في ذلك الوقت إلى نتائج عكسية كما أدى التضخم المرتفع إلى تآكل الدخل المتاح للناس بشكل كبير خلال السنوات العديدة الماضية.
وقفزت الأسعار في واحدة من أسرع وتيرة على الإطلاق في يونيو الماضي. وتشير بعض التقديرات إلى أن التضخم بلغ نحو 45 في المئة.
وأكد متعاملون في طهران أن انخفاض الريال يرجع جزئيا إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية حيث يؤثر عدم الاستقرار المحلي على الشركات ولا يزال رفع العقوبات أمرا بعيد المنال.
وقال سعيد، وهو تاجر في طهران، ولم يرغب في الكشف عن لقبه بسبب حساسية التحدث مع وسائل الإعلام الأجنبية، لبلومبرغ عبر الهاتف إن “الطلب لا يزال مرتفعا على العملات الأجنبية، وخاصة الدولار، حيث يتطلع المشترون إلى مواكبة التضخم المتزايد”.
يشير استمرار موجة ارتفاع معدل التضخم الأساسي في إيران إلى أن المواطنين على أعتاب ظروف أكثر قسوة مع عجزهم عن توفير متطلباتهم اليومية رغم ترويج المسؤولين لقدرة الحكومة على استيعاب المشكلة بفضل الإجراءات التي تنفذها.
وترخي الأزمة في شرق أوروبا بظلال قاتمة على الاقتصاد الإيراني، الذي ظل يواجه سلسلة من الصدمات المتتالية في السنوات الخمس الأخيرة بدءا من عودة فرض العقوبات الأميركية مرورا بالأزمة الصحية وصولا إلى اضطرابات سلاسل التوريد وخاصة القمح.
وذكر موقع “إيكو إيران” الاقتصادي على الإنترنت أن التجار ليس لديهم أمل يذكر في إحياء الاتفاق النووي مع القوى العالمية ويتوقعون تزايد الضغط الغربي بسبب قمع طهران للاحتجاجات وعلاقاتها العسكرية مع روسيا.
وقال إيكو “يقول بعض التجار إن الظروف الدولية الحالية من شأنها أن تجعل فرص إحياء الاتفاق النووي قليلة، وقد تسبب ذلك في دخول مشترين حذرين إلى سوق الدولار. ويتخذ سعر هذه العملة مسارا صعوديا”.
45
في المئة نسبة التضخم في إيران وسط فشل النظام في السيطرة على الوضع
وتابع الموقع “من وجهة نظر بعض التجار، هذه الأنباء (عن الضغوط الأميركية والغربية على إيران) يمكن أن تجذب انتباه المضاربين بالعملة”، مضيفا أن البنك المركزي الإيراني ربما لا يزال قادرا على دعم الريال.
وقال تاجر عملات أجنبية، طلب عدم الكشف عن هويته، إن “انخفاض قيمة العملة يمكن أن يُعزى في جزء منه إلى عدم إحراز تقدم في إحياء الاتفاق النووي”، والذي من شأنه أن ينهي العقوبات المفروضة على إيران مقابل الحد من برنامجها.
وأضاف أن “العملة تعاني أيضا من التدفقات المالية الكبيرة الخارجة من سوق الأسهم، حيث يتطلع الإيرانيون إلى جمع السيولة من أجل شراء عملات أجنبية، يتحوطون بها ضد حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد”.
وتقول طهران إنها لا ترهن نمو الناتج المحلي الإجمالي بنتائج المحادثات النووية، وإنها لن تقبل بأي اتفاق لا يفضي إلى رفع كافة العقوبات الأميركية بما يضمن المصالح الاقتصادية للبلاد.
ولا يجد البلد العضو في منظمة أوبك سبيلا لتحصيل الإيرادات وتوفير التمويل الذي لا يكفي في الغالب سوى التحايل على الحظر الأميركي لتسويق خامه في البعض من الأسواق الدولية.
وكانت الحكومة قد اعتمدت مشروع ميزانية العام المالي الذي بدأ في الحادي والعشرين من مارس الماضي بناء على فرضية استمرار العقوبات الاقتصادية، دون ربط إدارة إيران بنتائج المفاوضات حول الملف النووي.