مآس اجتماعية في طوابير رَهْن الذهب لدى البنوك الجزائرية

يعكس إقبال العديد من الأسر الجزائرية على خدمة رهن الذهب التي توفرها بعض البنوك حاجتها الماسة إلى السيولة من أجل تجاوز بعض الصعوبات والمحن كمرض الأبناء أو عدم القدرة على خلاص الديون. ورغم قيمة الذهب المرهون ماديا ومعنويا إلا أن الكثير من الأسر لا تقدر على استرداده، وهو ما يزيد من عجزها ويفاقم حدة الأزمات التي تمرّ بها.
الجزائر - منذ إطلاق بنك جزائري لخدمة رهن الذهب من أجل توفير سيولة مالية لأصحابه، برزت ظاهرة طوابير الرهن أمام الوكالات المحدودة التي خصصت للغرض.
وتجبر الظروف القاهرة الأسر على التضحية بحلي المرأة من أجل مواجهة حاجات ماسة كالعلاج والتدريس ورد الدين… وغيرها، على أمل الخروج من الأزمة. لكن كثيرا ما تعجز عن رد القرض وتضطر إلى التنازل عن ممتلكاتها، رغم ما للأمر من أثر نفسي على المرأة وعلاقتها بالمعدن النفيس لديها.
ويصطف يوميا العشرات من الجزائريين أمام وكالة الرهن التابعة لبنك التنمية المحلية في مدينة قسنطينة بشرق البلاد، منذ الساعات الأولى، من أجل الفوز بترتيب يتيح لهم الوصول إلى شبابيك البنك ومكتبه لرهن حليهم والحصول على قرض بنكي سريع يكفل لهم تحسين وضعهم المالي والاجتماعي.
وفي تلك الصفوف المكونة من النساء والرجال من مختلف الأعمار، تختلف معالم وجوه يسهل استنباط الهم الذي تحمله، وبين شارد أو منتظر يبدأ آخرون في تجاذب أطراف الحديث حول الأسباب والظروف التي تدفع الفرد إلى إبرام صفقات يجمع أغلبهم على أنها خاسرة، قياسا بالمبلغ الذي يقرضه البنك للراهن وكلفة الاحتفاظ بالحلي في البنك كضمان.
في طوابير بنوك الاقتراض تتجسد الأزمات الاجتماعية والضائقات المالية وجور الزمان على الأفراد والأسر بشكل عام
خيرة (49 عاما ) هي واحدة من تلك العينات، أجبرها الوضع الصحي لابنها، الذي يتطلب علاجه عملية جراحية في تركيا تكلف نحو 20 ألف دولار أميركي، على اللجوء إلى الاقتراض من أفراد العائلة والأصدقاء وحتى من محسنين، ولما لم تستطع توفير المبلغ قررت رهن حليها لدى البنك علها تستطيع تأمينه.
وخيرة ليست الوحيدة، فمثل هذه الرواية تنطبق على كثيرين تجمعوا أمام البنك من كل البلدات والمدن المجاورة لمدينة قسنطينة، فواحدة تسعى لتأمين حاجيات دراسية، وأخرى لتوفير تكاليف تكوين لابن أو بنت في معهد خاص، وآخر عالق في دين يريد رده لصاحبه ولما لم يوفق لجأ إلى حلي زوجته أو ابنته أو أمه، وهناك من يريد تغطية مصاريف مناسبة أو عيد، وفي المحصلة تتجسد في طوابير بنوك الاقتراض الأزمات الاجتماعية والضائقات المالية وجور الزمان على الأفراد بشكل عام.
ويعد بنك التنمية المحلية الجزائري البنك الوحيد الذي يوفر هذه الخدمة من بين البنوك والمصارف الحكومية والخاصة العاملة في البلاد، ولتطوير نشاطه أطلق صيغة رهنية بشعار “نخفف عنكم مصاريف العودة المدرسية”، وهي العملية التي بقدر ما عبرت عن مرافقة البنك للعائلات المحتاجة عكست تدهور الوضع الاجتماعي والمالي للأسر الجزائرية. وقال البنك عبر موقعه الإلكتروني إن “مزايا هذا القرض الرهني تتمثل في سهولة الحصول عليه شرط أن يكون الشخص مقيما في الجزائر ويملك الحلي من الذهب مع عدم وجود شروط أخرى، مقابل السرعة في الحصول على القرض مباشرة بعد إيداع الحلي من الذهب في جو سري وآمن”.
وأكد على أن كل التدابير مدروسة من أجل ضمان أمان الحلي من نوع الذهب وأن قيمة القرض قد تصل إلى تسعة آلاف دولار، وهذا بمجرد تقديم الحلي مرفقا ببطاقة التعريف الوطنية وشهادة الميلاد، مع بطاقة إقامة سارية المفعول.
ولفت إلى أن هذه الصيغة تستعمل في حالات الحاجة الماسة إلى الأموال، وأنها آمنة وسرية، تسمح للزبائن بالحصول على مبلغ مالي مقابل رهن الذهب، وأن كل شخص مقيم في الجزائر ويبلغ 19 سنة على الأقل يمكن أن يستفيد من هذه الصيغة، في مهلة زمنية تتراوح بين نصف سنة وثلاث سنوات.
وأفاد شاهد عيان بأن البنك رفع قيمة القرض إلى حوالي 15 دولار عن كل غرام من الذهب، بعدما ظلت في سنوات خلت تقدر بين 7 و8 دولارات فقط، كما يدفع الراهن رسما عن كل غرام ذهب يودعه لدى البنك يقدر بدولار ونصف دولار عن كل شهر، وهو ما دفع إلى تسجيل إقبال ملحوظ على العملية من مختلف الفئات الاجتماعية لاسيما العائلات الهشة.
الظروف القاهرة تجبر الأسر على التضحية بحلي المرأة من أجل مواجهة حاجات ماسة كالعلاج والتدريس ورد الدين
لكنّ لخيرة رأيا آخر، وهو أن “مبلغ الـ15 دولارا عن كل غرام ذهب لا يمثل القيمة الحقيقية للذهب، الذي يتم تداوله في حالته الجديدة بأكثر من 80 دولارا، وفي حالته المستعملة بحوالي 40 دولارا، فضلا عن أن الرسم مبالغ فيه لأنه يتحول مع مرور الأشهر إلى عبء إضافي على القرض، مما يضطر الراهن إلى التنازل عن حليه كليّا”.
ورغم ذلك ترى خيرة أنه “أفضل من لا شيء، خاصة وأن الخدمة نادرة لدى البنوك الجزائرية، والخواص لا يتمتعون بالثقة والمصداقية اللازمة، والحاجة تدفع الإنسان أحيانا إلى التضحية بشيء من ممتلكاته من أجل الخروج من الضائقة أو العجز عن الاقتراض”.
وتجربة رهن الحلي في الجزائر ليست وليدة اليوم، فقد انتشرت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، لتنضاف إلى معاملات أخرى كالقروض الاستهلاكية والبيع بالتقسيط، والتي تكون في البداية مشجعة ومحفزة، إلا أنها تصير في الأخير مصدر ندم وحسرة لبعض الأفراد والعائلات، قياسا بالأثمان الباهظة التي تسعّر بها البضائع وفوائد البنوك، بل أحيانا يتعذر التوفيق في سداد القرض لأسباب معينة.