"ليلة هنا وسرور".. أزمة البطل في البحث عن هوية تمثيلية

القاهرة – حاول محمد إمام تكرار تجربة فيلمه السابق “جحيم في الهند” الذي طرح منذ عامين، بالجمع بين الكوميديا ومشاهد الحركة العنيفة، إلاّ أنه افتقد المنطق والسياق الطبيعي في فيلمه الجديد “ليلة هنا وسرور”، فقد انحرف إلى مسارات بعيدة وضعته في قالب كمن يعيد إنتاج نفسه، اعتمادا على نجاحه السابق، الذي جاء لأن البطولة جماعية وتوزيع المشاهد كان متناسقا، فضلا عن أنه تعمد في الفيلم الأخير سرقة ضحكات الجمهور بلا تلقائية.
تتحدد قدرة الفنان عند درجة إتقان الدور والنجاح في توصيل الرسالة التي يتضمنها الفيلم، أما إذا أصبح الفن للفن أو الحركة للحركة والضحك من أجل الضحك وكفى، فهذه مشكلة فلسفية كفيلة بأن تجعل الفنان يتوقف بعد فترة، خاصة إذا اعتاد على النمطية والتكرار، ولا تزال القيمة عنصرا مهما، حتى لو أن الناس سئموا الجدية وكانوا أحوج للترويح عن أنفسهم وسط كم هائل من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
احتكار البطولة
يعيش محمد إمام أزمة هوية في الكثير من أفلامه، وهو ما ظهرت تجلياته في فيلم “ليلة هنا وسرور”، وأصبح نجل الفنان عادل إمام يواجه معضلة البحث عن هوية سينمائية واضحة، في ظل انقسام أغلب أعماله بين الحركة والكوميديا، أو الاثنين معا، الأمر الذي يتسبب في صناعة أعمال غير متكاملة، لأنها تفتقد الخط المتماسك الذي يعتبر أحد أهم عناصر نجاح العمل الفني.
ومع أن هناك فرصا عديدة أتيحت لإمام (الابن)، إلاّ أنه يبدو مصرا على أن يعيش في جلباب أبيه، بتقليد الكثير من أعماله التي اعتمدت على فكرة البطل الذي تعشقه النساء جراء خفة ظله، بصرف النظر عن وسامته، ويقوم بأداء مشاهد عنف في إطار كوميدي مزيّف.
يتعرّض إمام دائما للانتقاد بسبب حرصه على تقليد الأب، ويرى الكثير من النقاد أنه ليس الأكثر نضجا أو موهبة بين أبناء جيله، لكنه الأكثر حظا واستثمارا لنجاح وشهرة والده الضخمة حتى أصبحت سنده الأول.
ورغم تأكيدات إمام الصغير أنه يحمل فكرا وشخصية تمثيلية مستقلة، غير أن التشابه في حركات الوجه ولغة الجسد وبعض الجمل وضعته تحت وطأة المقارنة المستمرة والمزيد من الانتقادات، وهو ما وضعه في مأزق كبير، لأن نجاح والده منذ أكثر من ثلاثين عاما في تقديم معادلة الأفلام الحركية والكوميدية، لا يعني نجاح الابن، لأن طبيعة سينما “الأكشن” تغيرت مع التقدم التكنولوجي، وأضحت القضايا مختلفة عمّا كانت عليه من أربعين عاما.
أزمة فيلم “ليلة هنا وسرور” الحقيقية أنه بدا متشابها مع الفيلم السابق “جحيم في الهند” فتعمد إمام إضحاك الجمهور، وتقديم مشاهد حركة سريعة وجذّابة، والفارق الأساسي أنه في الفيلم الأول كان الأداء جماعيا، بينما فيلمه الأخير احتكر إمام البطولة بمساندة ياسمين صبري.
يحاول محمد إمام اللعب على أكثر من تركيبة درامية بين البطل الرومانسي الشجاع الذي يخدع حبيبته، والتي تكتشف أنه “نصّاب” وليس رجل أعمال أو ضابط مخابرات كما أوهمها في البداية.
ويستكمل تلك التركيبة بالتمادي في “الأكشن”، محاولا تسليط الضوء على لياقته البدنية، والكشف عن عضلات جسده التي تظهر عن كثب، لأن المخرج حسين المنباوي تعمد “الزوم” عليها، لتصويره كأنه “مفتول العضلات” تمهيدا لمشاهد المطاردات اللاحقة التي شارك فيها المصارع الأولمبي المصري كرم جابر.
وبدت مشاهد الحركة التي صاغها المؤلفون الثلاثة، مصطفى صقر وكريم يوسف ومحمد عزالدين، كأنها صُنعت خصّيصا للإفصاح عن مواهب البطل “سرور” أو محمد إمام، في الحركة من خلال حبكة درامية تتلخص في نصبه على ثلاث عصابات لسرقة تمثال مزيف، منها عصابة يقودها الفنان أحمد فهمي وأخرى يديرها الفنان فاروق الفيشاوي، والثالثة يتزعمها أحد أفراد المافيا الإيطالية.
وظهر عامل الإطالة واضحا في أحداث الفيلم، لأنه سعى عبر مشاهد حركية طويلة لزيادة مدة العمل، منها المشهد الذي يلاكم فيه البطل أحد رجال العصابة الإيطالية لمدة عشر دقائق، مع أن الموقف لم يكن يستدعي كل هذا الصدام.
ضيوف شرف
على نهج والده، استعان إمام الصغير بمجموعة من ضيوف الشرف، كما فعل الأب في مسلسله الأخير “عوالم خفية” في محاولة لكسب المزيد من الجمهور، مثل أحمد السعدني الذي ظهر في مشهدين، وأحمد فهمي في ثلاثة مشاهد.
ولم يفوت الفرصة لاستغلال نجاح عمله السابق “جحيم في الهند”، وشارك معه بعض أبطال “مسرح مصر”، مثل محمد عبدالرحمن ومحمد سلام ومصطفى خاطر، فضلا عن بيومي فؤاد، من خلال تقديم أبطال سبقت مشاركتهم معه كوسيلة لضمان النجاح.
وليس من الإنصاف القول إن محمد إمام عديم الموهبة تماما، ووالده فتح له الطريق وكفى، فقد حاول من قبل تقديم أعمال جيدة، لكن الاستسهال هو الذي جعله لا يستفيد مثلا من نجاح فيلمه “كابتن مصر” الذي عرض منذ ثلاث سنوات.
ويرى البعض من النقاد أن هذا العمل من أنضج وأفضل ما قدّم، لأن التجربة حملت داخلها نوعا من التحدي، بعد فشل تجربته الأولى التي سبقتها بسنوات في فيلم “البيه رومانسي”، كما أنه خلا من إقحام العنصر النسائي، وحمل أيضا فكرة جذّابة راعت الكوميديا بتلقائية دون افتعال ممل وببطولة جماعية.
ويبدو العنصر الأفضل في فيلم “ليلة هنا وسرور” هو المخرج حسين المنباوي، لأنه قدّم صورة متقنة في مشاهد “الأكشن”، وكانت لديه رؤية فنية لكثير من الجوانب التي تخطف عيون المشاهدين.
وقدّمت بطلة الفيلم ياسمين صبري، دورها بشكل مقبول، لكنها لم تتمكن من مداراة عيوب الكتابة في شخصية “هنا” التي جسّدتها، ولم تكن منطقية في الكثير من مشاهدها، وجرى التركيز على مفاتنها، ومن الصعوبة قبول فتاة الاستمرار في العيش مع زوج مخادع، وقصة حبهما لم تكتمل قبل الزفاف، وظهر الفرق بين هذا الدور ودورها السلس في فيلم “جحيم في الهند”، التي أدت فيه دورها بتوازن.
ولم ينجح المخرج في توظيف الفنان المخضرم فاروق الفيشاوي جيدا، وفشل في استغلال الخبرة التمثيلية العريضة له، وقدّم دورا بمساحة صغيرة، تذكرنا بتجربة محمد إمام الفنية الأولى في مسلسل “كناريا وشركاه” منذ 15 عاما، والذي كان من بطولة الفيشاوي، ووقتها لعب إمام دور ابنه.
كان من الممكن أن يصبح الفيلم نقلة مهمة لإمام الصغير لو استمع جيدا لنصائح النقاد المخلصين، ممّن طالبوه بضرورة التجديد، لأن المنافسة حادة وكبيرة، وهناك جيل شبابي موهوب صاعد، سيمثل خطرا على حضور إمام وأمثاله، ما لم يعتمدوا على الموهبة والاجتهاد بدلا من الإصرار على احتكار الفن بالوراثة والتكرار.