"ليلة صيد الخنازير".. قصص تحرك مصائر أبطالها الأمكنة

مجموعة قصصية جديدة تطوف بين خفايا المجتمع التونسي ببراعة.
الثلاثاء 2024/05/07
شخصيات تواجه أمكنتها الخاصة (لوحة للفنان فؤاد حمدي)

أونتاريو (كندا) - “ليلة صيد الخنازير” مجموعة قصصية جديدة للكاتبة التونسية، المقيمة في فرنسا، إيناس العباسي، تأتي بعد عدد من رواياتها التي طافت فيها بين خفايا المجتمع التونسي والإنساني ببراعة، بين تحولات الأمكنة والأشخاص والأنفس.

تحرك قصص هذا الكتاب واقعية لاذعة، اختارت لها القاصة إيناس العباسي إيقاعا سرديا متماسكا راحت من خلاله تقشر الحياة في تعدد أمكنتها على مهل.

 هناك أكثر من مكان في القصة الواحدة، ضفتان على الأقل، ومدن كثيرة تختبر موضوعات المنفى والوطن، التمرد والحرية، الخيبة والترقب، بل إن المكان هو الذي يحدد معالم كل شخصية ومجال تفكيرها ووعيها بذاتها، فبينما يعود البطل في قصة الكتاب الأولى إلى تونس ليحقق أحلامه بحثا عن “حياة غير مستعملة”، ها هو بطل قصة عنوان الكتاب، يصرح “أنا كمال، واحد من الراحلين، وواحد من العائدين أيضا”، وفيما يمضي السيد “حلال وحرام” لمصاحبة امرأة من جنسية أخرى، تعترف الزوجة التي تكتشف خيانة زوجها بالصدفة أنها واحدة من النساء اللاتي تربين في ظل كلمات “عيب” و”حرام” وأوامر نهي لا تنتهي.

هكذا تتوالى الاعترافات ومعها تمحى الخطوط الفاصلة بين الكثير من الثنائيات، لأن العباسي، كما جاء في كلمة الغلاف “لا تكتفي باستنطاق أبطالها ورصد مصائرهم في هذا الكتاب، إنما تمضي بهم وبنا في لعبة سردية مثيرة عبر تسع قصص نستكشف من خلالها لحظات الحياة الأشد توترا وعنفا وسخرية، ولتتقاطع ثنائيات الوطن والهجرة، الحب والخيانة، المخاطرة والأحلام المحطمة، في توليفة غنية بشخصيات لا تنسى، حيث تتماهى ملامح امرأة تحب المسلسلات التركية، مع أمّ مكسورة القلب خبيرة في سرقة الشموع، ويحدث أن تنتهي ليلة ضبابية بضربة مقلاة، بينما يتوقف الزمن حين تهجم الخنازير على المدينة”.

المجموعة تقدم لعبة سردية مثيرة عبر تسع قصص نستكشف من خلالها لحظات الحياة الأشد توترا وعنفا وسخرية
المجموعة تقدم لعبة سردية مثيرة عبر تسع قصص نستكشف من خلالها لحظات الحياة الأشد توترا وعنفا وسخرية

في الكتاب جملتان تختصران الألم والقسوة وما يعيشه أبطال القصص من تناقض وتمزق بين أوطانهم ومنافيهم، من تونس، إلى حلب، إلى أوكرانيا، إلى فرنسا… وغيرها من البلدان. تقول الجملة الأولى “حينا كنا صغارا، اعتقدنا أن العالم مكان آمن وصالح للحياة!”، وتقول الجملة الثانية “في تلك الليلة تخلّى عنا العالم”. وبين الجملتين يمكن أن “تحدث الأشياء في الليل المشوّه بالضوء”.

توزعت قصص كتاب “ليلة صيد الخنازير” على 80 صفحة، وجاءت عناوينها كالتالي: “رقصة مايكل جاكسون”، “ليلة صيد الخنازير”، “المرأة التي تحب المسلسلات التركية”، “السيد (حلال وحرام)”، “كل الطرقات تؤدي إلى روما”، “شموع مسروقة”، “مقلاتي المفضلة”، “تماس”، “على طرقات (لالون)”.

ومن هذه الأخيرة نقرأ “كنت حائرا أفكر في مصيري. قريبا ينتهي الصيف، وأجد نفسي في العراء. فقط لو أجد عملا. أحتاج لوثائق رسمية جديدة تثبت حسن نيتي. فقد أمرني المهرب بالتخلص من أوراق هويتي الأصلية، فور عبوري للحدود. لو تقدمت لأيّ عمل كان، سيسألونني كيف عبرت حدود بلادهم، وربما زجوا بي في السجن، أو أعادوني من حيث أتيت. في الأيام الماضية، كنت أرتعب، كلما مرت سيارة، وأنكمش محاولا جعل نفسي غير مرئي. لحسن الحظ، المزارع هنا بعيدة عن بعضها، تفصل بين المزرعة، والأخرى كروم عنب ممتدة وتسيج بعضها أشجار صنوبر عالية”.

تواصل كما أسلفنا العباسي مشروعها السردي القائم على استنطاق الأمكنة وتحولاتها وما تخلقه من تأثير بالغ في شخصياتها، وهو ما تكرس مثلا في واحدة من أهم رواياتها “منزل بورقيبة”، حيث للمكان السطوة في تحريك السرد وشخصياته.

يذكر أن “ليلة صيد الخنازير” صدرت عن “محترف أوكسجين للنشر” في أونتاريو، ويعد هذا الإصدار الجديد إضافة نوعية في مجال القصة للكاتبة والمترجمة التونسية إيناس العباسي (مواليد 1982)، والتي سبق لها أن أصدرت في القصة: “هشاشة” في طبعتين (2013 و2019). وفي الرواية: “اشكل” (2016)، “منزل بورقيبة” (2017)، نالت بها جائزة الكومار سنة 2018.

 كما لها إصدار في أدب الرحلة: “حكايات شهرزاد الكورية” في طبعتين أيضا (2009 و2013). أما في الشعر فصدر لها: “أسرار الريح”، جائزة أحسن كتاب شعري تونسي (2004)، “أرشيف الأعمى”، جائزة “الكريديف” (2007)، و”شهقة كحل” (2015). ترجمت عدة أعمال منها: “شجرة البرتقال الرائعة” لـ خوسيه ماورو دي فاسكونسيلوس (2017)، و”مهنة الأب” لسورج شالندون (2021). للكاتبة إصدارات في أدب الأطفال منها: قصة “سر اختفاء قطتي”، و”مغامراتي مع أحذية الكبار، أين ذهب سني؟”.

12