ليلة الموجي

شكّل تكريم الملحن محمد الموجي مناسبة مهمة لإنعاش الذاكرة الموسيقية للملايين من العرب ممن تابعوا الحفل الذي نظمته الهيئة العامة للترفيه على ركح مسرح أبوبكر سالم بالرياض وهيأت له ظروف النجاح المادي والأدبي، وأعطت لجميع المحطات التلفزيونية العربية العامة والخاصة الحق في نقله مباشرا أو مسجلا .
الحفل كان فخما وضخما كعادة حفلات العاصمة السعودية، والمشاركة كانت واسعة وبأصوات عربية مقتدرة وقفت أمام فرقة موسيقية ضمت 130 عازفا، والفرصة كانت ملائمة لاستعادة صفحات مهمة من تاريخ الموسيقى في منطقتنا بداية من خمسينات القرن العشرين إلى أوائل تسعيناته، وهي الفترة التي قدم فيها الموجي ما لا يقل عن 1500 أغنية منطلقا من ثراء موهبته الفذة التي جعلته يحقق إضافات غير مسبوقة للنغم العربي بالرغم من أنه لم يدرس الموسيقى ولم يكن يعرف مقاماتها إلا من خلال الممارسة اللحنية كما لم يكن يكتب النوتة، وحتى عندما حاول تعلمها فشل، ونصحه صديقه عبدالحليم حافظ بألّا يحاول من جديد لكي لا ينقطع عنه معين الإبداع، فتركيز كل اهتمامه على تعلم النوتة قد يجعله يخسر الكثير من الوقت ومن تلقائية التدفق اللحني الذي كان يتميز به.
قدم الموجي لعبدالحليم أول لحن أداه باسمه الفني وهو لحن "صافيني مرة" في العام 1953، وآخر أغنية في مشواره الفني وهي "قارئة الفنجان" التي قدمها في عيد شم النسيم في مارس 1977 من كلمات الشاعر نزار قباني لتحدث جدلا واسعا وسجالا حادا في المسرح وخارجه وعلى امتداد المنطقة العربية، ومثلت توأما لقصيدة "رسالة من تحت الماء" التي جمعت نفس الثلاثي في العام 1973 وتم اعتبارها هي الأخرى ثورة في الغناء العربي، وقد كان حليم في كل مرة يضطر إلى سجن صديقه الملحن في أحد الفنادق البعيدة ليضمن له حالة التركيز والانهماك التام في العمل.
أم كلثوم تصرفت بشكل مختلف، فقد سبق وأن لحن لها الموجي قصيدة "الجلاء" من كلمات أحمد رامي، ثم دعته لتلحين أغنية "للصبر حدود" من كلمات عبدالوهاب محمد، وأعطته تسبقة مالية، ويبدو أنه تأخر في إنجاز اللحن، فرفعت ضده دعوى قضائية، ووجد نفسه أمام المحكمة مدعوّا لتبرير موقفه، وقد كان القاضي متفهما، وطلب منه الإسراع في تقديم اللحن، وهو ما حدث بالفعل في العام 1964 ولكن بعد عدد آخر من الأغاني القصيرة الدينية والوطنية وصولا إلى أغنية "اسأل روحك" في العام 1970.
في الرابع من مارس الماضي، مرت الذكرى المئوية لرحيل الموجي، وبالمناسبة أقرّ المستشار تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية تنظيم حفل التكريم الذي جاء ضمن سلسلة من حفلات مماثلة لفنانين عرب من الأحياء والراحلين، سيكون من بينهم نهر الألحان بليغ حمدي الذي سيتم الاحتفاء بمناسبة الذكرى الثلاثين لرحيله في شهر سبتمبر القادم، وآخرون ممن شكلوا وجدان الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، ويجدون اليوم من يعترف لهم بجميلهم ويقدمهم للأجيال الجديدة في صورة تليق بهم وبإبداعاتهم.