ليلة الحب الأخيرة
ثلاثة نتمنى لهم السلامة. المسافر حتى يعود، والمريض حتى يشفى، والعاشق حتى يثوب إلى رشده.
أحيانا يشكل السفر نوعا من الهروب من حب فاشل بحثا عن النسيان. وفي ذلك تقول ليلى مراد "يا مسافر وناسي هواك / ريداك والنبي ريداك"، ولكن هل العشق نوع من الجنون حقا لكي نتمنى أن يعود المرء منه إلى صوابه؟ كما لو أن العاشق يسافر من العقل لتكون عودته من الحب نوعا من السلامة.
يعتقد بعض علماء النفس أن الحب حالة مرضية تفقد المرء اتّزانه، وقد يؤدي استمرارها إلى الجنون.
وفي ذلك يشبه قيس بن الملوح الخلاص من الحب بالتوبة، إذ يقول "ألستَ وعدتني يا قلب أني/ إذا ما تبت عن ليلى تتوبُ / فها أنا تائب عن حب ليلى/ فما لك كلما ذُكرت تذوب”، ولكنّ حبا من غير جنون ليس بالحب.
المعادلة لا تستقيم. فليست أفعال ولا أقوال العاشق عقلانية وإلا ما جرؤ فريد الأطرش على القول "تطلع من الأرض أطعلك/ تنزل من السما أنزلك"، وفي الأغنية نفسها "ديما معاك".
هناك الكثير من الفكاهة التي لا يصرح بها إلا المجانين فهو يقول "فيه مغناطيس في جبهتك / تملّي يجذبني لبهاك / تطردني من باب جنتك / تلقاني جيت من الشباك".
وتصل السخرية إلى ذروتها حين يقول "تعمل شيطان أعمل حاوي".
امتلأ تاريخ الشعر العربي بالعشاق المجانين إلى أن وصل إلى بدر شاكر السياب الذي يقول لحبيبته إقبال التي صارت في ما بعد زوجته وأم ولديه "أحبيني..لأن جميع من أحببت قبلك لم يحبوني"، يمكن أن يكون ذلك سببا غريبا للحب، ولكن الشاعر قاله في لحظة ضعف هي أشبه باستغاثة.
ولو كان السياب قد استمع إلى فريد الأطرش وهو يخاطب حبيبته "سافر مع السلامة / ترجع لنا بالسلامة" لما عرض شرط جنونه الذي قبلت به إقبال.
سيندهش السياب حين يرى أن سامية جمال هي المقصودة. تزوجت سامية جمال من رشدي أباظة فيما ظل الأطرش من غير زواج. لقد غنى لها أجمل أغانيه غير أن أحدا لم يؤكد أنه كان يرغب في الزواج منها.
كانت فراشة الرقص الشرقي وكانت سليلة شفيقة القبطية وبديعة مصابني ونعيمة عاكف وتحية كاريوكا.
كان العراقيون لا يغادرون بيوتهم في انتظار رقصة من سهير زكي على أنغام محمد عبدالوهاب في "أنت عمري".
كانت تلك الرقصة بالنسبة إليهم عنوان ليلة الحب التي لا يرغبون في أن تنتهي.
