ليس بالإمكان التخلي عن السيناريو

لنتخيّل أي كائن بشري من دون قصة يرويها. ولنتخيل سيرة ذاك الكائن من دون بداية ولا نهاية أو ولادة وخاتمة وموت.
أليس ذلك التسلسل المنطقي هو اختصار حتمي لتراجيديا الوجود البشري ذاته، وبمعنى آخر إنه سيناريو وجودنا الكلّي وقد تمت صياغته على الورق.
سوف يكون ذلك مجرّد تبسيط عملي لفكرة كتابة السيناريو في حدّ ذاتها، إذ يمكن مثلا تخيّل عالم الفيلم من دون ميزانية كافية ولا كاميرا متطوّرة ولا بذخ في المكان وتنوّع في الشخصيات ولا متطلبات إنتاجية وحروب نجوم وصراعات وطائرات وسفن وسيارات تتصادم، بالإمكان الاستغناء عن كل هذا بطريقة ما، لكن ليس بالإمكان التخلي عن السيناريو الذي تنتظم فيه جذوة الحياة على الشاشات.
وعلى هذا ثمّ سيناريو مكتوب لهذا العالم يتحدّث عنه علماء الجغرافيا والفيزياء وحتى العرّافون والمتنبئون، ولكل منهم السيناريو الخاص الذي يتفنّن فيه، سواء بسبب الاحتباس الحراري أو الحرب النووية أو غير ذلك لرسم نهاية لهذا العالم.
والأمر سوف ينسحب مباشرة على الفيلم الذي هو صورة أخرى للعالم المأزوم، ولهذا صرنا نشاهد نسخا ليست عظيمة ولا مدهشة لصورة العالم، وصور الحياة والشخصيات من حولنا ورداءتها التي لا يدركها الكثيرون لا تعود إلى الشكل والأداء والديكور بل إلى السيناريو.
تلك القضية الجوهرية التي يتغاضى عنها الكثيرون، أن نتحول لا إلى رواة بارعين لقصة هذا العالم والناس بل إلى رواة نتهجّى طريقة الرواية المشوّقة التي تفتح آفاقا وتعلّم دروسا مهمة.
في ذروة عطائه السينمائي سئل الفريد هيتشكوك عن رأيه في سبب نجاح أو فشل الفيلم فأجاب “إن هنالك ثلاثة عناصر أساسية لا غنى عنها وهي، أولا السيناريو وثانيا السيناريو، وثالثا السيناريو”.
وهل سمعت عن سيناريو مكتوب بعجالة وآخر لا يخلو من الرداءة والتكرار وثالث شديد السطحية ورابع بلا معنى ولا تأثير، وهو سيناريو العالم الذي من حولنا والحياة بكل ما فيها من أزمنة وأماكن وشخصيات وكلّها لا تمتلك وجودا عبثيّا أو ساذجا أو سطحيّا.
ومع مضي الأزمنة وتراكم التجارب من حولنا ورسوخ هذا الفن والعلم والمهنة والموهبة والكفاءة فإننا بالرغم من كل ذلك لا نزال نتخبط في كتابة السيناريو الذي يليق بوجودنا.
شخصيّا وفي حدود تجربة متواصلة لا أزال أنقّب في أخطاء كاتب السيناريو قبل أن أبحث في الوصايا والدروس، لأنها سوف تتحقق تلقائيا بمجرد اكتشاف الأخطاء، وكلما خضت في هذا المدّ العميق وجدت أسرارا وحقائق ونتائج مذهلة.
ببساطة شديدة لأنك تبحث عن أخطاء تُرتكَب في كتابة سيناريو العالم وسيناريو الحياة وليس الفيلم الذي نشاهده إلا اختصارا لمسيرة إنسان، بداية ومنتصف ونهاية، أو لجزء من سيرة أو حدث أو حادث أو واقعة أو تاريخ وبهذا فإن العجز عن ربط السيناريو بما هو معاش هو عيب آخر وإشكالية أخرى حتى كأن الشخصيات تتكلم لغة أخرى وتستخدم حوارا مختلفا لكن ذلك لا يعني استنساخ كل ما في الواقع بل اختزاله وتكثيفه وأن تكون له غاية وسبب وهدف.
لعلّها متعة عظيمة أن تشعر بذلك التكامل الفذّ ما بين السيناريو والعالم والحياة وأنت تشاهد نسخة فريدة وبديعة عنهما تختصرها لغة الفيلم التي لا يدرك السيناريو المرافق لها إلا قليل.