ليبي الأمازون

للمواطن الليبي حسين عمر حسين قصة غريبة انتهت للأسف دون أن يدون تفاصيلها في مذكرات شخصية كان يمكن أن تجد صدى واسعا بعد نشرها في كتاب.
الأحد 2023/08/13
بقايا ذاكرة كانت مشدودة إلى غابات الأمازون

للمواطن الليبي حسين عمر حسين قصة غريبة انتهت للأسف دون أن يدون تفاصيلها في مذكرات شخصية كان يمكن أن تجد صدى واسعا بعد نشرها في كتاب.

في العام 1995 غادر بلاده ليبيا في اتجاه ألمانيا حيث شغل وظيفة ميكانيكي في مزرعة، ومن هناك تعرّف على فتاة برازيلية وتعلّق بها إلى درجة الوله، وكان يتمنى الزواج منها وبناء أسرة سعيدة، لكن القدر كانت له أحكام أخرى. لأسباب عائلية اضطرت الفتاة البرازيلية للمغادرة نحو بلادها بعد أن وعدت حبيبها بالعودة إليه في أقرب وقت ممكن لإتمام مراسم الزواج.

طال غياب الحبيبة وانقطعت جسور التواصل معها، فقرر حسين السفر إلى البرازيل للبحث عنها. كان ذلك في العام 2012 الذي كان عاما فارقا في حياته بما شهده من تحول دراماتيكي. فقد انتقل الشاب الليبي بين عدة مدن برازيلية للبحث عن حبيبته ولكن دون جدوى، وفي أوج التعب والإرهاق نفدت أمواله وضاعت منه أوراقه الثبوتية، وبقي هائما على وجهه حيث لا صديق ولا رفيق ولا أمل في العثور على الحبيبة، ولا مفردات لغوية يتعامل بها مع السكان المحليين.

دفعت دوامة الضياع والتشرد بحسين إلى أطراف غابة متاخمة لمدينة ماناوس عاصمة ولاية الأمازون في المنطقة الشمالية من البرازيل والتي تقع في وسط غابات الأمازون المطيرة، ويتم الوصول إليها غالباً عن طريق القوارب أو الطائرات نظرا إلى عزلتها.

هناك خاض حياة بدائية في الأدغال، كان يعتاش فيها على ثمار الغاب ولحوم الحيوانات التي يتمكن من صيدها ومياه الأنهار والجداول التي يروي بها ظمأه أو يغتسل بها، وسيطرت عليه فكرة النهاية الحتمية في تلك الظروف، وتسبب انهيار حالته النفسية في فقدانه جانبا من ذاكرته.

في العام 2019، ومع انتشار الحرائق في غابات الأمازون، حاول حسين الفرار من ألسنة اللهب التي اقتربت منه، وبدأ في الركض بحثا عن أول منفذ يودي به إلى خارج الغابة، وبعد جهود مضنية وجد نفسه في مواجهة عناصر من الشرطة البرازيلية التي استغربت من حالته، وكانت تعتقد أنه من الفارين من العدالة، قبل أن يتم التحقيق معه بواسطة مترجم سوري، حيث أكد حسين أنه عربي من ليبيا الواقعة في شمال أفريقيا، فاتصلت الشرطة بالسفارة الليبية في برازيليا وأعلمتها بالموضوع.

تدخلت السلطات الليبية لمساعدة حسين على العودة إلى بلاده وهو ما حدث فعلا، غير أن بقايا ذاكرته كانت مشدودة إلى غابات الأمازون، وقلبه لا يزال ينبض بعشق حبيبته البرازيلية، والأسبوع الماضي، أُعلن عن نهايته المأساوية في حادث سير ونقله إلى ثلاجة الموتى بأحد المشافي بسبب عدم التعرف على هويته، وبعد نشر صورته على صفحات التواصل الاجتماعي، تم التعرف عليه: إنه رجل الأمازون الذي عاش الحياة البدائية بين الحيوانات المفترسة والزواحف السامة فلم يمسسه ضرّ، وعندما عاد إلى ضوء الحياة العصرية في بلاده انتهى تحت عجلات سيارة يقودها سائق متهور.

18