ليبيا تكافح للتغلب على نقص الكهرباء بالطاقة البديلة

تسعى السلطات الليبية إلى التغلب على نقص الكهرباء بسبب مخلفات الحرب، من خلال فتح أبواب الاستثمار أمام الشركات الأجنبية لإقامة مشاريع لإنتاج الكهرباء من المصادر النظيفة وفق إستراتيجية طموحة تستهدف سد جزء من الطلب المتنامي.
طرابلس - تبذل ليبيا جهودا مضنية لتنويع موارد الطاقة لديها وتدعيم ركائز الطاقة المتجددة وتنشيطها، خاصة وأن قطاع الطاقة يعتبر حجر الزاوية في اقتصاد البلاد.
ويبدو البلد العضو في منظمة الدول المصدر للبترول (أوبك) أحد الاقتصادات المغاربية المتعثرة بسبب تبعات الحرب والانقسامات السياسية، وهو يحاول بشق الأنفس للحاق بركب بلدان المنطقة العربية في تنويع مزيج الطاقة.
وأدت الحرب الأهلية على مدى أكثر من عقد إلى زيادة حاجة البلاد لاستثمارات كبيرة في مجالات شبكة الكهرباء والإسكان والبنية التحتية وغير ذلك من القطاعات.
ورغم كل الظروف المحيطة بمستقبل هذا البلد، فإن المستثمرين الأجانب والعرب يسعون للاستفادة من إمكانيات ليبيا في مجال الطاقة الشمسية.
وتهدف ليبيا العضو بالمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة منذ عام 2008، لتوليد 22 في المئة من الكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة بنهاية هذا العقد، ولديها طموحات لزيادة الإنتاج بحلول منتصف العقد المقبل.
لكنها تواجه العوائق، فأغلب ما تم رصده في إنتاج الطاقة البديلة هي عمليات فردية يقوم بها القطاع الخاص، كما أن بعض الليبيين قاموا بتركيز ألواح شمسية في منازلهم دون دعم حكومي.
وفي مطلع العام 2022، كشفت شركة الكهرباء الليبية أنها ستبني بالشراكة مع توتال أنيرجيز محطة شمسية في منطقة السدادة بقدرة 500 ميغاواط.
وفي تحرك نادر، وقعت شركة دبليو سولار للاستثمار وإحدى شركات ألفا ظبي القابضة اتفاقية في يونيو 2021 مع شركة الكهرباء شراكة لإقامة مزارع للطاقة الشمسية لإنتاج 500 ميغاواط في مرحلته الأولى مع هدف طويل الأجل يبلغ ألفي ميغاواط.
وسعت العديد من الدول خلال النسخة الثانية لقمة ليبيا للطاقة والاقتصاد والتي احتضنتها العاصمة طرابلس في وقت سابق هذا الشهر، لإيجاد فرصة للمسؤولين لتشكيل ملامح التحالفات الاقتصادية.
وباتت المصالح تربط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة بدول مؤثرة في المشهد الليبي العام ببعديه المحلي والإقليمي، سواء من خلال الاتفاقيات الحكومية أو مع الشركات العالمية الكبرى في قطاع الطاقة.
وشارك في القمة ممثلون عن أكثر من 30 دولة من بينها تركيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا والجزائر، وشركات رائدة في مجال النفط والغاز والطاقات المتجددة، أبرزها إيني وريبسول الإسبانية وتوتال أنيرجيز وأويل أنفست وسوناطراك.
ومن بين الدول المهتمة بالاستثمار في ليبيا يبرز دور تركيا بخبراتها الكبيرة في هذا المجال لتستحوذ على فرصة شراكة ليبيا في إستراتيجيتها للطاقة المتجددة التي تصبو الوصول إليها بحلول 2035.
وفي إطار سعيها لتحويل إمكاناتها القوية في مجال الطاقة المتجددة إلى مكاسب اقتصادية، تعرب ليبيا أيضا عن حاجتها إلى التعاون الدولي في هذا السياق.
4
غيغاواط القدرة التي تستهدف ليبيا إنتاجها من المصادر المستدامة بحلول 2035
والأسبوع الماضي أشار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار إلى أن ليبيا تمتلك إمكانات كبيرة فيما يتعلق بموارد الطاقة المتجددة. وأكد رغبة تركيا في التعاون مع ليبيا في هذا المجال.
وذكر بيرقدار الذي زار طرابلس للمشاركة في القمة أن ليبيا يمكن أن تستفيد من تجربة تركيا في مجال الطاقة البديلة.
ويعتمد الاقتصاد الليبي بشكل كبير على صادرات النفط والغاز، وتلبي حولي 80 في المئة من احتياجات الكهرباء من النفط، إلا أن طرابلس تخطط لزيادة حصة الموارد المتجددة في محفظة الطاقة لديها لتلبية الطلب المتزايد.
وفي تصريح للأناضول، تحدث رئيس مجلس الإدارة بجهاز الطاقات المتجددة الليبي عبدالسلام الأنصاري، عن أهداف بلاده في الطاقة المتجددة وفرص التعاون الدولية في هذا الإطار.
وقال إن “ليبيا تمتلك إمكانات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية”، وأن بلاده تهدف إلى إنشاء 20 في المئة من محفظتها للطاقة من مصادر متجددة بحلول 2035.
وأشار إلى أن خطة الطاقة المتجددة تصبو إلى الوصول إلى 4 غيغاواط وتتألف من ثلاث مراحل.
وتهدف المرحلة الأولى إلى الوصول إلى قدرة 1.7 غيغاواط بنهاية عام 2027، وفي المرحلة الثانية الوصول إلى قدرة 2.5 غيغاواط بحلول 2030، وإلى 4 غيغاواط بحلول 2035 في المرحلة الثالثة.
ولفت الأنصاري إلى أن ليبيا أطلقت مبادرة جديدة تسمى “غو غرين” (أزل التلوث)، تهدف إلى تركيب أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح للمستهلكين الأفراد والصناعيين والزراعيين.
وتستهدف خطة الطاقة المتجددة تدعيم ركائز إنتاج الكهرباء الخضراء من الشمس والرياح، إلى جانب دراسة مشتركة مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط حول الهيدروجين الأخضر.
ومع ذلك، يرى الأنصاري أن ثمة الصعوبات تواجه عملية تحقيق الأهداف المنشودة. وقال إنها “تتعلق في معظمها بالضوابط القانونية والتمويل”.
وعلى مدى سنوات، بات استمرار انقطاع الكهرباء في معظم ساعات اليوم أمرا شائع الحدوث في أنحاء البلاد وخاصة خلال الصيف، في ظل درجات حرارة مرتفعة تجعل الطلب يزيد بفعل الإقبال على استخدام مكيفات الهواء.
وتشير التقديرات إلى أن العجز في إنتاج الكهرباء في البلاد يصل إلى ألفي ميغاواط، لكن المتاح يبلغ حوالي 7 آلاف ميغاواط فقط.
وتواجه ليبيا منذ العام 2011 مشاكل في إنتاج الكهرباء بسبب جولات المعارك المتكررة. ودمرت محطات توليد عديدة وخطوط نقل. وقدرت الشركة الحكومية الخسائر بأكثر من مليار دولار.
كما تسببت الخسائر في عجز متزايد في توليد الطاقة سنويا. ويبلغ متوسط انقطاع الكهرباء يوميا خلال فترة الصيف عشر ساعات يومياً خصوصا في العاصمة، ما أدى إلى اعتماد أغلب الليبيين على المولدات الخاصة.
وتستورد ليبيا الطاقة من مصر بحدود 75 ميغاواط، ويوجد اتفاق مع تونس للتزود بنحو 100 ميغاواط، إضافة إلى وجود وحدتين تم تركيبهما غرب طرابلس في 2019 تنتجان كهرباء في حدود 60 ميغاواط.
ويشدد المسؤولون الليبيون على أهمية التعاون الدولي للتغلب على الصعوبات، رغم أن الحكومة وضعت استراتيجية شاملة لإزالة العراقيل أمام هذا المسار الطموح.
وقال الأنصاري “نحن منفتحون على جميع الشركات العالمية والمستثمرين، كما أن تركيا لديها فرصة جيدة بسبب العلاقات التاريخية القوية بين البلدين”. وأكد أن تركيا يمكن أن تكون جزءا من هذه الإستراتيجية.