ليبيا تكافح بلا جدوى لإعادة بناء اقتصادها المنهك

عكست المعارك السياسية التي تواجهها ليبيا وما ترتب عنها من شلل في دفع الاقتصاد المنهك إلى الأمام حجم الأخطار المستمرة التي تواجه زيادة عمليات إنتاج النفط المورد الوحيد الذي يستفيد منه البلد، ووسط حالة من الجمود في النظام المالي.
طرابلس - يكافح الفرقاء وصانعو السياسة النقدية في ليبيا بلا جدوى للتوصل إلى نقطة تقاطع إيجابية وسط خلافاتهم المستمرة لإعادة بناء الاقتصاد العليل باستغلال فرصة ارتفاع أسعار النفط لزيادة الإنتاج وإعطاء هذه الصناعة جرعة تنشيط حتى تقوم بدورها.
واعتبر الصدّيق الكبيّر محافظ البنك المركزي، المُتهم بالتفرد في اتخاذ سياسات نقدية دون التنسيق مع فرع البنك شرق البلاد، أن بلاده تحتاج إلى زيادة إنتاجها النفطي لتفعيل الخطط التنموية الشاملة وتنويع مصادر الاقتصاد المعتمد بشدة على صادرات الطاقة.
وقال في مقابلة مع وكالة بلومبرغ بالعاصمة طرابلس إن البلد العضو في أوبك “يحتاج زيادة إنتاجه النفطي إلى نحو 1.4 مليون برميل يوميا على الأقل إذا أراد تحقيق نقلة في الاقتصاد".
وتشير التقديرات إلى أن ليبيا تنتج حاليا حوالي 1.2 مليون برميل يوميا من النفط، وهو ما اعتبره الكبيّر غير كاف لتغطية الزيادة في الإنفاق الحكومي إذا تراجعت أسعار النفط العالمية لأقل من 90 دولارا للبرميل.
وأكد أن المركزي يدعم جهود الحكومة لزيادة الإنتاج "بالتضامن مع المجتمع الدولي ولسد النقص في إمدادات الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية".
وتبدو مسألة زيادة الإنتاج ليست سهلة بالنسبة إلى ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطيات من الخام في أفريقيا، لكنها تعاني من حالة شلل سياسي بسبب الصراع بين حكومة فتحي باشاغا المكلف من البرلمان شرق البلاد وحكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس.
كما أن حقول النفط وخطوط أنابيب نقله في قلب الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، وغالبا ما تقوم الجماعات المسلحة بإغلاق حقول النفط أو خطوط الأنابيب للضغط على السياسيين أو للحصول على مطالب اقتصادية.
وبحسب الكبير حصلت مؤسسة النفط الحكومية على 1.7 مليار دولار بهدف تمويل “مشاريع تنموية غير محددة” خلال هذا العام، لكن لا توجد معلومات بشأن ما إذا كانت قد تصرّفت فيها أم لا.
ويقول خبراء إن أي زيادة في الإيرادات ستسمح بالتوسع في مشاريع التنمية والبنية التحتية مع تحفيز القطاع الخاص وتنويع مصادر الدخل وتوفير فرصة حقيقة لإعادة إعمار الخراب الذي تسببت فيه الحرب.
وأدت الحرب الأهلية والصراعات المسلحة على مدى أكثر من عقد من الزمن إلى زيادة حاجة البلاد لاستثمارات كبيرة في مجالات الإسكان والبنية التحتية وشبكة الكهرباء وغير ذلك من القطاعات.
وليس ذلك فحسب، إذ رغم كل الظروف المحيطة بمستقبل هذا البلد، فإن المستثمرين الأجانب والعرب يسعون للاستفادة من إمكانيات ليبيا في مجال الطاقة الشمسية.
وفي تحرك نادر، وقعت شركة دبليو سولار للاستثمار وإحدى شركات ألفا ظبي القابضة اتفاقية في يونيو الماضي مع شركة الكهرباء الليبية شراكة لإقامة مزارع للطاقة الشمسية لإنتاج 500 ميغاواط في مرحلته الأولى مع هدف طويل الأجل يبلغ ألفي ميغاواط.
وتهدف ليبيا العضو بالمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة منذ عام 2008 لتوليد 22 في المئة من الكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة بنهاية هذا العقد.
لكن العديد من العوائق تواجهها فأغلب ما تم رصده في إنتاج الطاقة البديلة هي عمليات فردية يقوم بها القطاع الخاص، كما أن بعض الليبيين قاموا بتركيز ألواح شمسية في منازلهم دون دعم حكومي.
وفي وقت سابق هذا العام كشفت شركة الكهرباء أنها ستبني بالشراكة مع توتال محطة شمسية في منطقة السدادة بقدرة 500 ميغاواط.
وبغض النظر عن كل ما يحدث، فإن إعادة بناء قدرات الاقتصاد الليبي المتعطش للنمو تكمن في هيكلة النظام المالي، وهذا لن يحدث إلا بمشاركة المؤسسات المالية الدولية.
وكان البنك الدولي قد عرض على ليبيا مطلع 2019 إستراتيجية متكاملة تركز على محاور أساسية أهمها استعادة الخدمات الأساسية وتعزيز قدرات الحكومة لإدارة الأموال العامة والعمل على إعادة هيكلة النظام المالي والمصرفي.
أرقام لحالة الاقتصاد
31.7 مليار دولار حجم الدين العام
18.5 في المئة نسبة انكماش الاقتصاد في 2022
6 في المئة معدل التضخم في السوق المحلية
1.4 مليون برميل يوميا يحتاجها البلد لتمويل التنمية
وقبل الحرب، لم يكن النظام المالي متطورا بما فيه الكفاية نتيجة لامبالاة السلطات النقدية في عهد معمر القذافي بسبب إدمان البلد على ريع النفط.
ولكن الأزمة التي تفجرت إثر إسقاطه عرت قمة جبل مشكلاته المزمنة وأظهرت ضعف دوره وتجلت أكثر مع العجز في توحيد البنك المركزي بشكل كامل حتى الآن.
ويرى الكبيّر أن جهود إعادة توحيد البنك المركزي التي تعثرت خلال العام الحالي بسبب الصراع بين حكومة طرابلس والبرلمان، يمكن استئنافها بمجرد عودة الاستقرار السياسي حتى إذا كان استقرارا نسبيا.
ومع أن البلد البالغ تعداد سكانه نحو 6 ملايين نسمة، لم يتمكن من الحصول على قروض خارجية تذكر بسبب النظرة السلبية لجدارته الائتمانية، فإن الدين العام يبلغ حوالي 155 مليار دينار (31.7 مليار دولار).
وفي ظل هذا الوضع لا يرى الكبيّر حاجة لتغيير قيمة العملة المحلية لتحفيز الأنشطة الاقتصادية بعدما قرر مجلس إدارة المركزي في أكتوبر الماضي دون حضوره تعديل سعر الصرف من 4.48 إلى 4.23 دينار مقابل الدولار.
وقال “يطالب بعض الليبيين بضرورة زيادة قيمة الدينار أمام الدولار لتقليل أسعار واردات البلاد، لكن البنك لا يستطيع تغيير أسعار الصرف في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية خاصة التهديدات المستمرة بإغلاق المنشآت النفطية ووقف تصدير الخام”.
ورغم كل الضبابية التي تكتنف مستقبل البلاد، يتوقع صندوق النقد الدولي حدوث مؤشرات إيجابية في الاقتصاد الليبي، من حيث النمو المتوقع ونسبة التضخم خلال العام المقبل مستفيدا من أسعار النفط المرتفعة عالميا.
وذكر خبراء الصندوق في تقرير نشره أكتوبر الماضي بعنوان “آفاق النمو لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى” أن ليبيا تتصدر قائمة الاقتصادات العربية الأسرع نموا العام المقبل بعد أن تسجل انكماشا في ناتجها الإجمالي بواقع 18.5 في المئة هذا العام.
ويرجح الصندوق أن تحقق ليبيا نموا بنسبة 17.9 في المئة خلال العام المقبل على أن يتقلص ضغط القدرة الشرائية على الليبيين ليصل إلى 2.6 في المئة بعدما بلغ هذا العام ستة في المئة.