ليبيا: الهروب من المدرسة إلى الميليشيا

يعاني قطاع التعليم في ليبيا جملة من الصعوبات في مختلف مناطق هذا البلد الغارق في الفوضى والاقتتال منذ نحو خمس سنوات. ولئن تختلف هذه الصعوبات من منطقة إلى أخرى إلا أن مراقبين يجمعون على أن السبب الرئيسي لهذه الصعوبات يتمثل في الصراع المسلح الدائر في البلاد.
الثلاثاء 2016/07/26
اللجوء إلى الصف للهروب من الواقع الخارجي

تونس- يمثل تحسين جودة التعليم مطلبا لقطاعات واسعة من الليبيين في هذا البلد الذي تتخطفه النزاعات المسلحة منذ انتهاء حكم العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، الذي لم يعط اهتماما كبيرا لقطاع التعليم في بلد يحظى بثروات نفطية هائلة.

ويحمل الليبيون النظام السابق مسؤولية تراجع جودة التعليم في ليبيا التي كانت تحتل عام 2008 المرتبة الـ138 عالميا وفقا لتقرير التنافسية العالمية.

وبعد مرور حوالي خمس سنوات على الإطاحة بنظام القذافي، لا يبدو أن مطلب تحسين جودة التعليم مازال يحظى بنفس الاهتمام مع تصاعد حدة الصراعات المسلحة بين الفرقاء الليبيين، الأمر الذي كان له الأثر البالغ على قطاع التعليم الذي مازال لا يستجيب لأبسط المعايير الدولية والإقليمية.

وقال محمد فرج، مدير قسم الشؤون العلمية بوزارة التربية والتعليم في طرابلس، لـ”العرب” إن “نقص الإمكانيات وعدم إيلاء التعليم قيمته حالا دون أن تحتل ليبيا مراتب متقدمة عالميا في هذا القطاع”.

ورغم الاستقرار النسبي الذي تشهده العاصمة طرابلس عكس بقية المناطق شرق البلاد، إلا أن سطوة الميليشيات المسيطرة عليها كان له تأثيره على جودة التعليم بعد أن ارتفعت نسبة الغش في الامتحانات.

ويقول فرج إن “المعلمين عجزوا عن وضع حد لهذه الظاهرة خاصة بعد أن أصبحت حياتهم على المحك”.

تراجع مستوى المعلمين يتطلب إقامة دورات تدريبية لا تسمح ظروف البلاد أو إمكانيات الحكومة بها

وأكد أن “المعلمين باتوا غير قادرين على اتخاذ الإجراءات العقابية اللازمة في حق الطلاب الذين يمارسون الغش خلال الامتحان أو حتى إيقافهم عند الإمساك بهم متلبسين، وذلك خوفا من انتقام الميليشيات منهم في ظل الغياب التام لسلطة الدولة”.

ولم يخف المسؤول الليبي اعتراض الميليشيات لبعض المعلمين والمدرسين الذين تبنوا إجراءات عقابية ضد بعض الطلاب الذين ثبت قيامهم بالغش خلال الامتحانات. ويقول إن ذلك عزز غياب التقييم العادل للطلاب، وباتت ثقافة بذل المجهود غير مجدية بينهم.

ولا يتطلب الانتماء لإحدى الميليشيات المسلحة أوالمشاركة في جبهات القتال شهادة علمية أو سنا قانونية محددة. وتحول التحاق الطلاب بهذه الجماعات إلى ظاهرة في مختلف مناطق ليبيا، الأمر الذي بات يقلق المنظمات الدولية التي تنشط هناك، وفي مقدمتها اليونيسف.

وشدد فرج لـ”العرب” على أن ظاهرة التحاق الطلاب بالميليشيات المسلحة تراجعت كثيرا.

لكن منظمة اليونيسف طالما عبرت عن قلقها العميق إزاء هذه الظاهرة، وهو ما دفعها إلى إطلاق حملة وطنية مناهضة لتجنيد الأطفال وإقحامهم في الصراع المسلح منتصف العام الماضي تحت عنوان “معا من أجل الأطفال”، وهي حملة تنظمها المنظمة الدولية بشكل أساسي مع البلديات المحلية.

نوري المريمي: قطاع التعليم الليبي بات متعبا، ورغم ذلك تمكنت السلطات من إجراء الامتحانات لجميع الطلاب في الداخل والخارج

لكن الحملة لم تلق تفاعلا رسميا كبيرا، إذ اقتصر التجاوب معها على 19 بلدية من أصل 90، قامت بالتوقيع على مذكرة تعاون مع اليونيسف.

لكن البلدية الوحيدة التي أظهرت رغبة حقيقية في القضاء على هذه الظاهرة هي بلدية الزنتان (شمال غرب) التي أصدرت قرارا بعدم إشراك الأطفال في النزاع المسلح. كما افتتحت البلدية مركزا لإعادة وتأهيل المقاتلين من الأطفال أو حتى هؤلاء الذين بلغوا مرحلة الشباب بعدما تعرضوا للتجنيد وهم أطفال خلال السنوات الخمس الماضية.

وفي الشرق حيث أكثر مناطق الصراع سخونة، لا يبدو أن قطاع التعليم الليبي مستعد للتعافي في المستقبل المنظور.

وقال نوري المريمي، وكيل التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، لـ”العرب” إن قطاع التعليم “بات متعبا جدا”، لكنه أكد في المقابل أن العام الدراسي الحالي “انتهى بنتائج جيدة نوعا ما، وتمكنت السلطات من إجراء الامتحانات لجميع الطلاب داخل وخارج ليبيا”. وأدت الحرب، التي تخوضها قوات الجيش الليبي بقيادة الفريق خليفة حفتر، على الإرهاب في بنغازي إلى إغلاق عدد كبير من المدارس الواقعة في محاور الاشتباكات كمناطق الليثي والصابري وسوق الحوت، كما تحولت بعض المدارس الواقعة في الأحياء الآمنة إلى ملاجئ للنازحين الذين اضطروا لترك منازلهم الواقعة في أماكن الاشتباكات.

وأمام إغلاق المدارس العمومية لم يجد سكان مدينة بنغازي من حل لأبنائهم سوى إلحاقهم بمدارس خاصة، الأمر الذي يثقل كاهلهم خاصة في ظل تأخر صرف أجورهم جراء أزمة شح السيولة التي تعاني منها ليبيا. ويقول مسؤولون كبار إن تراجع المستوى التعليمي في صفوف الطلبة الليبيين يعود أيضا إلى افتقار المعلمين للكفاءة.

وقال فرج لـ”العرب” إن “الحل الوحيد لتجاوز ضعف مستوى المعلمين يتمثل في تكثيف الدورات التدريبية لتحسين مستواهم على الصعيد الوطني”.

17