لويزة حنون في قصر المرادية.. انفتاح بعد قطيعة

لفت اجتماع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بالزعيمة اليسارية لويزة حنون أنظار المتابعين، لما حمله من دلالات مهمة سواء في علاقة بما تمثله حنون من وزن على الساحة السياسية في الجزائر طيلة عقود، وأيضا في علاقة بتوجه لإنهاء شبه قطيعة سادت خلال الفترة الماضية بين قصر المرادية والقوى الحزبية.
الجزائر - استقبل الرئيس الجزائري بقصر المرادية زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، في لقاء هو الأول من نوعه منذ انتخابه نهاية العام 2019 رئيسا للجمهورية، مما يوحي بوجود رغبة لدى الرئيس في توسيع دائرة اللقاءات التشاورية خارج حلقة الشخصيات التي دأبت على الظهور في أروقة وصالات قصر الرئاسة. ويقول مراقبون إن لقاء تبون بحنون يعكس في أحد أوجهه رغبة لدى الرئاسة في الانفتاح مجددا على الأحزاب، بعد أن حرصت على التعاطي بفتور هو أقرب إلى العزل والإقصاء.
ومنذ إطلاق سراح حنون من السجن في فبراير من العام 2020، ظلت بعيدة عن الأضواء السياسية، فلا هي حافظت على قنوات الاتصال مع السلطة كما كانت خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ولا هي سعت لاستعادة زخم الخطاب السياسي والاجتماعي المناهض للسلطة، حتى ولو عبرت في عدة مناسبات عن دعمها للمطالب التي رفعها الحراك الشعبي.
ويبدو أن اللقاء الهامشي الذي ظهرت فيه حنون مع الرئيس تبون، في الاحتفالية المنتظمة بمناسبة عيد ثورة التحرير المصادف للفاتح من نوفمبر، قد مهد لعودة الدفء بين حزب اليسار والسلطة، وبداية ردم الهوة الناجمة عن تعرضها للسجن العام 2019، رفقة قائدي جهاز الاستخبارات ومستشار وشقيق الرئيس السابق بوتفليقة، بدعوى التآمر على قيادة الجيش وعلى أمن الدولة.
لقاء تبون بحنون يعكس رغبة لدى الرئاسة في الانفتاح مجددا على الأحزاب بعد أن حرصت على التعاطي بفتور هو أقرب إلى العزل والإقصاء
ودأب الرئيس الجزائري على استقبال زعامات سياسية ورسمية في لقاءات شكلية لم تفرز أي أجندة سياسية، ولم ترتق إلى مستوى المشاورات السياسية، خاصة في ظل تحفظ ضيوف المرادية على إطلاع الرأي العام عن محتوى تلك اللقاءات، الأمر الذي أفقدها بريقها أو الاهتمام بها.
وأكدت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، عقب اللقاء الذي جمعها برئيس الجمهورية، على “ضرورة تحصين الجزائر في ظل وضع عالمي تميزه التقلبات والأزمات المتزايدة”. وقالت إن “اللقاء كان فرصة للتطرق إلى الوضع الداخلي في البلاد من كل جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك الأوضاع في محيطنا الأفريقي وكيفية تحصين الجزائر وتمكينها من المقاومة والصمود أمام هذا الوضع العالمي الذي تميزه التقلبات والأزمات المتزايدة”.
وشددت المتحدثة على أن “الجزائر مستهدفة بسبب مواقفها وتقاليدها وتاريخها ووضعها، ولذلك تطرح أهمية التفكير في كل الوسائل السياسية التي تصونها وتحميها من كل التحرشات الخارجية”. ولفتت إلى أن لقاءها مع رئيس الجمهورية سمح أيضا بالتطرق إلى “حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية وتعقيداتها على المستوى الإقليمي والجهوي وإسقاطاتها على المستوى الدولي”.
وكانت لويزة حنون قد انتقدت بشدة بعض الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من طرف حكومات الرئيس تبون، وانعكاساتها السلبية على الوضع المعيشي للجزائريين، خاصة مع انفجار موجة غلاء وندرة في المواد، كما أنها اعترضت على نوايا الحكومة لخصخصة بعض المؤسسات الحكومية.
ولم تتسن معرفة طروحات رئيسة حزب العمال التي قدمتها للرئيس الجزائري، خاصة في ما يتعلق بوضعية الحقوق والحريات، لاسيما وأن المرأة معروفة بدعمها لحرية التعبير والصحافة، واعترضت بشدة على أحكام إدارية وقضائية زجت بصحافيين في السجون وأغلقت مؤسسات إعلامية، كما هو الشأن بالنسبة لوضعية الإعلامي إحسان القاضي، المحكوم عليه بسبع سنوات سجنا منها خمس سنوات نافذة، كما تم تشميع مؤسسته الناشرة لراديو أم الإلكتروني وموقع مغرب ايمارجونت.
وسبق للويزة حنون أن حذرت في عدة بيانات لحزب العمال من “إفراط السلطة في سياسة التضييق وقمع الحريات وملاحقة الناشطين والمناضلين المعارضين لها، باعتبار المسألة مدخلا للتدخل الأجنبي وتحرش المنظمات الدولية بالبلاد”، في إشارة إلى تحول البلاد إلى هدف لمناظير الهيئات الحقوقية الدولية التي تسلط نشاطها على الوضع الداخلي وتوظيفه لأجندات وأغراض مبيتة.
◙ لويزة حنون، رئيسة حزب العمال، سبق أن حذرت من إفراط السلطة في سياسة التضييق وقمع الحريات وملاحقة الناشطين
وتراجع أداء الطبقة السياسية والحزبية الجزائرية في السنوات الأخيرة بشكل لافت، تحت ضغط تضييق السلطات الرسمية، وظهور توجهات لديها تتجاهل دور الفواعل السياسية في تأطير وهيكلة المجتمع، مقابل الذهاب إلى شراكة مع المجتمع المدني، وهو ما أفرز طبقة من المنظمات والجمعيات تتماهى في المطلق مع توجهات السلطة، بينما جرى حل جمعيات وأحزاب تحت يافطة المطابقة مع القوانين الناظمة، بينما السبب الرئيسي هو مواقفها المناهضة لها، بحسب قادتها وزعاماتها كما هو الشأن بالنسبة لجمعية “راج”.
ويبدو أن السلطة تريد تصحيح الصورة التي شكلها المجتمع الأممي حول وضعية الحريات والحقوق السياسية والإعلامية في البلاد، خاصة بعد الزيارة التي أدتها المقررة ماري لولر، والتي عبرت عن “خيبتها” مما عاينته في الواقع وبينه وبين ما سمعته من ممثلي السلطة، كما صرحت لصحيفة “لوموند” الفرنسية بأن “الهوة واسعة في الجزائر بين ما يردده خطاب السلطة وبين ما هو واقع”.
ولذلك سارعت وزارة الخارجية إلى إطلاق “رسائل إيجابية ” للمجتمع الدولي، بالتعبير عن “الاستعداد للتكيف مع متطلبات ونصوص المبادئ العالمية”، حسب البيان الذي أعقب الزيارة، ثم جاءت دعوة زعيمة حزب اليسار إلى قصر المرادية، باعتبارها الشخصية السياسية الأكثر جرأة في طرح وتبني المطالب والأفكار التي رفعها المعارضون في الحراك الشعبي.
استقبال حنون في رئاسة الجمهورية بعد سنوات من القطيعة بين السلطة والحزب، يعتبر جرعة زائدة في التعبير عن نية في الانفتاح على المجتمع السياسي، ويأتي عاما قبل الانتخابات الرئاسية التي ينوي الرئيس تبون خوضها بأريحية كبيرة، وربما قد يكون اللقاء فرصة لجس النبض وحتى البحث عن "أرانب" سباق، لشرعنة فوز محسوم بولاية رئاسية ثانية.