لودريان يستكشف في لبنان حل أزمة الشغور الرئاسي

بيروت - استأنف جان إيف لودريان، المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الخميس، جولاته على المسؤولين اللبنانيين، في إطار المسعى الذي تقوده باريس لإيجاد حل توافقي لأزمة شغور المقعد الرئاسي في لبنان، المستمر منذ نحو 8 أشهر.
واستهل لودريان اجتماعاته اليوم الخميس بلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قبل أن يتوجّه إلى بكركي حيث التقى البطريرك الماروني بشارة الراعي، على أن يُكمل لاحقا جولته على رؤساء الكتل النيابية وشخصيات معنية بالشأن الرئاسي، وسط تكتم فرنسي حول جدول برنامج الزيارة.
واستقبل ميقاتي لودريان في السرايا الحكومي، حيث أكد الموفد الفرنسي "أن الهدف من زيارته الأولى للبنان استطلاع الوضع سعياً للمساعدة في إيجاد الحلول للأزمة التي يمر بها لبنان والبحث مع مختلف الأطراف في كيفية إنجاز الحل المنشود".
وشدد ميقاتي من جهته على "أن المدخل إلى الحل يكمن في انتخاب رئيس جديد". وأشار إلى "أن الحكومة أنجزت المشاريع الإصلاحية المطلوبة ووقعت الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي، وإقرار هذه المشاريع في مجلس النواب يعطي دفعاً للحلول الاقتصادية والاجتماعية المرجوة".
ومن السرايا الحكومي توجّه المبعوث الفرنسي إلى الصرح البطريركي في بكركي، حيث التقى الراعي وقال بعد اللقاء "أتيت للقاء البطريرك الراعي لبحث الوضع في لبنان، وتبادلنا القلق من الانسداد السياسي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تطال كل اللبنانيين، وقد شرحت له طبيعة مهمتي".
وأضاف "تعلمون قصتي مع لبنان الذي زرته مرات عدة، ولهذا السبب تمنى الرئيس الفرنسي أن أقوم بمهمة تشاور واستماع للمساعدة في إخراج لبنان من الأزمة السياسية التي يمر بها".
وتابع "هذه زيارتي الأولى وستستتبع بزيارات أخرى، لمواكبة إرادة اللبنانيين في الخروج من الأزمة التي لا تلحق الضرر بالشعب اللبناني فقط ولكن أيضاً بصورة لبنان".
وأشار إلى أنه وضع الراعي في أجواء زيارته لبنان والهدف منها، وأهمية مهمته، مشدداً على وجوب الإسراع في الخروج من الأزمة السياسية التي تمسّ كل اللبنانيين ولها انعكاساتها اقتصادياً واجتماعياً.
وأعرب عن أمله في أن "يلتقي اللبنانيون بعضهم مع بعض لأن الحلّ يأتي أولا من اللبنانيين، وفرنسا ستكون جاهزة لتقديم الدعم لهم".
وأوضح أن الرئيس الفرنسي يريد "تحريك كل الجهود لإخراج لبنان من أزمته، وقد اختارني لإجراء الاستشارات اللازمة مع كل القوى للخروج مباشرةً من الأزمة السياسية ووضع أجندة إصلاحات تعيد الأمل للبلاد".
من جهته، أكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" (من القوى المعارضة لحزب الله)، سمير جعجع، بعد لقائه لودريان، أن الموفد الفرنسي يقوم بجولة استطلاعية، وقام بطرح العديد من الأسئلة حول نتائج الجلسة الانتخابية الأخيرة وسابقاتها، وما يطرح من اقتراحات وحلول، وغيرها من الأمور.
وشدد جعجع على أن "ملف الرئاسة لا يحتاج إلى تدخّل دولي، بل بحاجة إلى 128 نائباً ينزلون إلى الجلسة وينتخبون رئيساً"، لافتاً "نحن على جهوزية للاتفاق على مرشح، لكن ليس وفق الطريقة القائمة حاليا، خصوصاً مع تمسك محور الممانعة بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية".
ووصل لودريان إلى لبنان الأربعاء مبعوثاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة تستمر ثلاثة أيام، وبدأ لقاءاته في عين التينة حيث اجتمع برئيس مجلس النواب نبيه بري، حليف ميليشيات "حزب الله" الرئيسي. واكتفى بري بالقول إن"اللقاء كان صريحاً وجيداً" فيما لم يدلِ الضيف بأي تصريح.
ولم تكشف السفارة الفرنسية في بيروت عن جدول أعمال لودريان لكنها أوضحت أنها ستخلو من أي مؤتمر صحافي. ومن المتوقع أن يلتقي المبعوث الفرنسي خلال جولته عدداً من المسؤولين السياسيين، بمن فيهم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وعدد من رؤساء الكتل ونواب مستقلين.
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن لودريان سيعد تقريراً بخلاصات زيارته يرفعه إلى قصر الإليزيه وإلى اللجنة الدولية الخماسية التي تتابع شؤون لبنان، وتضمّ كلاً من فرنسا والولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر، والتي قد تعقد اجتماعاً قريباً.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدّة بين فريق ميليشيات "حزب الله" وخصومه. ولا يحظى أي فريق بأكثرية تمكّنه منفرداً من إيصال مرشحه إلى المنصب.
وبينما يبدو الملف اللبناني غائباً عن الاهتمام الدولي وحتى الإقليمي، تقود فرنسا، بلا جدوى، منذ أشهر حراكاً لتسريع انتخاب رئيس.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، بأن لودريان وصل إلى بيروت "في زيارة يجري خلالها لقاءات ومحادثات مع قيادات رسمية وحزبية وسياسية تتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية".
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن "لودريان لن يقدم حلولاً لكنه يسعى لأن يقوم بدور محفز" للوصول إلى حل للأزمة. ورجح مصدر مطلع على الملف اللبناني في باريس للوكالة، ألا تحقق زيارة لودريان خروقات. وقال "ليس لودريان من سيغير نظاماً سياسياً متصلباً وسياسيين فاسدين لا يرون سوى مصالحهم".
وزار لودريان لبنان مراراً حين كان وزيراً للخارجية في إطار جهود فرنسية لدعم لبنان على تجاوز أزماته.
وفي السابع من يونيو الجاري، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لودريان مبعوثاً خاصاً للبنان للمساعدة في إيجاد حل "توافقي وفعّال" للأزمات اللبنانية المتتالية، وآخرها الشغور في منصب الرئاسة.
ويدعم حزب الله وحليفته حركة أمل برئاسة بري وصول حليفهما القديم الوزير السابق سليمان فرنجية، إلى سدة الرئاسة. واتهم قادة أحزاب لبنانية مسيحية باريس في السابق بدعم ترشيح فرنجية مقابل وصول رئيس حكومة إصلاحي.
وترفض أحزاب مسيحية بارزة، على رأسها حزب القوات اللبنانية ولديه كتلة برلمانية مسيحية وازنة، والتيار الوطني الحر حليف حزب الله المسيحي الأبرز، وصول فرنجية.
ويتهم كل فريق الآخر بمحاولة فرض مرشحه وتعطيل انتخاب رئيس، فيما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية.
وحضر خلال جلسة الانتخاب الأخيرة قبل أسبوع أعضاء المجلس النيابي كافة، لكن دورة التصويت الأولى لم تثمر في انتخاب رئيس مع حصول فرنجية على 51 صوتاً والوزير السابق جهاد أزعور، المدعوم من كتل وازنة بينها "القوات" و"التيار الوطني الحر"، على 59 صوتاً.
ومع بدء احتساب الأصوات، انسحب عدد من النواب على رأسهم كتلتا "حزب الله" و"حركة أمل" ليطيحوا بنصاب الدورة الثانية، في سياسة اتبعوها خلال الجلسات الماضية.
ويتهم كل فريق الآخر بمحاولة فرض مرشحه وبتعطيل انتخاب رئيس فيما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية.
ويدعو "حزب الله" إلى حوار يؤدي إلى توافق على رئيس، مؤكداً إصراره على دعم فرنجية الذي أكد أنه سيكون "رئيساً لكل اللبنانيين" على رغم تحالفه معه وصداقته مع الأسد. ووجه الأسبوع الماضي انتقادات لاذعة إلى معارضي ترشيحه، الذين يصفونه بأنه "مرشّح الممانعة" في إشارة إلى "حزب الله". وقال في كلمة، "أذكرّهم في 2016 دعموا مرشّح الممانعة الرئيس ميشال عون".
وفي عام 2016، انتُخب عون رئيساً بعد عامين ونصف العام من شغور رئاسي واستناداً إلى تسوية سياسية بين الحزب وخصومه.
واعتبر رئيس التحرير في مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، مايكل يونغ في حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية "، أن زيارة لودريان إلى بيروت استطلاعية ولا ينتظر منها الوصول إلى حل.
وأكد يونغ، أن الأهم في المرحلة الحالية هو بدء عملية المفاوضات، مشيرًا إلى أن هدف الزيارة "قد يكون وضع آلية لتتمكن الأحزاب من تبادل العروض والطلبات".
ووفقًا ليونغ، فقد يسعى لورديان إلى التوصل لصفقة شاملة، لا تتضمن فقط الرئيس بل أيضًا رئيس الحكومة، وحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، اللذين تنتهي ولايتهما قريبًا.
ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد لبنان منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850، ويشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي لبيروت.