لوحة الحياة وتكامل الفنون
تتكامل الفنون في ما بينها، وتتداخل بطريقة لافتة في نتاجات الفنانين والأدباء، بحيث تظهر آثار الرسم في الكتابة، أو تأثيرات الموسيقى في الرسم، أو العكس، وكثيرا ما نجد فنّانين يجمعون بين الريشة والقلم، وبين العزف والإبداع، أو بين أجناس وفنون مختلفة، لكأنّ دورة الفنون تبلغ ذروتها عبر تبادل الجماليات والإبداعات بين الفنون في ذات الفنّان وعمله.
كثير من الرسامين بدؤوا بالرسم وانطلقوا إلى الشعر والكتابة والفكر، وكذلك عدد من الأدباء تمنّوا أن يكونوا رسّامين، وسعوا إلى ذلك، ونشروا لوحاتهم. إن اختلفت المستويات بين الأعمال الإبداعية، إلا أنها ظلت ملتقية في جوهر الفنّ، والرسالة المنشودة، فضلا عن أنّ الأمر لم يخل في بعض الأحيان من أوهام مصاحبة، لا تعكّر صفو الفنّ ولا صفاء الأدب.
من هؤلاء الذين زاوجوا بين أكثر من جنس إبداعيّ يحضر اسم الهندي رابندرانات طاغور (1861-1941)، (نوبل 1913)، الذي يعدّ واحدا من أولئك الذين جمعوا ألق الفنون في أعمالهم، فبالإضافة إلى أعماله الأدبية في الشعر والرواية والمسرح، جدّد في الموسيقى، وله أكثر من ألفي أغنية، والنشيد الوطنيّ للهند وبنغلاديش من قصائده. كما توجّه إلى الرسم وهو في الستين من عمره، وأقام عددا من المعارض.
الفرنسي فيكتور هوغو(1802-1885) بدوره يعتبر أحد أبرز الأدباء الذين مزجوا بين الأجناس الأدبية وأبدعوا في أكثر من جنس، فقد احترف التخطيط والرسم وأبدع فيهما، فضلا عن إبداعاته الأدبية ذات التأثير العالميّ، وهو يعتبر من بين الأدباء الكبار الذين شكّلت أعمالهم زادا للفن السابع، إذ لا تزال تنهل منها السينما بين الفترة والأخرى، وتستعين بحياته بالإضافة إلى أعماله لتؤفلم مراحل منها.
الفرنسيّ الآخر جان ماري غوستاف لوكليزيو (1940)، (نوبل 2008)، أيضا لا يخفي رغبته في أن يكون رسام الأشرطة المصورة. يقول: “إن هذا ما كان يعجبني في الحقيقة. لأنّ في الشريط المصوّر يوجد الأدب، الكلمات”. ويجد أنه يمكنك أن تقول أشياء بشكل جيد في تلك الدوائر المرسومة. إضافة إلى وجود الرسم، الذي يسمح لك بالهروب إلى الكلمات كلما رغبت في ذلك. يصف ذلك بأنّه انصهار حقيقيّ. ويعتقد أنّ الفنون التي تحقّق انصهارا بين عنصرين أو ثلاثة هي فنون مكتملة.
لاشكّ أنّ هناك أعدادا كبيرة من المبدعين في كل اللغات والثقافات، يصعب حصر أسمائهم، أثروا عالم الفنّ والأدب، وساهموا في إثراء لوحة الحياة بإبداعاتهم ونتاجاتهم في مختلف المجالات، وهي مساهمات إبداعية للارتقاء بوعي الإنسان وتذوقه الفنّيّ، ودفعه إلى حبّ الحياة، التي هي بوتقة الجماليات والمآسي معا، ومنطلق الفنون ومنتهاها في الوقت نفسه.
كاتب من سوريا