لوحات رواد التشكيل العراقي تثير اهتمام المزوّرين وطمعهم

"الموت للاستعمار" بدرجاتها الغامقة التي تتراوح بين الرمادي والأزرق تعد إحدى جواهر الفن العراقي.
الجمعة 2023/06/30
أعمال لا يمكن التأكد من أصالتها

بغداد - في المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد تعتبر "الموت للاستعمار" إحدى اللوحات النادرة الأصلية لشاكر حسن آل سعيد والتي نجت من الفوضى حين اندلعت في العراق عام 2003 مع الغزو الأميركي، وكانت فرصة لتعزيز أعمال التقليد والاتجار غير الشرعي بلوحات منهوبة.

وتُعدّ "الموت للاستعمار"، بدرجاتها الغامقة التي تتراوح بين الرمادي والأزرق، إحدى جواهر الفن العراقي. وتشهد هذه اللوحة التي أُنجِزت في سبعينات القرن الماضي على هذه العقود المزدهرة للفنون التشكيلية العراقية، عندما كان شاكر حسن آل سعيد مع جواد سليم ومجموعة أخرى من الفنانين يعملون ضمن مجموعة بغداد للفن الحديث.

تشرح الكاتبة تمارا الجلبي مديرة مؤسسة رؤيا للفن المعاصر إلى أن "لأعمال شاكر حسن آل سعيد أهمية كبيرة بالنسبة إلى الفن العراقي الحديث وحتى بالنسبة إلى الفن الشرق أوسطي".

سلطان سعود القاسمي: نتاج المزادات حافز لصنع أعمال مزورة بحرفية أعلى
سلطان سعود القاسمي: نتاج المزادات حافز لصنع أعمال مزورة بحرفية أعلى

وفي غرف المزاد، تصل أحيانا لوحات الرسام الذي توفي عام 2004 إلى 100 ألف دولار. وقال نجله محمود شاكر حسن آل سعيد إن عائلته، حرصا منها على حماية تراثه، أدرجت "أرشيفاته كاملة" - نحو ثلاثة آلاف عمل إجمالا - وهي بصدد إصدار كتالوغ جديد بالتعاون مع مؤسسة حسنين الإبراهيمي في عمان. وهذه الخطوة تعتبر "حصانة" ضد محاولات التزييف، على حد قوله.

ويقول الطبيب الذي يعيش في العاصمة بغداد “بعد 2003 حصلت فوضى في العراق على الصعد كافة، وطالت الفنون طبعا". وهذه الظروف أتاحت الفرصة "لبعض النفوس الضعيفة لمحاولة تقليد الأعمال والإفادة منها ماديا".

ويؤكد الطبيب الخمسيني الذي يتواصل بشكل دائم مع دور المزادات والمعارض الدولية "لقد أوقفنا الكثير من محاولات بيع أعمال مزورة". ويضيف "رصدنا في الآونة الأخيرة عملا مزورا في إحدى قاعات العرض في بغداد". وتواصل محمود شاكر حسن آل سعيد مع المعرض عبر شبكات التواصل الاجتماعي لمطالبته بإزالة اللوحة، ولكن دون جدوى.

وأولى ضحايا الاتجار والتزوير هي أعمال رواد الفن العراقي الحديث التي تعود إلى أربعينات القرن العشرين وخمسيناته وستيناته والتي اختفت مع سرقة الآلاف من القطع من المتاحف والمؤسسات العراقية عام 2003.

وفي مجال فني صغير حيث يعرف الجميع بعضهم بعضا، تبدو أفضل طريقة لتجنب عمليات الاحتيال هي التواصل مع عائلة الفنانين أو أصدقائهم، أو حتى الفنان نفسه إذا كان مازال على قيد الحياة، أو مع الأكاديميين والخبراء، للتأكد من أصالة اللوحات. ويقول سلطان سعود القاسمي، جامع التحف في الإمارات العربية المتحدة، إن "الفن العراقي الحديث أو المعاصر، من أهم مصادر الإنتاج الفني في الوطن العربي".

◙ أعمال تشد الزائرين زالمهتمين بالآثار الفنية العراقية
◙ أعمال تشد الزائرين زالمهتمين بالآثار الفنية العراقية 

وتعتبر الأعمال العراقية من حيث ثمنها من ضمن "المرتبات العشر للأعمال الأعلى ثمنا في المنطقة"، على ما يؤكد مؤسس مؤسسة بارجيل للفنون، وهو متحف في الشارقة يعرض فيه أكثر من ألف عمل من العالم العربي.

ويقول إن "بعض الأعمال الفنية العراقية تباع اليوم بمئات الآلاف من الدولارات" مستشهدا بأعمال كاظم حيدر أو ضياء العزاوي. ويضيف "المقلدون يلاحظون نتائج المزادات، إنه حافز لصنع أعمال مزوّرة بحرفية أعلى وأعلى".

ويظهر لغز المصادقة والمطابقة في جميع أنحاء المنطقة - في مصر ولبنان وسوريا مثلا وفي بعض الأحيان من الصعب التأكد مئة في المئة من أصالة لوحة - لكن "المشكلة حادة بشكل خاص في العراق، بسبب حزمة التحديات: هجرة الفنانين، الحروب المتتالية"، وفق ما يقول سلطان سعود القاسمي.

ولا يزال المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد التابع لوزارة الثقافة يبحث اليوم عن أعمال مسروقة بحسب المدير السابق للمؤسسة علي الدليمي المتقاعد حديثا. ويقول الدليمي "قبل عام 2003 كان لدينا ثمانية آلاف عمل واليوم يوجد نحو ألفَان منها". ويضيف أن المتحف اقتنى بعد الغزو الأميركي "أعمالا فنية جديدة وأعمالا مفقودة أعيدت" إليه.

◙ أولى ضحايا الاتجار والتزوير هي أعمال رواد الفن العراقي الحديث التي تعود إلى أربعينات القرن العشرين وخمسيناته وستيناته

إلّا أن التحديات ما زالت كثيرة. فقبل 2003 "لم تكن لدينا تقنية في حفظ الأعمال، كان التوثيق كتابياً فقط، ولذلك لا نستطيع حاليا أن نطالب بتلك الأعمال لأنها غير موثقة لدينا".

وفي عام 2017، وبسبب "خلاف حول الملكية"، أعلنت دار كريستيز أنها ستسحب من المزاد في دبي لوحة رسمها فائق حسن عام 1968. لكن رغم ذلك لم تتم إعادة اللوحة إلى العراق. وحينها أوضحت نائبة عراقية أن هذه اللوحة ربما عرضت في نادٍ تابع لوزارة الدفاع قبل تهريبها إلى الخارج.

ويطالب الناقد الفني صلاح عباس المؤسسة الحكومية الثقافية باللجوء إلى قضاة وقانونيين لسنّ القوانين لمواجهة ظاهرة تقليد الأعمال الفنية وتزويرها. ويقول “في العراق نعيش صخب السياسة، لا توجد أي حماية للعمل الفني، مما حجب سنّ قانون يحدّ من ظاهرة التزوير".

وفي معرضه الأنيق يأسف حيدر هاشم ناجي من "كثرة تزوير الأعمال الفنية"، ملاحظا أن هذه المسألة "أثرت سلبا على سمعة الفن العراقي". ويؤكد صاحب المعرض البالغ 54 عاما أن “المزورين يختارون أحيانا عملا قديما ويرسمون عليه، أي أن الخشبة مثلاً تكون قديمة، والقماش أيضا".

وعُرض على حيدر هاشم ناجي أخيرا أن يعرض لوحة منسوبة إلى الرسام المشهور المتأثر بالتكعيب حافظ الدروبي، كان صاحبها يأمل في بيعها بـ40 ألف دولار، لكنّ صاحب المعرض رفض بكل دبلوماسية من دون الإفصاح عن الأسباب الحقيقية. ويروي "بصراحة" أنه كان "عملا مزورا بتقنية عالية"، مشيرا إلى أنه "اعتذر عن عدم تسلّمه".

◙ نسيج إبداعي فريد
◙ نسيج إبداعي فريد 

15