لوحات السوري حميد نوفل ذاكرة للأشياء والأمكنة

دمشق - يمتلك الفنان التشكيلي السوري حميد نوفل تجربة فنية غنية تمتد لأكثر من ربع قرن من الزمن مع غزارة في الإنتاج الفني، وتنوع في الأساليب والتقنيات المستخدمة في لوحاته الفنية.
فمنذ العام 1995، يسجل الفنان التشكيلي حضوره إن كان فرديا أو ضمن مشاركات جماعية، ما مكنه من صقل موهبته وتطويرها والتعرف على مواهب الآخرين وتجاربهم والمدارس الفنية المختلفة التي جعلت منه اسما مميزا في التشكيل السوري له أسلوبه الخاص الذي يتمسك فيه بهويته محافظا على التجريب والابتكار.
ويستخدم التشكيلي نوفل اللون بالأسلوب الحداثي وبتقنية عالية، وتوحي ألوانه في بعض الأعمال بالبعد الثالث وبأعمال أخرى نلاحظها ثنائية البعد دون أيّ تكلف، فيما يحضر الخط المحدد للتكوين في بعض أعماله بشكل واضح، ويذكرنا بالجدران الحجرية الفاصلة بين الحقول في محافظة السويداء.
وتتميز أعماله أيضا بالتوازن بالرغم من عفويتها مع خروج التكوين من شكله الجامد الصرف ضمن معايير جمالية، ورغم اقتراب لوحاته من التجريد والسيريالية والتعبيرية لكنها تنحو نحو العمل الفني الحديث الذي يعتمد على كسر القواعد الموجودة.
وتتسم مجموعة من أعماله التي حملت اسم “ذاكرة الأشياء” باستخدام العناصر المنسية في رفوف الذكريات ودفاتر الزمن، ونلاحظ فيها الحالات الإنسانية والوجوه وكأنها تروي لنا حكاية متكاملة العناصر، إضافة إلى سعة ملاحظة الفنان لتأثير الزمن وامتلاكه زمام أمور العمل الفني بكل جوانبه، واستخدام الألوان المتضادة وكأن أحدها يزيل الغبار عن الآخر.
ويشير التشكيلي نوفل إلى أن الإحساس بالأشياء المحيطة وإعطاءها حياة أخرى بالفن يخدم الحالة الحسية والتشكيلية المضافة للمساحة واللون والخط.
كما أن للمكان أثرا كبيرا في تكوين هوية الفنان نوفل، ويعزز في داخله الانتماء للبيئة التي كان لها النصيب الأكبر في حياته، حيث تنتمي لوحاته بمختلف عناصرها لبيئة لونية من روح المكان المعاش.
ويبين نوفل أن تنوع الأساليب والتقنيات في لوحاته مرتبط ارتباطا وثيقا بالتغيرات التي تطرأ على شكله الخاص مع مرور الزمن، لافتاً إلى أن التنوع هو نضج في اللغة الفنية ومفردات العمل، حيث يعتبر أن العمل التشكيلي هو أثر صاحبه في الحياة وركيزته الأساسية التقنية والإخراج، أما اللوحة فهي أرض خصبة قابلة للزراعة في كل المواسم، وحالة الإشباع لدى الفنان لا تنتهي.
أما استخدام لونين في بعض اللوحات “أبيض وأسود” فهو ثنائية الحياة، كما يراها نوفل بين الخير والشر والحقيقة والخيال والنور والظلام، وتولد التأثير المتبادل بينهما، مبيناً أن اللونين يخلقان حوارية بينهما وبين الفنان الذي هو حالم بطبعه وبخياله يخاطب عالم الغيب الذي يتوقعه أجمل.
ويرى الفنان أن العمل التشكيلي يمكنه توثيق واقع المجتمع إن تحلى صاحبه بالجدية وحمل مسؤولية إزاء المكان الذي ينتمي إليه، ورغم حالة السوق الفنية الضعيفة نوعا ما إلا أن حميد نوفل على قناعة دائمة أنه لا يمكن أن يغيّر من توجهه الفني أو من هوية لوحته للتمكن من تسويقها.
وفي عدد من معارضه السابقة، حاول الفنان أن يخرج اللوحة من شكلها النمطي المحصور بمستطيل أو مربع أو أي شكل هندسيّ، فصار لها أكثر من بُعد وزاوية وكأنها تخترق الفضاء من كلّ الاتجاهات والتي ينظر إليها كقرية مترامية الأطراف وتضاريسها عشوائية، ولكنها تحمل صبغة واحدة من حيث بيئة اللون الموجودة فيها والكولاجات على سطحها والمرتبطة بالبيئة السورية التي وظفها نوفل بشكل حداثي يحاكي الواقع الراهن.
بدوره أوضح رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين بالسويداء الفنان التشكيلي حمد عزام أن تجربة التشكيلي نوفل تتسم بالبحث الدائم في ثنايا الحياة والأفق الواسع والمشاهدات الغزيرة والتحرير المدروس للعناصر، بعيدا عن النقل التسجيلي مع البحث في مكنوناتها وماورائيات الأشياء، وتجسيدا للأعمال الفنية غير المتوقعة من كل المشاهد اليومية والحالات الحسية.
ويلفت عزام إلى أن التشكيلي نوفل يترك للمتلقّي فسحة من الخيال ليعيشها مع العمل، ويسقط تجربته الحياتية عليها، وكأن اللوحة تمس كل من يراها أو تتكلم عنه، مشيرا إلى أن الخروج عن المألوف يعد أبرز سمات الأعمال الفنية للفنان السوري حميد نوفل.
وأقام الفنان نوفل عددا من المعارض الفردية بين عامي 1995 و2010 في المراكز الثقافية في السويداء ودمشق وبالمركز الثقافي الروسي بدمشق وبصالة المعارض في دار الأوبرا، إضافة إلى مشاركته في عدد من المعارض الجماعية داخل سوريا وخارجها.
الجدير بالذكره أن الفنان التشكيلي حميد نوفل من مواليد محافظة السويداء عام 1965، وخريج مركز الفنون التشكيلية بالسويداء عام 1997، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين، ومدير تجمع شهبا التشكيلي، وهو مصمّم شعارات عدّة لعدد من المهرجان المحلية. صمم شعار مهرجان شهبا السياحي عام 2004، وأشرف على جناح المعرض فيه، وصمم شعار فريق “نفس” الثقافي، وشعار فعالية “رضيمة اللوا.. ثقافة وتميز” عام 2017، ولوحات أغلفة لعدد من الكتب في الرواية والقصة وشعر“.