لوحات التونسي حمادي بن سعد رمزية تؤرخ لرحلة الروح

"رحلة الروح" معرض تشكيلي يقدم للزوار 15 لوحة مستلهمة من التاريخ والجغرافيا.
السبت 2022/04/16
شخوص تبحث عن ذواتها

تونس - يحاول الفنان التشكيلي التونسي حمادي بن سعد في معرضه الفردي الجديد الذي يأتي تحت عنوان “رحلة الروح”، تقديم عدد من أعماله التشكيلية الموغلة في الرمزية والتي يستلهم مواضيعها وسياقاتها من التاريخ والجغرافيا، ليعبّر من خلالها وبطريقته المميزة عن جوانب كثيرة من سيرته الفنية.

ويستمر المعرض التشكيلي حتى الثالث من يونيو المقبل، بأحد أروقة العرض في العاصمة التونسية، ويقدم للزوار 15 لوحة ذات حجم كبير يغلب عليها اللونان الأبيض والأسود في مزيج متناسق يركز على الحركة وعملية التغيير اللتين يقوم عليهما الوجود البشري، في حين تنتشر كتلة زرقاء أو بنية داكنة لتشغل الخلفية البيضاء لكامل اللوحات تقريبا.

ومن بين لوحاته المخصصة لهذا المعرض اختار بن سعد إحدى شخصياته المتمردة لتكون صورة للملصق الخاص بالمعرض، ومنها يطلعنا على أحد تخيلاته التشكيلية لشخص ذي أرجل قصيرة يمشي باستمرار متأبطا رزمة من الورق، وهي صورة تشبه كثيرا حياة هذا الرسام العصامي التكوين وكثير الحركة الفنية، ومن خلال تكثيف استعمال الخطوط المستقيمة والمتوازية يخيّل لمن يتأمل هذه اللوحة أن الشخصية تتحرك بسرعة.

"رحلة الروح" أعمال تشكيلية لحمادي بن سعد موغلة في الرمزية، يستلهم مواضيعها من التاريخ والجغرافيا

وفي الأعمال المعروضة في هذا الرواق تتداخل الخطوط النادرة وتزيد من إبراز الحركة وتجعلها أكثر حيوية؛ ما يجعل منها استعارة معبّرة عن السيرة الذاتية لحياة هذا الفنان البالغ من العمر 74 سنة، والذي يقول إنّ أعماله الفنية تمثل متنفسا له للتعبير عن ذاته وما يختلج فيها من أحاسيس.

وترتكز لوحات الفنان التشكيلي حمادي بن سعد على شظايا مربعة ومستطيلات من ورق الكرتون المعاد تدويره فيلتصق ببعضه البعض في خليط يتخذه الفنان منطلقا لعرض إبداعاته.

وفي تجربته التشكيلية يقذف بنا الفنان مباشرة في بحر المساحات اللونية العملاقة وتموجاتها النافرة على سطح اللوحة، في إيهام بصري محبك حتى نخالنا نصدق افتراض الوجود الحقيقي لموجات متراكمة ومتدافعة، لتجدنا غارقين في متعة المادة اللونية وإبهارها.

ويقوم حمادي بن سعد في مجمل أعماله التشكيلية بجمع قطع من الورق، وتركيبها وتجميعها ثم لصقها بألوان الأكريليك في عملية متسلسلة تخرج عن أي نهج فني كلاسيكي. فهو، وباستخدام عصي الباستيل، يقوم بتشويه الورق عن طريق عمل تفقيسات في إيماءة نشطة مستمرة، تغطي الأسطح البيضاء ذهاباً وإياباً، معتمدة على قوة اليد نفسها التي ترشدها طاقة الجسم.

ويمكن القول إن معرض “رحلة الروح” صورة مصغرة عن الإنسان والفنان حمادي بن سعد الذي يقول دائما إن الفن متنفس يعبّر من خلاله عن ذاته.

وتعبّر اللوحات وألوانها المتراكمة عن تراكم العقبات التي اعترضت هذا الفنان والشخصيات التي التقاها في حياته أو التي قرأ عنها، لاسيما قراءاته عن الإنسان في العصور الغابرة.

وتأثر الفنان التشكيلي حمادي بن سعد أيضا بزياراته إلى كهوف العصر الحجري الحديث وبما تركه الأوائل منذ 6000 عام كرسومات على جدران الكهوف، وهذه الشخصيات العملاقة تردد صدى ذكريات الرسام الذي يحبذ الاشتغال على لوحات كبيرة الشكل تحاكي طبيعة المواضيع التي يشتغل عليها وحجم الكائنات التي يصورها.

عمل فريد
عمل فريد

ويقول منظمو المعرض إنّ “هذه الأعمال الفنية هي لوحات جامعة بين آثار العصر البدائي والبعد الكوني، وهي تستحق أن تُدرج في المتاحف الكبرى في العالم، مثل متحف تيت مودرن في لندن ومتحف الفن المعاصر في طوكيو، لأنّ الأرضية مواتية لذلك؛ ففي الرابعة والسبعين من عمره وبعد هذه الرحلة، فإن الفن الذي يكرس حمادي بن سعد نفسه له، له سحر جعله يسافر ألف قدم من هنا”.

وحمادي بن سعد فنان تشكيلي، عصامي التكوين، ولد في تونس العاصمة عام 1948، وعمل في بداية حياته معلما ثم أصبح ناشطا في نوادي الفنون التشكيلية الموجهة للأطفال، وقد بدأ يعرض أعماله منذ عام 1975، ونظّم منذ ذلك الحين عدّة معارض شخصية في تونس.

وشارك الفنان العصامي في العديد من المعارض الجماعية في تونس، ومن بينها المعرض السنوي لجماعة “مدرسة تونس في الرسم”، كما عرض رسومه في عدة دول أوروبية، من بينها فرنسا وإيطاليا وسويسرا والدنمارك، وعرف بأعماله ذات الحجم الكبير. وآخر معارضه كان بعنوان “عودة” الذي نُظّم بين شهري أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي في تونس.

15