لن تصل الفتاة إلى بيت الجيران

بظرف وخبث وحسرة يشير العراقيون إلى جارة بلادهم الأرجنتين. ولأن الجار قبل الدار غنت فيروز “نحنا والقمر جيران”.

أما أن تكون بنت الجيران هي القمر المقصود فإن تلك مشكلة وجودية يمكن أن تُحل حين يغير العاشق سكنه فيرتاح ويُريح. سيبقى القمر في مكانه من غير أن تزعجه نظرات غير مرغوبة.

حين هبط الإنسان لأول مرة على سطح القمر عام 1969 ابتسم الكثيرون واعتبروها كذبة ضمن كذبة أكبر هي “حرب النجوم”.

تأسف الرومانسيون يومها لأن العلم كشف حقيقة القمر وحوله إلى صخرة صامتة من غير ماء كما لو أن المرء يكتشف أن جارتهم التي أحبها منذ أربعين سنة كانت خرساء.

ومع أن الذهاب إلى القمر صار أمرا عاديا فهو لم يعد حكرا على رواد الفضاء بل صار في إمكان المسافرين العاديين أن يصلوا إليه في رحلات تجارية خاصة بالأثرياء فإن هناك مَن لا يزال يشكك بوقوع الحادثة أصلا.

من أجل أن تكون فائزة أحمد صادقة وهي تغني “يما القمر عالباب/ نور قناديله/ يما أرد اباب/ ولا أناديلو” علينا ألا نصدق ناسا وعميلها السري أرمسترونغ الذي وضع علما لا يرفرف على سطح قمر وهمي.

لم يكن القمر دائما في مكانه فهو يقترب ويبتعد حسب الحاجة إليه. يومها كان الاتحاد السوفييتي بكل خبراته في الجاسوسية على يقين من أنه صار هدفا لصواريخ قد تنطلق من الكواكب القريبة وقد يكون القمر قد تحول إلى قاعدة عسكرية أميركية. كان القمر يُخيف الروس وهو ما جعلهم ينفقون أموالا طائلة عبثا.

في الوقت نفسه كان نزار قباني وهو شاعر المرأة كما كان الحداثويون يسمونه بتهكم كلما مد يده إلى جيبه يُخرج قمرا يقدمه لأول امرأة يلتقيها في الشارع.

كان القمر بالنسبة إليه أشبه بالزهرة التي حين يتخلى عنها يعده الحقل بأزهار سواها.

غير أن “خبز وحشيش وقمر” قصيدته السياسية وهي عنوان واحد من أكثر كتبه مبيعا لم تكن متفائلة “ويموتون إذا عاش القمر/ ما الذي يفعله قرص ضياء؟/ ببلادي. ببلاد الأنبياء” كتب قباني قصيدة هي أشبه بالمرثية وكان القمر شاهدا على ما يقول.

وإذا ما عدنا إلى العراقيين فهم يلفظون القمر بكاف مخففة بدلا من القاف وهم يسمون به أولادهم دون بناتهم فالقمر صبي وليس فتاة. وهي عادة اكتسبوها من الرغبة في أن يكون صبيهم جميلا ومشعا مثل قمر قبل أن تحل بهم لعنة الأرجنتين ليخيم النحس على فريقهم الكروي ولا تصل البنت الطالعة من بيت أبيها إلى بيت الجيران.