لم يبق للبنانيين إلا أن يشربوا من البحر

شح المياه يطرق أبواب المنازل بسبب فقدان الوقود وانقطاع الكهرباء.

الجمعة 2021/08/27
العطش آخر الأحكام الصادرة ضدنا

اللبنانيون يختنقون بأزمات تنكد عيشهم، فمع الأزمة الاقتصادية ونقص الوقود وانقطاع الكهرباء يوميا وانهيار العملة، يعانون اليوم من نقص مياه الشرب حتى أنهم صاروا يلجأون إلى البحر للاغتسال، وإذا ظل شح المياه على حاله فإن الملايين من اللبنانيين يصبحون مهددين في حياتهم.

بيروت - دخلت أزمة نقص مياه الشرب إلى رزمة ضغوط يعانيها لبنان منذ قرابة عامين، فيما يجري بحث تشكيل حكومة جديدة، قادرة على إدارة ملف أزمات متنوعة تبدأ بالسياسة ولا تنتهي بالقضايا الثانوية.

وعانت مناطق واسعة في البلاد مؤخرا من نقص مياه للشرب في المنشآت السكنية والتجارية، نتيجة ضعف إمدادات الطاقة اللازمة لتشغيل المضخات. ولأن الوقود المخصص لتوليد الطاقة شبه مفقود، بدأ شح المياه يطرق أبواب اللبنانيين الغارقين بأزمات معيشية غير مسبوقة.

ومنذ نحو عامين، يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، ويعاني منذ أشهر شحّا في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، لعجز المصرف المركزي عن توفير النقد الأجنبي اللازم لعمليات الاستيراد.

في الشهر الماضي، حذرت منظمة اليونيسف من أن أكثر من 71 في المئة من سكان لبنان قد لا يحصّلون المياه هذا الصيف.

وحذرت المديرة التنفيذية لليونيسف هنرييتا فور، من أنه إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، سيواجه أكثر من أربعة ملايين شخص في جميع أنحاء لبنان -معظمهم من الأطفال والعائلات الأكثر هشاشة-احتمال تعرضهم لنقص حاد في المياه أو انقطاعهم التام عن إمدادات المياه الصالحة للشرب في الأيام المقبلة.

الصورة
لا تسقنا الماء بذلة

وأشارت المسؤولة الأممية إلى أنه إذا أجبر أربعة ملايين شخص على اللجوء إلى مصادر غير آمنة ومكلفة للحصول على المياه، “فذلك سوف يعرّض الصحة والنظافة العامة للخطر، وقد يشهد لبنان زيادة في الأمراض المنقولة عبر المياه بالإضافة إلى زيادة في عدد حالات كورونا”.

وأضافت “أصبحت المرافق الحيوية مثل المستشفيات والمراكز الصحية محرومة من المياه الصالحة للشرب بسبب نقص الكهرباء، مما يعرض الأرواح للخطر”.

البحر هو أحد الخيارات التي لجأ إليها مواطنون للوصول إلى المياه والاستحمام، هذا ما يقوله المواطن سنجر (ستيني) وأحد سكان بيروت، والذي يعاني من انقطاع المياه عن منزله مثل الكثير من سكان العاصمة.

قال إنه اعتاد الأزمات في لبنان على مر العقود، لكن هذه المرة الوضع أصعب بكثير بسبب فقدان الوقود وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة. وأضاف “قد نلجأ إلى التيمم بدلا من الوضوء”، شاكيا بأن “المسؤولين لا يسألون عن المواطنين”.

أما المواطن ربيع كجك، فيقول إن المياه التي تؤمنها الدولة إلى مدينة بيروت شبه مقطوعة كليا، مضيفا “كيف يمكن العيش بهكذا ظروف؟.. قالوا إن المياه حياة، لكنها غير متوفرة لدينا”.

وما زاد الطين بلّة، أن صهاريج المياه الخاصة التي توصل المياه إلى خزانات المواطنين، لم تعد تلبي حاجات الناس كما كانت من قبل، وتتأخر عن موعدها، “وبدأنا نشعر بأنها تعاني نقصا في المياه”.

كما شكا كجك استغلال الأوضاع من قبل شركات المياه الخاصة، حيث ارتفع سعر المياه سعة خزان واحد (متر مكعب) من 25 ألفا إلى أكثر من 100 ألف ليرة (16.5 ـ 66.2 دولار وفق السعر الرسمي).

ولسد النقص في مياه الدولة، يلجأ اللبنانيون منذ سنوات إلى شراء المياه من صهاريج خاصة متنقلة، إلا أن أصحاب تلك الصهاريج يشكون مؤخرا عدم توفر المحروقات (بنزين ومازوت) لتشغيل آلياتهم والتنقل بها.

الصورة
شركات المياه الخاصة ترفع سعر المياه من 25 ألف ليرة للمتر المكعب إلى أكثر من 100 ألف ليرة

ورغم ارتفاع أسعار عبوات مياه الشرب التي تباع في المحلات والمتاجر بنحو 8 أضعاف عما كانت عليه قبل عامين، إلا أن معظمها بدأ يشهد نقصا في الكميات بسبب انخفاض الإنتاج مقابل ازدياد الطلب.

وقال سامي علوية مدير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، التابعة لوزارة الطاقة والمياه، إن هناك شبه انهيار في مؤسسات المياه، محذرا من تداعيات خطيرة إنسانيا وغذائيا وصحيا. وشرح علوية أن هذا الواقع سببه الأزمة الاقتصادية من جهة، وسوء الإدارة المزمن لقطاع المياه من جهة أخرى، فضلا عن توقف الجهات المانحة والمنظمات الدولية عن تقديم الدعم لهذا القطاع.

وأشار إلى أن الأزمة تمتد على 3 مستويات، الأول عجز مؤسسات المياه الرسمية عن ضخ المياه إلى المنازل، والثاني تعثر موزعي الصهاريج الخاصة في تأمين المياه البديلة، والثالث شح مياه الشرب، وهو الأخطر. وأضاف “أبعاد هذه الأزمة خطيرة جدا على المستوى الإنساني والأمن الغذائي والأمن الصحي، وتهدد حياة اللبنانيين، ومئات الآلاف من اللاجئين السوريين”.

أما سبل المعالجة، فإن ذلك يحتاج إلى تأمين فوري لإمدادات الوقود وتشغيل محطات الضخ، لكن علوية أشار في الوقت عينه إلى مخالفات وتعديات بحق مصادر وشبكات المياه، في ظل عدم تطبيق القوانين التي تحميها. ويشكل عدد اللاجئين من مختلف الجنسيات في لبنان نحو 40 في المئة من سكان البلاد، معظمهم سوريون وفلسطينيون.

وحذر علوية من أن أزمة المياه ستطول ري المزروعات وتهدد الأمن الغذائي، مشيرا إلى أنه في ظل شحها سيلجأ المزارعون إلى الأنهار الملوثة بالمياه الآسنة، ما يهدد الأمن الغذائي والصحي في البلاد. كما توقع المسؤول اللبناني أن تنهار المنظومات المخصصة لمعالجة وتكرير مياه الصرف الصحي، خلال أسابيع قليلة بسبب نقص الطاقة والصيانة وتوقفها عن التشغيل.

ومنذ عقود، يعاني نهر الليطاني الأطول والأكبر في لبنان (طوله 170 كلم) من تلوث حاد بمياه الصرف الصحي والصناعي، ما أفقده دوره كشريان حياة أساسي في البلاد لتأمين مياه الشرب والري وتوليد الكهرباء.

20