لماذا يغفل الرئيس التونسي الإعلام الوطني ويتحدث مع عبدالباري عطوان؟

قيس سعيد يخاطب الرأي العام المحلي والعربي من خلال الصحافي الفلسطيني.
الثلاثاء 2022/08/02
عطوان ينقل كلام الرئيس للرأي العام

تونس- حظي مقطع فيديو نشره الصحافي الفلسطيني، عبدالباري عطوان على قناته على يوتيوب كشف فيه عن لقاء جمعه يوم الخميس الماضي بالرئيس التونسي قيس سعيّد، باهتمام إعلامي واسع في تونس.

وتباينت آراء التونسيين بين من أثنى على الأسرار المهمة التي كشفها اللقاء وبين من وجه نقدا حادا إلى الرئيس التونسي باعتباره “يغلق بابه في وجه الإعلام الوطني فيما يختار صحافيا عربيا ليخبره بأسرار الدولة ويقدم له معلومات حصرية لأجل 10 دقائق يخصصها له على قناته”.

وقال عطوان إن “الحديث دار على انفراد دون حضور أي من مستشاري الرئيس لمدة قاربت ساعتين كشف فيها الرئيس العديد من الأسرار”.

وأكد في فيديو نشره على قناته على يوتيوب، أن سعيّد أبلغه بأن أحد رجال الأعمال حاول شراء ذمته وعرض عليه رشوة في لقاء جمعهما عقب توليه رئاسة الجمهورية، وكان رد الرئيس “لا أملك في جيبي سوى 40 دينارا، ولو ملأت الغرفة بأوراق من فئة 100 دولار، فلن آخذ منها ورقة واحدة”. كما نقل عطوان حديث الرئيس طيلة اللقاء، عن وجود “مؤامرة” تستهدف تونس، تقودها أطراف خارجية بالتعاون مع “أذيالها في تونس”، ووُظفت فيها إمبراطوريات إعلامية.

ونقل عطوان أن رئيس الدولة ينفي “كل الاتهامات الموجهة إليه بالاستبداد، مشيرا إلى أنه لم يغلق أي قناة تلفزية أو إذاعة أو صحيفة رغم كل الانتقادات التي طالته ووصلت أحيانا إلى السخرية”.

لكن ما فات الرئيس، وفق إعلاميين، أن ما يزعجُ وسائل الإعلام ليس تهديدات الغلق والمقاضاة… بل سياسة القصر الاستعلائية مع وسائل الإعلام المحلية وحرمانها من المعلومات. وانتقد الإعلاميون التونسيون اللقاء تحت شعار “ساعتين لصحافي عربي، 0 ساعة للصحافة التونسية”.

◙ الرئيس التونسي أخبر عبدالباري عطوان عن وجود مؤامرة تستهدف تونس، وظفت فيها إمبراطوريات إعلامية

وهذه ليست المرة الأولى التي يستقبل فيها الرئيس التونسي عبدالباري عطوان بقصر قرطاج، إذ سبق أن استقبله في ديسمبر 2019. وكشف عطوان حينها أن الرئيس أخبره أنه “عزل وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي لأنه مطبع”.

وتجمع علاقة جفاء الرئيس بالإعلام المحلي الذي يبدو أن قيس سعيد لا يعترف به. ومنذ 2019 لم يزر أيّ صحافي قصر قرطاج، ولم يستقبل قيس سعيد وسيلة إعلام محلية ولم يكن ضيف أيّ قناة أو إذاعة تونسية، كما لم يستطع أيّ صحافي الحصول على معلومات مباشرة من الرئاسة بشأن القضايا التي أثارت الجدل كما لم يشهد القصر تنظيم أيّ ندوة صحافية تتضمنُ مساحة حرّة للأسئلة والإجابات.

ولا تعلن الرئاسة مسبقا عن نشاطات قيس سعيد، وتكون زياراته عادة “مفاجئة” حيث لا يتمكن الصحافيون من متابعة تحركاته إلا عبر الصفحة الرسمية للرئاسة. ويخاطب قيس سعيد التونسيين عبر مقاطع الفيديو التي تنشرها صفحة رئاسة الجمهورية الرسمية على فيسبوك أو التلفزة الوطنية.

محمد شلبي: لقد تغير التواصل بين الناس وأصبحت الوسيلة الإعلامية الأوسع رواجا في العالم شريط الأخبار على فيسبوك

ويقول الباحث التونسي في الإعلام محمد شلبي “لقد تغير التواصل بين الناس وأصبحت الوسيلة الإعلامية الأوسع رواجا في العالم شريط الأخبار على فيسبوك”، مؤكدا أن “تونس  استنسخت ديمقراطية بدأ الناس يرفضون إعلامها في موطنها لأنه ساير السلطة والمال والترفيه ونسب المشاهدة في حين أن جوهر الديمقراطية هو التداول العام”. وتساءل  شلبي “ماذا ينفع المواطن التونسي أن يتحاور سياسي وصحافي في التلفزيون عن مقاومة غلاء المعيشة وهو عاجز عن المشاركة؟”.

يذكر أنه في يناير الماضي شن قيس سعيّد، هجوماً عنيفاً على الإعلام المحلي واصفاً إياه بـ”الكاذب”، واتهمه بتزييف الحقائق والاهتمام بالمسائل التافهة وتجاهل القضايا الجوهرية والهامة. وأكد أن “الحرية في تونس يعتبرونها عملية ثلب وشتم وقذف عن طريق وسائل الإعلام”، متهماً وسائل الإعلام بـ”وقوف لوبيات وراءها توجهها وتمولها”.

في المقابل، توجه الانتقادات للسياسة الاتصالية لرئاسة الجمهورية بخصوص نفاذ الصحافة إلى المؤسسة والاتهامات بالتعتيم وبالحدّ من حقّ الصحافة في الحصول على المعلومات الضرورية لتغطية الأنشطة الرئاسية.

وتعتبر أميرة محمد نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافييين التونسييين، أن السياسة الاتصالية لكل من مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة رغم مع ما شهدته من تغير طفيف، ما زالت سياسة اتصالية عرجاء لا تكرس فعلا الانفتاح، مؤكدة أن “الفراغ الاتصالي هو مناخ ملائم لانتشار الشائعات والأخبار الزائفة.. والأهم من ذلك أن الضعف الاتصالي وانغلاق المؤسسات الرسمية للدولة على نفسها، ينتج عنه غياب نقاش عام جدي وحقيقي، ليبقى النقاش العام على غرار ما هو موجود اليوم نقاشا مبنيا على  فرضيات واحتمالات”.

يذكر أن الرئيس التونسي يشدد في كل مرة على تمسكه بحرية التعبير والإعلام، مشترطا بأن يكون ذلك مسبوقا بـ”حرية التفكير” التي تحافظ على الدولة ومؤسساتها.

من جانب آخر، هاجم تونسيون علاقة عطوان بالإسلام السياسي وتبييضه صفحته وصداقته مع رموز جماعة الإخوان ومنهم زعيم حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي. وانتقدوا الاستقبال الـ”في.آي.بي” الذي حصل عليه. وقالت الإعلامية أمال العدواني:

من جانبها كتبت منية العرفاوي تحت عنوان “الرئيس الذي أكرم عطوان وأهان مرة أخرى الإعلام”:

واعتبر معلقون أن “السيادة ليست في استدعاء وزير الخارجية عثمان الجرندي للقائمة بأعمال السفارة الأميركية ناتاشا فرانشيسكي، بل إن السيادة في احترام مكونات السيادة قبل ذلك .. والإعلام الوطني جزء من هذه المكونات أردت ذلك أو لم ترد.. اعترفت بذلك أم لم تعترف”.

16