لماذا يطالب مؤسس فيسبوك بتدمير قرطاج

قميص زوكربيرغ في عيد ميلاده يثير غضب التونسيين ويسلط الضوء على دروس التاريخ القديمة.
الخميس 2024/05/16
دروس الماضي والحاضر

انقسمت آراء التونسيين بشأن صور قميص مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ التي حملت عبارة تاريخية تدعو إلى تدمير قرطاج كانت تتردد على لسان أحد رموز روما، ومنهم من أسقطها على الواقع الراهن مع انتشار نظرية المؤامرة بكثافة.

نيويورك - أثارت صور نشرها مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك والرئيس التنفيذي لشركة ميتا على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي حفيظة التونسيين بسبب عبارة تاريخية كانت مكتوبة على قميصه تدعو لتدمير قرطاج.

واختار زوكربيرغ أن يظهر مع الملياردير الأميركي ومؤسس “مايكروسوفت”، بيل غيتس، بقميص أسود كتب عليه باللغة اللّاتينية Carthago delenda est، التي تعني “يجب أن تُدمّر قرطاج”. خلال احتفاله بعيد ميلاده الأربعين في 14 مايو.

وكانت هذه العبارة تستخدم من قبل السياسي والعسكري الروماني كاتو الأكبر في ختام جميع خطاباته من أجل الدفع إلى الحرب. ونشأت عقب مناقشات دارت في مجلس الشيوخ الروماني قبل الحرب البونيقية الثالثة بين روما وقرطاج، والتي وقعت بين 149 و146 قبل الميلاد.

وأشار البعض من الناشطين على الشبكات الاجتماعية إلى أن العبارة ليست إلا مجرد تلميح تاريخي بسيط، فيما يرى آخرون أنها ربما تحمل رسالة سياسية أو كناية عن قوة فيسبوك في عالم التواصل الاجتماعي مقارنة بمنافسيه.

وفي الواقع، لم يشر زوكربيرغ إلى العبارة ومقصده من ورائها، واكتفى بنشر الصور التي ظهر فيها مع أفراد عائلته إلى جانب صور أخرى لغرفة نومه أيام الطفولة، حيث كان برفقته بيل غيتس، وصور أخرى في جامعة هارفارد، والتي غادرها للتفرغ لتأسيس فيسبوك.

وانقسمت الآراء بين مدافع ومهاجم، فالبعض اعتبرها استفزازا للتونسيين، مشددا على أن أعياد الميلاد، هي أعياد الفرح والألفة لا مناسبات لرفع مقولات الدمار والتخريب، وآخرون قلّلوا من أهميتها على خلفية أنها عبارة متداولة بكثرة في الغرب، وتوظف عادة في إظهار القوة والشجاعة والتحدي.

وجاء في تعليق:

dYucefl@

وقال آخر:

Basma15101510@

وعلى الرغم من انتصارات روما في أول حربين بونيقيتين مع قرطاج (تونس حاليا)، إلا أن الأخيرة كانت تمتلك ثروات ضخمة، ما دفع كاتو لاعتبارها خطرة على روما ودعا إلى تدميرها مرارا وتكرارا، وأنهى جميع خطاباته بعبارة “قرطاج يجب أن تدمر”.

وفي سنة 146 قبل الميلاد دمرت قرطاج بعد انتهاء الحرب البونيقية الثالثة وأصبحت بعد ذلك مقاطعة رومانية. وأعرب المستخدمون عن غضبهم الشديد بشأن هذه العبارة لما تحمله من معان تدعو إلى الدمار.

وعلق ناشط:

MajdLatisol@

من جانبه اعتبر الباحث في الإعلام محمد شلبي “ببساطة أصبحت العبارة المدونة على قميص مارك زوكربيرغ مشهورة لأن كاتو الأكبر كان يختم بها خطبه كلها في برلمان روما مهما كان الموضوع، حتى إن تحدث عن الطقس. كان الرجل منزعجا من قوة قرطاج التي يراها خطرا على روما وسخر حياته لضرورة الحرب البونيقية الثالثة التي دمرت قرطاج. معناها المتداول في الغرب هو الثبات على منهج تدمير العدو ولا علاقة لها الآن بقرطاج. فقول العبارة عند الحديث عن أوكرانيا مثلا ، من منظور معاد لروسيا، تعني ضرورة هزيمة بوتين وقولها عن الموضوع نفسه من منظار مساند لروسيا معناها ضرورة هزيمة زيلينسكي. أصبحت العبارة مضرب أمثال. قولنا قميص عثمان اليوم لا يعني ثوب ابن عفان”.

وتعليقا على الصورة، كتب أستاذ علم الاجتماع معاذ بن نصير تدوينة فسّر فيها أصل الكلمة، مضيفًا بالقول “ما نتصورش من باب الصدفة أنو مارك يلبس قميص مكتوب عليه يجب أن تدمر قرطاج”.

وجاء في تدوينة:

Gadelmaleh16@

وانتقد العديد من الناشطين التناقض في المنصة التي يملكها زوكربيرغ الذي يحمل شعارا محرضا على التدمير بينما يقوم بحذف أيّ تعليق يحمل شبهة تدمير وقد قام بحذف الملايين من التعليقات العربية المتضامنة مع الفلسطينيين بهذه الذريعة، وقال أحدهم:

MUATSEM_DENALI@

 

وتساءلت صفحة “نادي الكتاب بتونس” تعليقا على قميص مارك “هل كان هذا مجرد تلميح تاريخي بسيط أم موقفا سياسيا متعمدا؟”.

وكتبت الصفحة “البعض يرى في ذلك، إشارة إلى الصراع التاريخي بين روما وقرطاج، رمزا لمشاكل الاستعمار والصراع. بينما يرى آخرون فيه انتقادا ضمنيا للقوة الشاسعة لعمالقة التكنولوجيا، تجسدها فيسبوك وزوكربيرغ نفسه. ويعتقد البعض حتى أنها كانت مزحة بسيطة أو حيلة تسويقية ماهرة”.

وتابعت “للأسف، لم يوضح زوكربيرغ نيته، مما يترك الغموض يسيطر. ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد: إن هذا الفعل أعاد إلى الواجهة النقاش حول السلطة والتاريخ وتأثير التكنولوجيا في مجتمعنا الحديث”.

وتحمل بقايا المدينة على ضفاف البحر المتوسط جراحا قديمة وهي تعد من أبرز المزارات السياحية في تونس. وأغلب القطع والأواني التي عثر عليها المؤرخون تعود إلى الحقبة الرومانية اللاحقة بعد تدمير قرطاج القديمة.

وشهدت قرطاج نهضة في الصناعات والفنون والعلوم، وباتت حضارة تقارع روما في الضفة الأخرى من المتوسّط، وهو ما لم يرُق لروما، ويقول المؤرخون إن الحروب البونيقية بدأت عندما توسعت روما غربًا نحو ما يُعرف الآن بإسبانيا، ومن الشرق إلى اليونان وجنوبًا إلى صقلية، ما جعلها في صراع مع قرطاج، وعلى الرغم من فوز روما في كل من الحروب البونيقية الأولى والثانية، إلا أن قرطاج اقتربت في بعض الأحيان من الانتصار، وخلال الحرب البونيقية الثانية، اشتهر الجنرال القرطاجي حنبعل بقيادة جيشه، بما في ذلك عشرات الأفيال، عبر جبال الألب وإلى شبه الجزيرة الإيطالية، واقترب من هزيمة روما.

ولكن بحلول عام 149 قبل الميلاد، كانت روما قد أخضعت قرطاج بطرق عديدة. وكان الانتصار في الحرب الثانية قد سمح لروما بفرض تعويض مكلف على منافستها، وكان على قرطاج أن تطلب إذنًا من مجلس الشيوخ الروماني لشن الحرب، حتى بعد دفع التعويض، وكانت روما حذرة من استمرار وجود قرطاج، لهذا كان كاتو الأكبر، ينهي جميع خطاباته لعدة سنوات، بغض النظر عن الموضوع، بقوله “يجب تدمير قرطاج”.

في حين امتدت الحروب السابقة لعقود، كانت الحرب البونيقية الثالثة غزوًا مباشرًا نسبيًا لشمال أفريقيا من قبل القوات الرومانية، ووافقت قرطاج على عدد من المطالب الرومانية في محاولة لدرء الدمار، لكنها رفضت عندما تمّ أمر القناصل القرطاجيين بنقل مدينتهم بأكملها إلى الداخل، وعلى الرغم من أن روما عانت من عدة هزائم قبل أن تحاصر قرطاج أخيرًا، إلا أنها سرعان ما حاصرت الميناء وتغلبت عليها، مما أدى إلى المجاعة والذعر في المدينة. وتم إنشاء مدينة رومانية جديدة في موقع قرطاج بعد حوالي مئة عام من تدمير المدينة الأصلية.

أما مارك زوكربيرغ ‏ فهو رجل أعمال ومبرمج أميركي، ولد في وايت بلينس بنيويورك يوم 14 مايو 1984، أي أنه أتم من العمر 40 سنة يوم الثلاثاء.

واشتهر بتأسيسه موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهو أكبر موقع تواصل اجتماعي في العالم، أنشأ الموقع مع زملائه في قسم علوم الحاسوب إدواردو سافرين وداستن موسكوفيتز وكريس هيوز وهو في جامعة هارفارد.

5