لماذا يصنع الأطفال أصدقاء من مخيلتهم

يمكن لأصدقاء الأطفال الخياليين أن يساعدوهم على أكثر من مجرد إثراء مخيلتهم. وهو ما تؤكده العديد من البحوث العلمية مطمئنة بذلك الآباء والأمهات الذين يخافون من فكرة أن يكون لأبنائهم الصغار أصدقاء خياليون، ويعتبرونها مظهرا مخيفا يهدد سلامة الأبناء العقلية والنفسية ويتخذونها علامة على مشاكل في ربط علاقات سليمة مع أقرانهم ومحيطهم العائلي والاجتماعي.
واشنطن - تؤكد نتائج دراسة أميركية أن تخيّل أصدقاء وهميين ظاهرة شائعة وطبيعية يمرّ بها الأطفال خلال مراحل نموّهم وبناء شخصيتهم. وببلوغهم سن السابعة، سيكون لدى 65 في المئة من الأطفال صديق خيالي.
وتقول ستيفاني كارلسون، وهي أستاذة بمعهد تنمية الطفل بجامعة مينيسوتا ومن المؤلفين المشاركين في الدراسة، إن تخيّل شخصيات وهمية يمكن أن يمتد من سنّ الثالثة إلى 11 سنة.
ويوضح الأستاذ المختص في علم النفس بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، سيليستي كيد، أن علماء النفس يتفقون على أن الظاهرة لا ينبغي أن تقلق الآباء والأمهات باعتبار غموض الأسباب التي يمكن أن تدفع الأطفال إلى خلق هذه الشخصيات أو لماذا تقتصر هذه المرحلة على بعض الأطفال دون غيرهم.
ويقول سيليستي الباحث الرئيسي في مختبر كيد، الذي يدرس جميع المراحل التي يمر بها الأطفال في السنوات الأولى من حياتهم، “لا يوجد إجماع واسع حول العوامل التي تحفز هذه الظاهرة، ومع ذلك، يعتبر العلماء تخيّل شخصيات وهمية جزءا عاديا من تطور شخصية الطفل ونموّها. ولا يتخيّل كل الأطفال هذه الشخصيات، لكنها ظاهرة شائعة ولا تمثّل مشكلة كما لا تعدّ علامة على أن الطفل موهوب أكثر من أقرانه”.
العديد من جوانب شخصية الطفل تتكون من خلال الجمع بين الشخصيات الخيالية من جهة والتجارب الحقيقية التي يمر بها الطفل من جهة ثانية
ويمكن اعتبار الأصدقاء الخياليين آلية من آليات تطوير القدرات الاجتماعية التي يستعين بها الأطفال. ولكي يُحسن الأطفال التواصل مع أقرانهم، يجب عليهم أن يفهموا أن لدى الآخرين معتقدات ورغبات وسلوكيات تختلف عن كل ما يألفونه. ويطلق على هذه الميزة “نظرية العقل”، وتعدّ أساسية لفهم تصرّفات الآخرين واختيار الطرق المثلى للتعامل معهم.
ويضيف سيليستي كيد “لا يبدأ إدراك الطفل بأنّ شخصا آخر يمكنه أن يريد شيئا مختلفا عمّا يريده أو أن يعرف شيئا لا يعرفه هو قبل سن الرابعة”.
ومؤخرا أجريت بعض الدراسات بهدف تحليل الجانب النفسي لهذه الظاهرة المنتشرة، ويرى أحد الباحثين أن العلاقات مع شخصيات لا يراها سوى الطفل تلبّي حاجته إلى تكوين صداقات، وهي أكثر شيوعا بين الإخوة الكبار أو الطفل الواحد. كما أشارت الأبحاث إلى أن هذه الظاهرة تنتشر أكثر بين الفتيات، وأن الأطفال الذين يكبرون مع أصدقاء وهميين يصبحون عند مرحلة البلوغ أكثر إبداعا من أقرانهم الآخرين.

فيما لاحظت كارلسون أثناء مشاركتها في الدراسة أن الفتيات الصغيرات عادة ما يتخيلن شخصيات تستحق رعايتهن، وغالبا ما تتخذ هذه الشخصيات شكل حيوانات صغيرة أو أطفالا رضعا أو أصغر منهن سنا. وأوضحت كارلسون أن الصبية يتخيلون شخصيات أكثر كفاءة منهم، مثل الأبطال الخارقين أو الكائنات التي تتمتع بقوة تتجاوزهم.
ويعدّ الأصدقاء الخياليون آلية تساعد الأطفال على تلبية احتياجاتهم النفسية الأساسية الثلاثة المنصوص عليها في نظرية التحديد الذاتي، وفق كارلسون، وهي حرية اختيار القرارات التي تتوافق مع شخصية الفرد، والكفاءة أي اعتقاد الفرد بقدرته على اتباع نشاط ما كما يجب، وشعور الفرد بالارتباط بالأشخاص المحيطين به.
ويشعر الأطفال بالكفاءة عندما يتولّون دورا قياديا مع أصدقائهم الخياليين. على الرغم من أن أصدقاءهم غير موجودين. كما يرتبط الأطفال بالشخصيات الوهمية بنفس الطريقة التي يتواصلون بها مع أصدقائهم الحقيقيين. وتوفر تلك الشخصيات الخيالية ميزة إضافية تتمثّل في السماح للأطفال بمحاكاة المواقف الاجتماعية دون أي عواقب، حسب كيد.
ويسهّل الأصدقاء المتخيّلون حرية الاختيار عندما يستغلّ الأطفال وجودهم لمعالجة الموقف، مثل الإصرار على أن يستدعي الوالدان أصدقاءهم الوهميين إلى مائدة العشاء أو عندما يعدّلون لهم مقعدا في السيارة. وترى كارلسون أن الشخصيات الخيالية تعزّز شعور الأطفال بالارتباط بالآخرين من خلال تعاملهم مع الشخصيات التي اخترعوها، حيث يمكن أن يوفر التقاطع بين حياة الأصدقاء الوهميين والعالم الواقعي فرصا ليتعلّم الطفل دروسا تفيده في الحياة.

وأكدت العديد من الدراسات أن الكثير من جوانب شخصية الطفل تتكوّن من خلال الجمع بين الشخصيات الخيالية من جهة والتجارب الحقيقية التي يمرّ بها الطفل من جهة ثانية. ويرى بعض الأخصائيين أن هذه الصداقات تعكس مدى وعي الأطفال بما يجري حولهم، ويمكن أن يمتد ذلك إلى ما يشاهدونه في الأخبار أو ما يجري من حولهم في محيطهم الأسري.
في المقابل يصعب أحيانا على الآباء والأمهات تقبّل اليوم الذي تختفي فيه الشخصيات الخيالية التي كانت تملأ حياتهم لفترة طويلة، وتتعلّق بعض العائلات أحيانا بهذه الشخصيات التي علّمت أطفالها دروسا عن ضرورة التعاطف مع الآخرين وأهمية الصداقة، حتى لو لم يستطيعوا رؤيتها.
ولا يعدّ الأصدقاء الخياليون خطرا يهدّد سلامة الطفل سواء في نموّ مداركه العقلية أو حالته النفسية أو علاقاته الأسرية والاجتماعية، بل إن وجودهم في حياة الطفل تساعده على النموّ وبناء شخصية متوازنة تهتم بربط علاقات مع الآخرين وتطويرها. الأمر الذي يجعل المختصين في التربية وفي الطفولة يكررون طمأنتهم للآباء ويدعونهم إلى عدم الشعور بالخوف والتوتر لمجرد أن احدهم وجد ابنه يخاطب شخصا غير موجود فعلا، ويناقشه أحيانا في بعض المواضيع التي تتعلق باللعب وغيره.