لماذا يريد السعوديون كأس عالم ثانية في الخليج

يدخل السعوديون منعطفا جديدا في مسار التحول الاقتصادي مع استعدادهم لأكبر حدث رياضي عالمي والذي يرى خبراء أن أهدافه تتجاوز مكاسب تنظيم مونديال 2034 في حد ذاته، إذ سيكون اختبارا لمدى قدرتهم على جعل بلدهم من بين أقوى الدول نموا وتنوعا وانفتاحا.
الرياض- تمارس السعودية نفوذا هائلا في الرياضة العالمية بعد توجيه مليارات الدولارات إلى أنشطة مثل السباقات الميكانيكية والغولف والتنس والملاكمة في السنوات الأخيرة. والآن، تستعد للفوز بحق استضافة بطولة كرة القدم الأكثر شهرة: مونديال 2034.
والمرة الوحيدة التي أقيمت فيها المسابقة في دولة خليجية وعربية كانت خلال عام 2022، في قطر، وقد حدث ذلك وسط جدل كبير.
وتم نقل المباريات إلى الشتاء لتجنب المناخ الحار، وجذبت ممارسات حقوق الإنسان تدقيقا واسع النطاق، وتم حظر البيرة في الملاعب في اللحظة الأخيرة. ومع ذلك، استمرت قطر في استضافة ما يقول بعض الخبراء إنه كان أحد أفضل البطولات في التاريخ.
ومع عدم وجود منافسة على عرض السعودية لاستضافة المونديال، يبدو أن الحدث متجه إلى الشرق الأوسط للمرة الثانية. ومن المتوقع أن يقرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، مستضيف البطولة الأربعاء.
وبعد انسحاب أستراليا بعد أن قررت التركيز على الأحداث الرياضية الأخرى التي تستضيفها في السنوات القادمة، أصبحت السعودية الدولة الوحيدة التي تقدمت بطلب استضافة البطولة، التي تقام كل أربع سنوات.
والمنافسة كانت محدودة منذ البداية لأن الفيفا يفضل أن تقام بطولة 2034 في آسيا أو أوقيانوسيا. وفق وكالة بلومبيرغ، وربما ترددت دول أخرى في التقدم بعطاءات في مواجهة استعداد السعودية لتخصيص مليارات الدولارات للبنية التحتية لكرة القدم وعلاقتها القوية بالفيفا.
وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقود جهودا لتنويع الاقتصاد السعودي بعيدا عن النفط من خلال بناء صناعات جديدة، وتعزيز السياحة، وتوسيع خيارات الترفيه لسكان البلاد الشباب.
وتحقيقا لهذه الغاية، كان يراهن بشكل كبير على الرياضة والاستثمار فيها. وقال حين تقديم ملف الترشح “ستأتي استضافة كأس العالم تتويجاً لما تبذله المملكة من جهود في هذا القطاع”.
وأدخلت السعودية تغييرات هائلة على مدى السنوات الثماني الماضية ضمن سياسة الانفتاح في ظل الإصلاح الاقتصادي المعروف باسم “رؤية 2030” بقيادة الأمير محمد.
ولأن قطاع الرياضة بات ضمن أولويات الحكومة حتى يكون مساهما في بقية حلقات التنمية الأخرى المتداخلة وفي مقدمتها السياحة والتطوير العقاري ضمن سياسة تنويع مصادر الدخل، فإن السلطات تأمل في أن تحقق عوائد أكبر في كأس العالم مما حققتها قطر.
وفي فبراير 2023 أعلن ناصر الخاطر الرئيس التنفيذي لمونديال 2022 أن الإيرادات التي حققتها قطر قبل وأثناء كأس العالم بلغت 17 مليار دولار.
والسعودية التي تعد الأكبر من حيث الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية هي بالفعل موطن لجائزة الفورمولا 1 الكبرى السنوية. ومن المقرر أن يستضيف كأس آسيا 2027 لكرة القدم ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029.
وتعمل مسابقة أل.آي.في للغولف الناشئة في السعودية على إبرام صفقة مع جولة بي.جي.أي المنافسة بهدف جذب المزيد من الزوار إليها من عشاق هذه اللعبة.
ويضم دوري كرة القدم المحلي نجوما بارزين بما في ذلك كريستيانو رونالدو، وبالتي يُعتقد أن استضافة المونديال ستسهم في جذب ملايين السياح الجدد، مما يساعد في جذب مصادر جديدة للإيرادات.
وتعد شركة النفط العملاقة أرامكو، التي تمتلك الحكومة أغلب أسهمها، هي الراعي لكأس العالم 2026 التي تنظمها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وكأس العالم للسيدات 2027 في البرازيل.
وعلى خلفية العروض التعاونية، فإن الدفعة المنفردة السعودية لاستضافة كأس العالم 2034 تبدو طموحة. ولم تكشف الحكومة حتى الآن عن تقديرات الكلفة لخططها والتي من المتوقع أن تكلف المليارات من الدولارات.
وأنفقت قطر نحو 200 مليار دولار لاستضافة كأس العالم في عام 2022، على الرغم من أن هذا الرقم يشمل مشاريع مثل خط سكة حديد جديد تحت الأرض كان من الممكن بناؤه حتى بدون البطولة.
وتتمثل خطة السعودية في وجود 15 ملعبا لمباريات كأس العالم موزعة على خمس مدن، حيث سيتم بناء 11 ملعبا جديدا، بينما سيتم ترقية 4 أخرى لتلبية معايير الفيفا.
ومن المقرر أن تكون غالبية المواقع في العاصمة الرياض ومن المدن المضيفة الأخرى جدة والخبر وأبها ونيوم، وهي منطقة حضرية جديدة في الشمال الغربي.
وفي الشتاء، تميل المدن السعودية المضيفة إلى أن تكون أكثر برودة من أوروبا في الصيف. وتقول السلطات إن البلد مستعد لاستضافة كأس العالم في أي وقت، ولكن من المرجح أن تجلب بطولة 2034 معها اضطرابًا آخر في تقويمات أندية كرة القدم.
ومثل قطر، تشتهر السعودية بدرجات الحرارة الشديدة في الصيف، وتشهد المدن بما في ذلك الرياض وجدة بانتظام حرارة تزيد عن 40 درجة مئوية خلال فصل الصيف في نصف الكرة الغربي.
ويأتي ذلك على الرغم من أن أماكن مثل أبها إحدى المدن الخمس التي تقترح السعودية فيها استضافة مباريات كأس العالم أكثر برودة بشكل عام.
وتغلبت قطر على الحرارة بإقامة البطولة من منتصف نوفمبر إلى منتصف ديسمبر وهي الخطوة التي تسببت في شكاوى بين بعض ملاك الأندية، الذين قالوا إن تغيير موعد البطولة قد يعطل الدوريات المحلية ويخاطر بإصابات منتصف الموسم للاعبين النجوم.
ويقول المسؤولون إن بلدهم يهدف إلى توفير أكثر من 230 ألف غرفة فندقية في المدن المضيفة للجماهير ووفود 48 منتخبا، وتعمل على توسيع قدرتها الجوية.
وأطلق صندوق الثروة السيادية الثلاثاء شركة مملوكة له بالكامل لإدارة الفنادق تحت اسم (أديرا)، لتكون متخصصة في إدارة وتشغيل الفنادق.
وقال في بيان على منصته الإلكترونية إن أديرا ستكون “شركة وطنية رائدة تقود قطاع الضيافة في المملكة وتسهم في تعزيز خبرات ومهارات الكفاءات الوطنية عبر إطلاق برامج للتدريب وتطوير المهارات بالتعاون مع مختصين عالميين في مجال الضيافة.”
وتعتزم السلطات إطلاق ثاني شركة طيران رئيسية لها، الرياض للطيران، العام المقبل، بهدف الاتصال بأكثر من 100 وجهة وخدمة 100 مليون مسافر سنويا بحلول عام 2030.
وإلى جانب ذلك كله سيتم تمديد شبكة خطوط القطارات وخطوط الحافلات لتسهيل السفر في جميع أنحاء البلاد، في استثمارات قد تكلف مليارات الدولارات بالنظر إلى المساحة الشاسعة للسعودية قياسا بقطر.