لماذا يرفض الجيش السوداني التعاون مع القوى المدنية

انتقادات البرهان لـ"تقدم" والحرية والتغيير تضع عراقيل أمام المبادرة المصرية.
الأحد 2024/06/09
الخيار العسكري لن يوقف الحرب

قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان يرفض التجاوب مع مختلف مبادرات التهدئة سواء برعاية أفريقية أو التي جاء بها منبر جدة، أو حتى من مصر التي تسعى لأن يكون للقوى المدنية دور في المرحلة القادمة. ورفض دور المدنيين تنظر إليه القاهرة كرفض لمبادرتها.

 الخرطوم/القاهرة - يجد قادة الجيش السوداني في كل تصعيد عسكري جديد فرصة للتنصل من العودة إلى طاولة المفاوضات، ويجدون في أيّ انتهاكات تحدث بحق مدنيين في أيّ مكان ومن أيّ طرف وسيلة للنيل من القوى المدنية والسياسية التي تطالب بوقف الحرب سريعا، ويوجهون لها انتقادات لتخفيض مستوى الثقة فيها أو الرهان عليها.

وتوعد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان من مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، الخميس، بمحاسبة قادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، واتهمهما بالوقوف في صف الدعم السريع.

وكشفت مصادر سودانية في القاهرة لـ”العرب” أن هذه النوعية من الاتهامات تضع عراقيل سياسية أمام مبادرة مصر التي طرحت مؤخرا بشأن عقد مؤتمر يضم قوى مدنية في القاهرة قبل نهاية يونيو الجاري، فالمبادرة ركزت على القوى السياسية، ولم تشر مباشرة إلى مشاركة وفد من الجيش أو الدعم السريع.

وأضافت المصادر ذاتها أن الجنرال البرهان حريص على عدم الإشارة إلى رفض المبادرة المصرية، وأبدت وزارة الخارجية السودانية تجاوبها المشروط معها، ولم تبد ترحيبا قويا بها، بما يشي بعدم التفاعل مع أهدافها والمشاركين فيها وجُلهم من القوى المدنية، لتجنب إشكالية الحديث عن الانحياز لأحد طرفي الحرب.

وقال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي صديق أبوفواز لـ”العرب” إن الشروط التي وضعتها وزارة الخارجية السودانية تعجيزية وسيكون لها تأثير سلبي على نجاح مؤتمر القاهرة، حال لم يكن الجيش ممثلاً فيها، ونجاح المبادرة المصرية يرتبط بمشاركة جميع الفاعلين وبينهم الجيش وقوات الدعم السريع.

صديق أبوفواز: كلام البرهان بشأن عدم التفاوض مع القوى المدنية التي يرى أنها مؤيدة للدعم السريع مكررة
صديق أبوفواز: كلام البرهان بشأن عدم التفاوض مع القوى المدنية التي يرى أنها مؤيدة للدعم السريع مكررة

ويرمي تهجم قائد الجيش على “تقدم” وقوى الحرية والتغيير للإيحاء بأن القوى المدنية غير محايدة، وتوجهاتها السياسية مشكوك فيها، على اعتبار أنها تطالب بتنحية الجيش ومنح فرصة لحكومة مدنية، وهو مطلب تدعمه قوى إقليمية ودولية عدة، ويفرمل تغول الحركة الإسلامية في صفوف الجيش التي يقوم منتمون لها ومحسوبون عليها بمنع أيّ تقدم في العملية السياسية وجعل الفرصة مفتوحة للخيار العسكري.

وقال البرهان في كوستي “هناك رسالة سأرسلها إلى ‘تقدم’ وقوى الحرية والتغيير والسياسيين الذين يريدون أن يحكموا، لن تحكموا السودان مرة أخرى ونحن فيه”.

وأوضح صديق أبوفواز لـ”العرب” أن كلام البرهان بشأن عدم التفاوض مع القوى المدنية التي يرى أنها مؤيدة للدعم السريع مكررة، ويبحث بشكل دائم على شماعة لها علاقة بأ”تقدم” أو قوى الحرية والتغيير ليؤكد أنه سيقاتل حتى آخر جندي، وهو كلام مماثل لما أطلقه من قبل مساعد قائد الجيش ياسر العطا، والأزمة أن الجيش ليست لديه قدرة كاملة على حماية الشعب وأن القتال الدائر حاليًا هو لحماية قادته فقط.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن القرى والمدن التي دخلتها قوات الدعم السريع لم يتمكن الجيش من استردادها باستثناء مناطق صغيرة في أم درمان والخرطوم بحري، فيما تقترب الفاشر من السقوط، في حين أن جميع القوى المدنية بما فيها التي لها توجهات غير متماشية مع الجيش لديها إيمان راسخ بأن الجيش الوطني هو المؤسسة التي تمثل الدولة وحال انهياره فالدولة ستكون انهارت بشكل كامل.

وتعرضت الكثير من القوى المدنية والسياسية لانتقادات من قبل قادة الجيش بسبب رفض استمرار الحرب، ووصفت تنسيقة “تقدم” التي يرأسها عبدالله حمدوك رئيس الحكومة السابق بأنها “ظهير سياسي لقوات الدعم السريع”.

ورفض حمدوك محاولات وصم التنسيقية بالاصطفاف مع طرف من طرفي الحرب الدائرة، معاهداً الشعب السوداني البحث بالطرق كلها عن سبيل لوقف الحرب، ولن يستجيب لخطابات التخوين والابتزاز، داعيا لوقف القتال فوراً.

وأشار نائب رئيس هيئة قيادة “تقدم” الهادي يحيى إدريس في ختام المؤتمر التأسيسي للتنسيقية بأديس أبابا في أواخر مايو الماضي إلى شروعهم في إجراءات نزع الشرعية عن الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقرا، وهي إشارة كفيلة أن يصب البرهان غضبه على “تقدم” واتهاماته لقوى الحرية والتغيير/المجلس المركزي.

◙ اتهامات البرهان تضع عراقيل سياسية أمام مبادرة مصر بشأن عقد مؤتمر يضم قوى مدنية في القاهرة قبل نهاية يونيو

وعلى الرغم من انشقاق جناح من تحالف الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) وانحيازه لتصورات الجيش، غير أن التحالف لا يزال يمثل صداعا في رأس المؤسسة العسكرية، لأن عددا كبيرا من مكوناته المدنية في المجلس المركزي عارضت استمرار الجيش في السلطة، وحمّلته مسؤولية المأزق الذي يعيشه السودان حاليا، والبعض انخرط في الهيكل الجديد لتنسيقية “تقدم” وتفاعلاته السياسية المتباينة.

واعتبر القيادي بتنسيقية “تقدم” شريف عثمان في حديثه لـ”العرب” أن تصريحات البرهان متناقضة، إذ يتحدث عن رغبته في الحوار والتفاوض مع القوى المدنية ثم يذهب بعيدا ويعلن رفضه أيّ حوار أو تفاوض ويتعهد بحسم المعارك عسكريًا، وأثبتت التجارب السابقة أن هذا الخطاب ليس له قيمة سياسية ويستهدف المزيد من المراوغة لإطالة أمد الحرب.

واعترف عثمان أن الحرب مدمرة ويسقط فيها كل يوم العشرات من الضحايا وسط عمليات نزوح وتهجير واسعة، وتتمدد من ولاية إلى أخرى، وهو ما يبرهن على استحالة الحسم العسكري، وعلى قائد الجيش الاستماع إلى صوت العقل ورغبة الشعب في العودة إلى طاولة التفاوض والاستجابة للعديد من المبادرات الدولية.

وأكد أن الاستمرار في رفض المبادرات التي تأتي من جهات مختلفة يضر بوحدة السودان، وكل يوم تزداد الفجوة الاجتماعية بين المواطنين، ما يقود في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب أهلية شاملة يصعب العودة بعدها إلى أي مسارات سياسية.

وذكر شريف عثمان لـ”العرب” أن رفض الحوار يتزامن مع اتجاه قائد الجيش نحو إدخال أطراف دولية على خط الحرب، عبر الاتصالات الجارية مع روسيا والحديث عن الاتفاق معها على بناء قاعدة لوجستية على ساحل البحر الأحمر، ما يجعل إنهاء الصراع بعيدا، فالقارة الأفريقية شاهدة على نماذج تعقّد فيها الحل السياسي بسبب الصراع بين القوى الدولية وتزايد ملامح الانخراط الخارجي في النزاعات المحلية.

واختتمت “تقدم” مؤتمرها التأسيسي بحضور حوالي 600 ممثل للتنظيمات المدنية والحركات المسلحة، معلنة عن رؤية سياسية لإنهاء الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع، حدث حولها تباين واسع بين مؤيد ورافض لها من القوى المشاركة.

3