لماذا يؤخر الإسرائيليون التوصل إلى هدنة مع حماس

القدس - يتمسك الإسرائيليون بتأجيل مفاوضات الهدنة، التي تتوسط فيها مصر وقطر والولايات المتحدة، إلى حين تحقيق أهدافهم وعلى رأسها تفكيك حركة حماس واعتماد إستراتيجية تقوم على الترويع وإلحاق أكبر ما يمكن من الأذى بسكان القطاع لمنعهم من التفكير في استهداف إسرائيل مستقبلا.
ويقول مطلعون على طريقة تفكير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لن تترك حماس تتمتع بهدنة يمكن أن تسمّيها نصرا وتوظفها في الدعاية وتشجيع سكان القطاع على الانضمام لها والقتال تحت رايتها مجددا، مشيرين إلى أن إسرائيل كلما تركت مقاتلي كتائب القسام بعد كل مفاوضات تهدئة في الحروب السابقة كانوا يستعيدون قوتهم ويعيدون هيكلة أنفسهم وتهريب الأسلحة عبر الأنفاق.
ويضع نتنياهو لنفسه هدفين خلال الحرب الحالية لا يمكن توقع أن يقبل بوقف إطلاق دون تحقيقهما، الأول هو تدمير حماس بشكل يجعل عودتها لاستهداف إسرائيل أمرا غير ممكن على المدى البعيد. وأعلن نتنياهو في منشور عبر تطبيق تلغرام مساء الأربعاء، بعد عرض فيديو عن مجندات محتجزات لدى حماس، أن “هذه اللقطات ستعزّز تصميمي على المضي قدما بكل قواي حتى يتم القضاء على حماس للتأكد من أن ما شاهدناه (الفيديو) لن يتكرّر أبدا".
◙ إسرائيل تلجأ إلى النموذج الأميركي مع اليابان وألمانيا، حيث خرج كل ياباني وألماني بجرح شخصي جعله يفكر ألف مرة
أما الهدف الثاني، فهو التأكد من معاقبة كل فلسطيني في غزة شخصيا في ماله أو عياله لكي يحمل هذا الدرس الشخصي ويرفض مستقبلا فكرة استهداف إسرائيل أو احتجاز إسرائيليين مثلما حصل في السابع من أكتوبر الماضي خلال الهجوم الاستعراضي لحركة حماس، والذي أدى إلى احتجاز ومقتل وجرح المئات من الإسرائيليين.
والرسالة من وراء الرد الإسرائيلي القاسي ضد مقاتلي حماس وضد السكان بهدم البيوت ودفع الناس إلى النزوح من منطقة إلى أخرى والتغاضي عن الضغوط الخارجية هي جعل الفلسطيني يشعر بأن الهجوم على إسرائيل يكون مكلفا وباهظا وألا ينساق وراء الأجندات الخارجية، إيرانية أو قطرية أو تركية، التي تحرض على إسرائيل وتبحث عن دور إقليمي من بوابة تحريض الفلسطينيين.
وتسببت الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة في مقتل ما يزيد على 35 ألف فلسطيني وإصابة 80 ألفا أغلبهم من المدنيين، وتهجير 85 في المئة من سكان القطاع وتسوية جزء كبير من الأراضي الفلسطينية بالأرض. وتعمل إسرائيل على جعل سكان الضفة الغربية يشعرون بالخطر من فكرة تكرار ما قامت به حماس في غزة، وهو ما يظهر من خلال استعمال أساليب جديدة مثل المسيّرات لاستهداف المجموعات المسلحة والمقاومين المطلوبين لإسرائيل واجتياح المدن والمخيمات.
وبعد فشل تدجين حماس والحد من نشاطها في حروب إسرائيلية سابقة في غزة، فإن حكومة نتنياهو تلجأ هذه المرة لاستخدام النموذج الأميركي مع اليابان وألمانيا، حيث خرج كل ياباني وكل ألماني بجرح شخصي من الحرب جعله يفكر ألف مرة قبل أيّ خطوة يمكن أن تطال الوجود الأميركي. كما قامت أميركا حينها بإنهاء النظام العسكري الياباني والنازي الألماني لوأد أيّ شكل من أشكال معاداة الوجود الأميركي تماما مثلما تسعى إسرائيل لإنهاء حماس وقتل فكرة المقاومة لدى قادتها وأنصارها.
ولم يُعرف بعد حجم الخسائر القتالية التي تكبدتها حماس، لكن إسرائيل تقول إنها قتلت تسعة آلاف مقاتل بينهم قيادات بارزة مثل صالح العاروري رئيس حماس في الضفة الغربية، ومروان عيسى الذي شغل منصب نائب قائد كتائب القسام في قطاع غزة، والذي ساعد في التخطيط لهجوم السابع من أكتوبر، وفائق المبحوح رئيس عمليات جهاز الأمن الداخلي التابع لحماس.
◙ إسرائيل لن تترك حماس تتمتع بهدنة يمكن أن تسمّيها نصرا وتوظفها في الدعاية وتشجيع سكان القطاع على الانضمام لها
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن المتحدث الحكومي آفي هايمَن، قوله "لا قوة في العالم يمكنها منع إسرائيل من الدفاع عن مواطنيها وملاحقة حماس في القطاع". وأشارت الهيئة أن حديث هايمَن جاء ردا على سؤال وجّه له في مؤتمر صحفي عمّا إذا كانت إسرائيل ستنصاع لقرار محكمة العدل الدولية إذا طالبتها غدا بوقف الحرب.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية “عشية إصدار محكمة العدل الدولية أمرا محتملا بوقف النشاطات العسكرية في قطاع غزة، أكدت إسرائيل أنها لن ترجع عن مواصلة الحرب”. وقادت إسرائيل هجوما واسعا على مدينة رفح جنوب القطاع متحدية التحذيرات الأميركية وغير عابئة بالمخاوف التي أطلقتها مصر تجاه سيطرة تل أبيب على معبر رفح وتقدم القوات الإسرائيلية نحو محور فيلادلفيا والسيطرة عليه بما يتعارض مع اتفاقية كامب ديفيد.
وزادت إسرائيل من إثارة غضب المصريين بأن اتهمت القاهرة بعرقلة دخول المساعدات الإنسانية من بوابة معبر رفح. ولوحت مصر بسحب وساطتها بين إسرائيل وحماس كردّ فعل على ما أسمته بالإساءات الإسرائيلية.
وقال ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة المصرية للاستعلامات في بيان نشر على مواقع للتواصل الاجتماعي “مواصلة محاولات التشكيك والإساءة لجهود وأدوار الوساطة المصرية، بادعاءات مفارقة للواقع، لن يؤدي إلا إلى المزيد من تعقيد الأوضاع في غزة والمنطقة كلها، وقد يدفع الجانب المصري لاتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الوساطة التي يقوم بها في الصراع الحالي”.