لماذا وسعت إسرائيل عملياتها في الضفة الغربية بعد هدنة غزة

واشنطن - منذ سريان وقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة الأحد الماضي أطلقت إسرائيل عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية المحتلة وهاجم مستوطنون يهود مشتبه فيهم بلدتين فلسطينيتين.
وتأتي موجة العنف الجديدة في الوقت الذي يواجه فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطا داخلية من جانب حلفائه من اليمين المتطرف بعد موافقته على الهدنة وتبادل إطلاق سراح المحتجزين مع حركة حماس، وفي الوقت نفسه ألغى الرئيس الأميركي دونالد ترامب العقوبات التي فرضها سلفه جو بايدن على مستوطنين إسرائيليين متهمين بارتكاب أعمال عنف في الضفة.
وهذا مزيج متقلب يمكن أن يقوض وقف إطلاق النار، الذي من المقرر أن يستمر ستة أسابيع على الأقل ويؤدي إلى إطلاق سراح العشرات من الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية المسلحة مقابل مئات السجناء الفلسطينيين في سجون إسرائيل الذين سيتم إطلاق سراح معظمهم في الضفة الغربية.
لقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية في حرب عام 1967، ويريد الفلسطينيون أن تكون هذه الأراضي الثلاث جزءا من دولتهم المستقبلية. وكثيرا ما تتفاقم التصعيدات في منطقة واحدة، مما يثير المزيد من المخاوف من أن المرحلة الثانية والأكثر صعوبة من وقف إطلاق النار في غزة ــ والتي لم يتم التفاوض عليها بعد ــ قد لا تأتي أبدًا.
وقال مسؤولون فلسطينيون محليون إن عشرات الرجال الملثمين هاجموا قريتين فلسطينيتين في شمال الضفة الغربية في وقت متأخر من مساء الاثنين، ورشقوا السكان بالحجارة وأضرموا النار في السيارات والممتلكات. وقالت خدمة الطوارئ التابعة للهلال الأحمر إن 12 شخصا على الأقل أصيبوا في هذه الهجمات.
وفي الوقت نفسه، نفذت القوات الإسرائيلية هجوما عسكريا في منطقة أخرى بالضفة الغربية، وقال الجيش إنها جاءت ردا على رشق سيارات إسرائيلية بعبوات حارقة. وأضاف أنه تم القبض على عدد من المشتبه بهم الفلسطينيين لاستجوابهم. كما أظهر تسجيل فيديو متداول عبر الإنترنت عشرات الأشخاص وهم يسيرون في الشوارع.
والثلاثاء الماضي أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة في مدينة جنين ومخيمها بشمال الضفة الغربية أطلق عليها "الجدار الحديدي"، حيث اعتاد الجيش اقتحامهما والاشتباك مع المسلحين الفلسطينيين فيهما خلال السنوات الأخيرة، وحتى قبل هجوم حركة حماس ضد مستوطنات وقواعد غلاف غزة يوم 7 أكتوبر 2023 الذي فجر حرب غزة الأخيرة التي استمرت حوالي 15 شهرا.
ولقي تسعة فلسطينيين على الأقل حتفهم، بينهم فتى عمره 16 عاما وأصيب حوالي 40 آخرون في الهجوم الإسرائيلي، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفذ ضربات جوية وفكك قنابل أرضية وقتل 10 مسلحين، دون أن يوضح ما يعنيه ذلك.
كما كشف السكان الفلسطينيون عن تزايد نقاط التفتيش والحواجز الأمنية الإسرائيلية في مختلف أنحاء الضفة الغربية وهو ما يزيد صعوبة حياتهم.
وفي الوقت نفسه، تقول إسرائيل إن التهديدات التي تشنها في الضفة الغربية ضد مواطنيها في تزايد. ففي وقت سابق من هذا الشهر، أطلق مسلحون فلسطينيون النار على سائقي السيارات هناك، مما أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، من بينهم امرأتان في السبعينيات من العمر. وأثار هذا الهجوم دعوات من جانب زعماء المستوطنين إلى اتخاذ إجراءات صارمة في المنطقة.
ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عملية جنين بأنها جزء من صراع إسرائيل الأوسع ضد إيران وحلفائها المسلحين في جميع أنحاء المنطقة، قائلا "سنضرب أذرع الأخطبوط حتى تنكسر".
وفي المقابل ينظر الفلسطينيون إلى مثل هذه العمليات العسكرية وتوسيع المستوطنات وسيلة لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة التي يعيش فيها حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني تحت احتلال إسرائيلي يبدو بلا نهاية، مع إدارة السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب للمدن والبلدات.
وترى منظمات حقوق الإنسان الدولية البارزة الاحتلال الإسرائيلي للضفة شكلا من أشكال الفصل العنصري حيث يتمتع أكثر من 500 ألف مستوطن يهودي بكل الحقوق التي تضمنها الجنسية الإسرائيلية، وهو ما تنفيه إسرائيل.
ويحاول نتنياهو جاهدا إخماد تمرد شركائه في الائتلاف الحاكم من القوميين المتطرفين منذ موافقته على وقف إطلاق النار في غزة، حيث ينص الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من معظم أنحاء القطاع وإطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين ــ بما في ذلك مسلحون مدانون بالقتل، مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين الذين اختطفهم المسلحون الفلسطينيون في هجوم 7 أكتوبر 2023.
وقد استقال أحد أعضاء التحالف إيتمار بن غفير من الحكومة احتجاجا على وقف إطلاق النار، في حين هدد وزير المالية بتسائيل سموتريتش بالاستقالة إذا لم تستأنف إسرائيل الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في أوائل مارس المقبل.
ويريد اليمين المتطرف المشارك في الحكومة من إسرائيل ضم الضفة الغربية وإعادة بناء المستوطنات في غزة، مع تشجيع أكبر عدد من الفلسطينيين على ما يسمونها بالهجرة الطوعية من فلسطين.
ولا يزال نتنياهو يتمتع بأغلبية برلمانية بعد استقالة بن غفير، لكن خسارة سموتريتش - الذي يشغل أيضا منصب الحاكم الفعلي للضفة الغربية - من شأنها أن تضعف ائتلافه بشدة ومن المرجح أن تؤدي إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل.
وقد يعني هذا نهاية 16 عاما من حكم نتنياهو المتواصل تقريبا، مما يجعله أكثر عرضة لاتهامات الفساد المستمرة منذ فترة طويلة والتحقيق العام المتوقع في فشل إسرائيل في منع هجوم السابع من أكتوبر.
كما أن عودة ترامب ربما تطلق يد المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وكذلك يمكن أن تؤدي عودته إلى إعطاء قبلة حياة محتملة لنتنياهو.
فقد أحاط ترامب الذي منح إسرائيل دعما غير مسبوق خلال فترة حكمه الأولى، نفسه في ولايته الجديدة بمساعدين يدعمون الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وبعضهم يؤيد مزاعم المستوطنين بشأن الحق التوراتي لهم في الضفة الغربية، في حين يعتبر المجتمع الدولي بأغلبية ساحقة هذه المستوطنات غير مشروعة.
وكانت العقوبات، التي لم يكن لها تأثير يذكر، واحدة من الخطوات الملموسة القليلة التي اتخذتها إدارة بايدن في معارضة الحليف الوثيق للولايات المتحدة، حتى مع تقديمها مليارات الدولارات من الدعم العسكري لحملة إسرائيل في غزة، والتي كانت من بين الأكثر دموية وتدميراً منذ عقود.
وفي حين يدعي ترامب أنه صاحب الفضل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في الأيام الأخيرة لحكم سلفه بايدن، فإنه قال في وقت سابق من الأسبوع الحالي أنه "غير واثق" في إمكانية استمرار وقف إطلاق النار مشيرا إلى احتمال منح إسرائيل حرية استئناف الحرب في القطاع بقوله "إنها ليست حربنا، إنها حربهم".