لماذا خفض الفائدة الأميركية مهم للأسواق العالمية

التيسير النقدي سينعش الأعمال ويخفف قوة الدولار.
الثلاثاء 2024/09/17
تركيز كلي على الهدف

يترقب المحللون انعكاسات بدء دورة تيسير السياسة النقدية الأميركية على الاقتصاد العالمي في رحلة طويلة لتخفيف الضغوط، بعدما خنقت أسعار الفائدة المرتفعة الأسواق على مدار أكثر من عامين حتى باتت أكثر هشاشة، وأفرزت خاسرين أكثر من الرابحين.

نيويورك – سيشهد الاقتصاد العالمي هذا الأسبوع تحولا عندما يقرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) خفض الفائدة الأربعاء بعد توقعات واسعة النطاق، وهو أول تحرك هبوطي منذ أربع سنوات، وهو تحرك سيتردد صداه خارج الولايات المتحدة.

وتظل الخطوة الأولى ومقياس التيسير النقدي الشامل محل نقاش، فيما تشكل الانتخابات الأميركية الوشيكة عامل تعقيد آخر للمستثمرين العالميين وواضعي السياسات الذين يتطلعون إلى توجيه من الاحتياطي الفيدرالي ويعلقون آمالهم على هبوط اقتصادي ناعم.

وقال كينيث بروكس، رئيس أبحاث الشركات والصرف الأجنبي والأسعار في سوسيتيه جنرال، لرويترز “لا نعرف بعد أي نوع من الدورات النقدية ستكون هذه الدورة”. وأضاف متسائلا “هل ستكون مثل عام 1995 عندما كانت هناك تخفيضات بمقدار 75 نقطة أساس فقط أو 2007 – 2008، عندما كانت هناك 500 نقطة أساس”.

وفي الربيع الماضي، مع إثبات التضخم في السوق الأميركية أنه أكثر ثباتا من المتوقع، تساءل المستثمرون عن مدى قدرة آخرين مثل البنك المركزي الأوروبي أو المركزي الكندي على خفض الفائدة إذا ظل الاحتياطي الفيدرالي ثابتا هذا العام قبل أن تضعف عملاتهم كثيرا، مما يزيد من ضغوط الأسعار.

كينيث بروكس: لا نعرف بعد أي نوع من الدورات النقدية ستكون هذه الدورة
كينيث بروكس: لا نعرف بعد أي نوع من الدورات النقدية ستكون هذه الدورة

وأخيرا، يريح بدء التخفيضات الأميركية المناطق التي تواجه اقتصادات أضعف من الولايات المتحدة. وأضاف المتداولون إلى الرهانات على خفض الفائدة من قبل البنوك المركزية الأخرى مع نمو توقعات تخفيف السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤخرا.

ومع ذلك، فإنهم يقدرون تخفيضات أقل في أوروبا مقارنة ببنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث يبدو البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا المركزي أكثر يقظة بشأن مخاطر التضخم المتبقية.

ويقول المحللون إن الثقة في بدء تخفيضات بنك الاحتياطي الفيدرالي هي نعمة لأسواق السندات العالمية التي تتحرك غالبا في خطوة واحدة مع سندات الخزانة.

وعائدات السندات الحكومية الأميركية والألمانية والبريطانية جاهزة لأول انخفاض ربع سنوي لها منذ نهاية عام 2023، عندما كان من المتوقع حدوث تحول في بنك الاحتياطي الفيدرالي.

وقد تمنح أسعار الفائدة الأميركية المنخفضة البنوك المركزية في الأسواق الناشئة مساحة أكبر للمناورة لتخفيف الضغوط ودعم النمو المحلي.

وبدأ حوالي نصف عينة الأسواق الناشئة الثماني عشرة التي تتبعها رويترز بالفعل في خفض الفائدة في هذه الدورة، متقدمة على بنك الاحتياطي الفيدرالي، مع تركيز جهود التخفيف في أميركا اللاتينية وأوروبا الناشئة.

لكن التقلبات الاقتصادية العالمية والتوترات الجيوسياسية وعدم اليقين بشأن الانتخابات الرئاسية الأميركية يخيم على التوقعات، مما يجعل الأمور في دائرة من الضبابية.

وقالت ترانغ نغوين، رئيس إستراتيجية الائتمان العالمية للأسواق الناشئة في بنك بي.أن.بي باريبا الفرنسي، “سيكون للانتخابات الأميركية تأثير كبير على هذا لأنها، اعتمادا على السياسات المالية المختلفة، تعقد حقا دورة التخفيض”. وأضافت لرويترز “قد نشهد المزيد من الإجراءات الغريبة بين البنوك المركزية على خلفية ذلك”.

وربما تشعر الاقتصادات التي تأمل أن تؤدي تخفيضات أسعار الفائدة الأميركية إلى إضعاف الدولار القوي بشكل أكبر، ورفع عملاتها، بخيبة أمل. ويلاحظ بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان أن الدولار تعزز بعد أول خفض من الاحتياطي الفيدرالي في ثلاث من الدورات الأربع الأخيرة.

وأكد محللو البنك في مذكرة أن مستقبل الدولار سيكون مدفوعا إلى حد كبير بمكانة أسعار الفائدة الأميركية مقارنة بالدول الأخرى. وتشير استطلاعات رويترز إلى أن الين والفرنك السويسري، باعتبارهما عملتين آمنتين، قد يشهدان انخفاض خصوماتهما على أسعار الفائدة الأميركية إلى النصف تقريبا بحلول نهاية 2025.

في المقابل سيكتسب الجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي ميزة هامشية في العائد على الدولار، وقد ينعكس التحسن أيضا على عملات بعض الدول العربية، باستثناء تلك التي تربط عملاتها بالدولار الأميركي.

وقادت الاقتصادات الآسيوية الأسواق في طليعة تخفيضات الفائدة الأميركية، مع ارتفاع الوون الكوري والبات التايلاندي والرينغيت الماليزي خلال شهري يوليو وأغسطس. كما محا اليوان الصيني الخسائر التي تكبدها منذ بداية 2024 الدولار الأميركي.

ويعتقد محللو أسواق المال أن الدولار ما لم يصبح عملة منخفضة العائد حقا، فإنه سيستمر في الاحتفاظ بجاذبيته بين المستثمرين غير الأميركيين. وقد يستأنف ارتفاع الأسهم العالمية، الذي تعثر مؤخرا بسبب مخاوف النمو، إذا عززت الفائدة الأميركية المنخفضة النشاط الاقتصادي وساعدت في تجنب الركود.

ترانغ نغوين: للانتخابات الأميركية تأثير على السياسات المالية المختلفة
ترانغ نغوين: للانتخابات الأميركية تأثير على السياسات المالية المختلفة

وانخفضت الأسهم العالمية بأكثر من 6 في المئة في ثلاثة أيام خلال مطلع أغسطس الماضي، في أعقاب بيانات الوظائف الأميركية الضعيفة.

وقال إيمانويل كاو، رئيس إستراتيجية الأسهم الأوروبية في بنك باركليز، ومقره لندن، “دائما ما تكون هناك سوق متذبذبة حول الخفض الأول لأن السوق تتساءل عن سبب خفض البنوك المركزية لأسعار الفائدة”.

وأضاف “إذا كان هناك خفض الفائدة دون ركود، وهو السيناريو الذي يحدث في منتصف الدورة، فإن الأسواق عادة ما تميل إلى الارتفاع”، موضحا أن البنوك تفضل القطاعات المستفيدة من انخفاض أسعار الفائدة، مثل العقارات والمرافق.

ومن المفترض أن يكون الهبوط الناعم في الولايات المتحدة مفيدا في آسيا، رغم أن مؤشر نيكاي انخفض بأكثر من 10 في المئة عن أعلى مستوى قياسي له في يوليو بسبب ارتفاع الين وارتفاع الفائدة في اليابان.

وفي السلع الأساسية، ينبغي أن تستفيد المعادن الثمينة والأساسية مثل النحاس من تخفيضات الفائدة الأميركية، وبالنسبة للأخير فإن توقعات الطلب والهبوط الناعم هما العاملان الرئيسيان.

وقد تؤدي الفائدة المنخفضة وضعف الدولار، الذي لا يقلل فقط من التكلفة البديلة للاحتفاظ بالمعادن، ولكن أيضا شرائها لأولئك الذين يستخدمون عملات أخرى، إلى تغذية الزخم.

وقال إحسان خومان من ميتسوبيشي يو.أف.جي “كانت الفائدة المرتفعة بمثابة رياح معاكسة حاسمة للمعادن الأساسية، مما أدى إلى تشويه الطلب المادي السلبي بشكل كبير من خلال تقليص المخزونات والضغط على قطاعات الطلب النهائي المكثف لرأس المال”.

وقد تكسب المعادن الثمينة أيضا، فالذهب، الذي عادة ما تكون له علاقة سلبية بالعائدات، حيث أن معظم الطلب لأغراض الاستثمار، يتفوق عادة على المعادن الأخرى أثناء خفض أسعار الفائدة.

وقال جون ريد من مجلس الذهب العالمي إن المعدن النفيس “عند مستويات مرتفعة قياسية، لكن يجب على المستثمرين توخي الحذر”. وأوضح ريد، وهو خبير إستراتيجي في السوق، أن المضاربين في أسواق العقود الآجلة للذهب في بورصة كومكس مستعدون لهذا، وقد يكون الأمر عبارة عن شراء الشائعة وبيع الحقيقة.

10