لماذا تفتك الأسلحة "غير الفتاكة" بالمتظاهرين حول العالم

أجهزة الشرطة تملك مجموعة واسعة من الأسلحة والأدوات التي رغم أنها تسمى أقل فتكا إلا أنها تتسبب بجروح خطرة أو حتى الموت.
الجمعة 2020/08/21
استخدام مفرط للقوة

نيقوسيا - غالبا ما تستخدم شرطة مكافحة الشغب من بيروت وبغداد وصولا إلى هونغ كونغ ومينسك ما يسمى بالأسلحة “غير الفتاكة” للسيطرة على الحشود خلال الاحتجاجات، لكن لمَ يستمر سقوط قتلى في صفوف المتظاهرين وإصابة بعضهم بتشوهات جراء هذه الأسلحة؟

ومع تزايد التظاهرات في مدن العالم، دقت المنظمات الحقوقية ناقوس الخطر حول استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وبنادق الخردق وغيرها من الأسلحة التي ننتج عنها إصابات خطرة تؤدي أحيانا إلى الوفاة.

وتعتبر هذه الأسلحة بمثابة بديل عن الذخيرة الحية بالنسبة إلى عناصر الشرطة حين يهاجمهم المتظاهرون أو يقذفونهم بالحجارة والزجاجات وقنابل المولوتوف الحارقة والألعاب النارية أو يحاولون إعماءهم بأشعة الليزر.

لكن الاستخدام المفرط والخبيث لهذه الأسلحة، ليس فقط في الدول والأنظمة الاستبدادية، أعطى منذ فترة طويلة أدوات السيطرة هذه توصيفا رسميا هو “الأسلحة الأقل فتكا”.

وتتضمن ترسانة هذه الأسلحة والأدوات الهراوات والدروع والأصفاد والمواد الكيميائية المسببة للالتهابات وأجهزة الصدمات الكهربائية والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية وخراطيم المياه وأجهزة صوت مرتفعة جدا.

وأورد تقرير لمنظمة العفو الدولية أن قوات الشرطة “تملك مجموعة واسعة من الأسلحة والأدوات التي رغم أنها تسمى أقل فتكا إلا أنها تتسبب بجروح خطرة أو حتى الموت”.

الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وبنادق الخردق وغيرها من الأسلحة تنتج عنها إصابات خطرة تؤدي أحيانا إلى الوفاة

وقال المتخصص في المنظمة مارك مارتشينسكي في تقرير عام 2015 حول الموضوع “بعض الأدوات التي فحصناها توازي ما يستخدم في غرف التعذيب ويجب حظرها تماما”.

وفي العراق الذي شهد موجة احتجاجات واسعة مناهضة للحكومة بدأت العام الماضي، قُتل العشرات من المتظاهرين بقنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقت عليهم مباشرة.

فصدمات القنابل القوية على العيون والرؤوس والصدور تسببت بمقتلهم لأن القوات الأمنية أطلقتها من مسافات قريبة وبمسارات مباشرة وليس إلى الأعلى كما يفترض.

ووثقت منظمة العفو الدولية أن العديد من هذه الوفيات نتجت عن قنابل غاز مسيل للدموع وأخرى دخانية مصنّعة على غرار القنابل العسكرية مصدرها صربيا وإيران، وهي تكون أثقل بنحو 10 أضعاف مقارنة بالقنابل العادية.

وقالت لين معلوف، مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية “في حالات متعددة، اخترقت القنابل جماجم الضحايا، ما أدى إلى جروح مروّعة أو إلى حدوث الموت” ورصدت منظمة هيومن رايتس ووتش إصابات بليغة مشابهة في التظاهرات التي هزت العاصمة اللبنانية بيروت بعد انفجار مرفأ المدينة في  الـ4 من أغسطس الذي أدى إلى هدم بعض أحيائها ومقتل 181 شخصا.

وقالت المنظمة إنها لاحظت “قوات أمنية تطلق قنابل مسيلة للدموع مباشرة على رؤوس المتظاهرين في انتهاك للمعايير الدولية، ما أدى إلى إصابة البعض بجروح بليغة”.

كما كان رجال الأمن يضربون المتظاهرين بالهراوات و”يطلقون الرصاص المطاطي والخردق بشكل عشوائي”، وفق منشور في مدونة للمنظمة.

وأضافت أنها “راقبت الاحتجاجات السلمية إلى حد كبير في الـ8 من أغسطس، حيث تم إطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والخرطوش على الحشود بشكل عشوائي”.

وسجّلت في أماكن أخرى وفيات جراء الرصاص المطاطي الذي يعود استخدامه للمرة الأولى إلى الجيش البريطاني في إيرلندا الشمالية قبل خمسين عاما.

وفقد متظاهرون أعينهم في تظاهرات السترات الصفر الفرنسية، والاحتجاجات الفلسطينية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وكذلك في الاضطرابات التي أعقبت مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة.

فقوة هذه الذخيرة المصممة لتصطدم بالأرض وتنعكس على أرجل المتظاهرين قادرة على تحطيم العظم وتمزيق الأوعية الدموية والتسبب بنزيف داخلي للمصاب عندما تطلق بشكل مباشر.

أدوات الحماية أيضا حاضرة في المظاهرات
أدوات الحماية أيضا حاضرة في المظاهرات

الجراح اللبناني ووزير الصحة السابق محمد جواد خليفة ذكر في تغريدة أن مستشفى واحدا في بيروت أجرى سبع عمليات لمتظاهرين أصيبوا في أعينهم إضافة إلى معالجة “طحال منفجر بالبطن” بعد ليلة من التظاهرات هذا الشهر.

وقالت منظمة العفو الدولية إن استخدام القوات الأمنية العشوائي للعديد من هذه المقذوفات “ليس شرعيا”، وحضت على حظر الرصاص المعدني المغلف بالمطاط. وأشارت المنظمة إلى أن الغاز المسيل للدموع يصبح مؤذيا جدا عند إطلاقه بكميات كبيرة، أو في أماكن مغلقة أو عندما يثير الذعر بين الأشخاص ويؤدي إلى تدافع.

وبينما يتعافى معظم الأشخاص من آثار الغاز المسيل للدموع التي تشمل حروق الجلد وتدفق الدموع وصعوبة التنفس، إلا أن الأطفال والحوامل ومرضى الربو وكبار السن معرضون لخطر أكبر بكثير.

وتشجع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة حول استخدام القوة والأسلحة الدول على تطوير أسلحة أقل فتكا لإفساح المجال أمام استخدام “تدريجي” للقوة.

كما أقرت منظمة العفو الدولية بأن الأسلحة الأقل فتكا يمكن أن تقلل من خطر الموت أو الإصابة من جميع الجوانب عند استخدامها بشكل مسؤول من قبل قوات أمنية “مدربة بشكل جيد”.

لكنها حذرت من أنه في الكثير من البلدان “يرتكب مسؤولو إنفاذ القانون مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان باستخدام مثل هذه المعدات، بينها التعذيب والمعاملة السيئة أثناء الاحتجاز، فضلا عن الاستخدام المفرط والتعسفي وغير الضروري للقوة ضد المتظاهرين”.

7