لماذا تعثرت الحرب على الإرهاب
في أقل من 100 يوم في صيف عام 2014، شن تنظيم الدولة الإسلامية حربا خاطفة في العراق وانهارت حكومة ليبيا، واجتاحت الحرب الأهلية اليمن، وقصفت القوات الإسرائيلية قطاع غزة، وجددت روسيا الحرب الباردة وأصبحت إيران بحكم الأمر الواقع حليفة للولايات المتحدة في العراق.
ومنذ عام 2015، شن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات إرهابية ضخمة في باريس وبروكسل، مكذّبا الحجة التي تركز على اقتصار نشاطه على محاربة المسلمين الشيعة في الشرق الأوسط. وكتب ديفيد كيلكولن في كتابه “عام الدم: تفكيك مكافحة الإرهاب الغربية” أن “ثلاثة عشر عاما، وآلاف الأرواح ومليارات الدولارات بعد 11/9، لم تحقق أي تقدم في الحرب على الإرهاب الذي يبدو أنه تم اكتساحه في غضون أسابيع”.
كان كيلكولن ضابطا في الجيش الأسترالي، وخدم في أفغانستان والعراق وتم انتدابه ليصبح كبير الاستراتيجيين في مكتب وزارة الخارجية الأميركية لمكافحة الإرهاب. وغاص بعمق في نظرية مكافحة التمرد خلال “التحطم البطيء لهذا القطار الضخم”. يتميز كيلكولن بسعة الاطلاع ويروي قصة تقشعر لها الأبدان. كتابه أقل من أن يقدم لمحة عن فساد تنظيم الدولة الإسلامية ولكن، كجندي صالح، قال إنه حاول أن يضع إصبعه على الداء. وفي رأيه، يعتبر كليكولن أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003، في فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن كان “أكبر عبث استراتيجي منذ غزو هتلر لروسيا”.
بعد خمسة عشر عاما على أحداث 11 سبتمبر أصبحنا قريبين من نهاية الحرب على الإرهاب. كتب كيلكولن حينها أن الهجمات المتكررة في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وأفريقيا تؤكد “الحاجة إلى محادثة صادقة حول مخاطر الهجرة الضخمة (خصوصا الهجرة غير الشرعية) من مناطق الحرب، والأخطار التي تشكلها المجتمعات المهمشة، وغير المتكاملة ضمن الديمقراطيات الغربية”.
تهديد “التطرف البعيد”، وهي العملية التي يستغل الإرهابيون فيها الوسائل الإلكترونية لبث العنف في المجتمعات من خلال تعبئة أفراد يشعرون بالغبن، مستغلين العديد من الاحتياطات الخاطئة لأجهزة المخابرات.
نحن نقلل من قدرة شبكات الجريمة المنظمة وعصابات الشوارع وتجار المخدرات في أوروبا والولايات المتحدة على استيراد التقنيات والأدوات التكنولوجية، مثل تقنيات “التربص الحضري”، من العراق وأفغانستان “وهو ما خلق تقاربا متزايدا بين الجريمة والحرب، وهو شيء يسميه المحللون المتخصصون في العمليات الخاصة بالمنطقة الرمادية”.
يقول كيلكولن إننا لا ينبغي أبدا أن نذهب إلى العراق بمهمة غير مكتملة في أفغانستان. عندما تم انتداب كيلكولن للعمل مع الجنرال الأميركي ديفيد بتريوس في الفترة ما بين 2007 و2008 في العراق، وهي الفترة التي شهدت إعادة الأمن إلى المجتمع الذي دمره غزو الولايات المتحدة بعد عام 2003، شهد هزيمة تنظيم القاعدة بفضل تحييد مقاتلي العشائر السنية.
لكن للأسف، كان نوري المالكي، رئيس الوزراء الشيعي للعراق محميا من إيران والولايات المتحدة، ويعتمد سياسة طائفية باستمرار ضد السنة، مما سمح لبقايا تنظيم القاعدة والضباط العراقيين السابقين بالظهور من جديد كتهديد أكثر فتكا في شكل تنظيم الدولة الإسلامية.
وكتب كيلكولن أنه رغم انتخابه بناء على تعهد بإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، غادر الرئيس الأميركي باراك أوباما العراق مبكرا على نحو غير مسؤول.
وقال في كتابه إنه تم استبدال “المتهور” بوش بـ”العقيم” أوباما، وفشل هذا الأخير في احترام الخط الأحمر الذي وضعه لنفسه، ومعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد بعد أن هاجمت القوات السورية جيوب المتمردين باستخدام غاز الأعصاب في عام 2013، وقلص دور أميركا في المنطقة لصالح تنظيم الدولة الإسلامية الذي اقتحم العراق مجددا، وهو ما عرض نفوذا كبيرا على روسيا النشطة.
وفي كتاب “تاريخ الدولة الإسلامية” قدم فواز جرجس، أكثر نسيج سياسي يفسر كيف ظهرت الدولة الإسلامية جراء الفوضى السائدة في العراق، وكيف عززها “الربيع العربي” بشكل كبير، وكيف استولت على قيادة الحركة الجهادية من تنظيم القاعدة. فنجاح تنظيم الدولة الإسلامية واضح من بين العديد من أعراض الأزمة العضوية الحادة لأنظمة الحكم العربية، وعلى مستوى آخر، هو أحد مظاهر عقود من فشل السياسات التنموية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما أدى إلى التفقير الاجتماعي والاقتصادي لتلك المجتمعات. وقال جرجس إن النجاح ناتج عن التدخل الغربي المستمر في الشؤون الداخلية للمنطقة طيلة قرنين من الزمن.
يشكل تنظيم الدولة الإسلامية تهديدا على المدى الطويل للمنطقة والعالم الخارجي، حيث أنه يسيطر على مساحة واسعة في العراق وسوريا، يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة، ويملك جيشا قوامه أكثر من 30 ألف مقاتل، كما أنه نجح في استقطاب الآلاف من المجندين من 90 دولة.
وكتب جرجس أن شموليته الشديدة، حتى مع حلفائه وعقوباته الاستثنائية للأقليات الدينية وتجارته بالجنس، تشير كلها إلى محاولة إعادة بناء الهوية السنية، والتي يمكن أن تؤدي إلى المزيد من العنف. تبدو أيديولوجيا التنظيم ومعاركه واستراتيجيته واضحة في سياق تعقيدات السياسات الجهادية المتشددة.
زميل مشارك في مركز برشلونة للشؤون الدولية
عن صحيفة العرب ويكلي