لماذا أوبك+ على حق ووكالة الطاقة الدولية على خطأ

عاملان رئيسيان غالبا ما يتم تجاهلهما في توقعات الطلب على النفط هما نمو الطبقة الوسطى في الاقتصادات الناشئة وطلب الذكاء الاصطناعي المتزايد على الطاقة كما يقول ديفيد ميسلر في هذا المقال الذي نشره موقع أويل برايس.
من الشائع رؤية تقديرات لنقطة يبدأ عندها الطلب على الوقود القائم على البترول في الانخفاض على المدى القريب نسبيا. المصطلح الذي يستخدم غالبا لوصف “نقطة التحول” هذه هو ذروة الطلب على النفط. عندما أقول “على المدى القريب”، أعني قاب قوسين أو أدنى، إذا نظرت إلى تقدير نشرته وكالة الطاقة الدولية في العام الماضي، وهي وكالة حكومية دولية مقرها في باريس، تأسست بعد الحظر النفطي لعام 1973 للمساعدة في التخفيف من الصدمات النفطية في المستقبل.
وقد وسعت هذه الوكالة مهمتها إلى اختصاص أشمل إلى حد ما على مر السنين منذ ذلك الوقت، وليس الغرض من هذه المقالة تفصيل جميع مساعيها. ومن بين الأدوار التي سنسلط الضوء عليها الدور الذي تلعبه في قياس وتقديم المشورة للحكومات الأعضاء بشأن أمن الطاقة ومصادر الطاقة للسنوات القادمة.
وبهذه الصفة، استقرت وكالة الطاقة الدولية في تقرير بعنوان “نفط 2023”، نشر العام الماضي، على عام 2028 باعتباره العام الذي سيبدأ فيه استخدام الوقود البترولي في الانخفاض.
”من المتوقع أن يتباطأ نمو الطلب العالمي على النفط ليصل إلى التوقف تقريبا في السنوات المقبلة، مع ارتفاع الأسعار ومخاوف أمن العرض التي أبرزتها أزمة الطاقة العالمية التي تسرع التحول نحو تقنيات الطاقة النظيفة” وفقا لتقرير جديد لوكالة الطاقة الدولية.
ويشاطرها هذا الرأي إلى حد كبير، لاسيما في ما يتعلق بوقود المحركات السائل، وكالات ومنظمات أخرى تصدر تقديرات بعيدة المدى. وكالة معلومات الطاقة الأميركية، مثلا، ترى أن الطلب على الوقود السائل سيتراجع بسرعة في ثلاثينات القرن الواحد والعشرين، حيث تنتزع السيارات الكهربائية حصة أكبر من السوق. سوف نسمي حال تراجع على الطلب بمرحلة “الدب” أي الابتعاد عن شراء الوقود السائل.
وكما قد تتوقع، فإن منظمة الدول المصدرة للنفط – أوبك، لا تتفق مع هذا الرأي. في الواقع في تقريرها الأخير حول توقعات الطلب على النفط، الذي نشر في نوفمبر 2023، ترى أن الطلب على النفط بجميع أنواعه، باستثناء توليد الكهرباء، سيرتفع من 105 ملايين برميل نفط يوميا عام 2025، إلى 116 مليون برميل نفط يوميا عام 2045. وتظهر هذه التوقعات أن استخدام النفط كوقود على الطرق سيكون أكبر مصدر لزيادة الطلب خلال هذه الفترة.
ويشير التقرير إلى أن “الاختلاف بين توقعات وكالة الطاقة الدولية وأوبك يرجع إلى حد كبير إلى الافتراضات المتعلقة بالسرعة التي سيتم بها استبدال مركبات محركات الاحتراق الداخلي بالسيارات الكهربائية”.
الأمر المثير للاهتمام هو أنه من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، رؤية اتجاه إنتاج أساسي من شأنه أن يدعم حالة “الدب”، أي الابتعاد عن الطلب. في الولايات المتحدة، نضخ بمعدل يزيد عن 13.2 مليون برميل يوميا ونستورد 6.7 مليون برميل إضافية يوميا لإشباع احتياجاتنا اليومية التي تبلغ 22 مليون برميل تقريبا.
وتتوقع وكالة معلومات الطاقة الأميركية – EIA في توقعاتها الشهرية للطاقة على المدى القصير – STEO أنه بحلول نهاية عام 2025، سيكون الإنتاج والطلب العالميان في توازن ضيق إلى حد ما عند 105 ملايين برميل نفط في اليوم. هذا بالتأكيد ليس اتجاها طويل الأجل، ولكن كما يقال غالبا، يتكون الاتجاه طويل الأجل من مجموعة من الاتجاهات قصيرة الأجل. من ناحيتي، أود أن أقول إن خط اتجاه الطاقة على المدى القصير يتطابق مع تقديرات أوبك بشكل أوثق من الآخرين.
الافتراضان لا يمكن أن يكونا صحيحين في نفس الوقت.. فما هو الافتراض الصحيح حول الطلب على النفط مستقبلا أم أن كلاهما مخطئ؟ وما هما العاملان اللذان لا تأخذهما هاتان النظرتان المتباينتان للطلب على النفط في الاعتبار؟
تكمن الإجابة الأولى في كيفية تفسير نمو الطبقة المتوسطة في الصين والهند وأفريقيا من حيث الطلب على الطاقة والشكل النهائي الذي سيتخذه. والثانية هي ظهور الطلب على الطاقة للذكاء الاصطناعي، وهو مصدر جديد تماما للطلب بدأ للتو في الظهور.
العالم الذي نعيش فيه اليوم والذي من المحتمل أن يكون موجودا في منتصف القرن، يعمل على النفط
سبق أن ناقشت إحدى النتائج المحتملة لهذا الطلب على الغاز الطبيعي الأميركي في مقال نشر في مارس 2024.
ولكي أكون واضحا، أنا لا أزعم أن طلب الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل مباشر على الطلب على النفط الخام كمصدر أساسي. ويأخذ معظم المحللين في الاعتبار مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي لتلبية طلب الذكاء الاصطناعي. ما سيؤثر على الطلب على خام غرب تكساس الوسيط وسلال النفط الخام الأخرى هو العلاقة بإنتاج النفط الخفيف في الولايات المتحدة والغاز المصاحب الذي يتم إنتاجه معه. سنترك هذه المناقشة لمقال مستقبلي ونعيد التركيز على موضوعنا الأساسي. ما هو حجم الطلب على النفط في الواقع عند حساب النمو في الطبقات الدنيا المحرومة حاليا ولكن الطموحة صعودا؟
ثم هناك قضية “الثور”، الإقبال على شراء النفط. ناقش أرجون مورتي، معلق الطاقة المعروف والشريك في شركة تحليل الطاقة Veriten، ومحلل سابق للطاقة في غولدمان ساش، الطلب المستقبلي على الطاقة في بودكاست حديث على مدونته Super – Spiked في الحلقة التي تحمل عنوان “الجميع أغنياء”، يفترض أرجون ما سيكون عليه التأثير على الطلب العالمي على الطاقة إذا كان الجميع أغنياء بالطاقة مثل “المحظوظين” الـ 1.2 مليار شخص الذين يعيشون في العالم الغربي. وبشكل أكثر تحديدا، يسأل أرجون عما يعنيه أن يتمتع 7 مليارات شخص آخرين في الصين والهند وآسيا وأفريقيا بأسلوب الحياة الذي يتمتع به الأميركيون والكنديون والأوروبيون وعدد قليل من البلدان الأخرى. الجواب الذي يصل إليه هو 250 مليون برميل من النفط يوميا!
أين نحن الآن؟ تستهلك الولايات المتحدة 22 برميلا من النفط سنويا للفرد، بينما تستهلك الصين 3.7 برميل للفرد. ويستهلك الهنود 1.3 برميل فقط سنويا. هذه فجوة واسعة جدا، وكما يلاحظ أرجون، “النمو الاقتصادي ونمو الطاقة هما نفس الشيء. لا تحصل على نمو اقتصادي بدون طاقة كافية”.
إحدى الحجج التي طرحها فريق ذروة النفط هي أن نمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) واستبدال الطاقة سينحني متبعا منحنى الطلب على النفط، كما لوحظ في عام 2030، وهذا يعني غروب الوقود الأحفوري. يشير أرجون إلى أنه ببساطة لا يوجد دليل على حدوث ذلك باستخدام البيانات التي جمعها غولدمان ساكس خلال عام 2019. إن مكاسب الكفاءة لا تقلل أبدا من كمية الطاقة اللازمة لإنتاج دولار إضافي من الناتج المحلي الإجمالي. لسد هذه الفجوة وتحقيق النمو، تحتاج إلى المزيد من مدخلات الطاقة.. نفط.
250
مليون برميل نفط يحتاجها العالم يوميا إذا تمتع 7 مليار شخص بأسلوب حياة الأميركيين
بالنظر إلى حسابات أرجون، والذي يستخدم الصين كمثال، يمكننا أن نرى مع الطلب الحالي البالغ 3.7 برميل للفرد، وهو ما يعادل حوالي 15 مليون برميل نفط يوميا، مع إضافة 10 براميل سنويا إلى النمو في الطبقة الوسطى، يمكنك الوصول إلى 35 مليون برميل يوميا لتلبية الطلب الصيني على الطاقة. حتى لو حققت الصين انتقال 100 في المئة للسيارت الكهربائية، وهو أمر لا يعتقد أرجون (أو أنا) أنه ممكن، فلا يزال لدينا 27 مليون برميل نفط يوميا من الطلب على النفط. وفقا لـSP Global China، تنتج الصين حوالي 4.1 مليون برميل يوميا، تاركة فجوة تبلغ حوالي 11 مليون برميل يوميا يجب استيرادها لتلبية الطلب الحالي.
نقطة تقودني إلى ما أشار إليه أرجون على أنه محدد الطلب النهائي ولماذا، على الرغم من أن البلدان التي ترغب في زيادة استخدامها للنفط قد لا تكون قادرة على القيام بذلك. الحدود الجيوسياسية للواردات. نقلا عن أرجون، “لا توجد سابقة للبلدان التي تستورد 20 – 30 مليون برميل يوميا لتلبية احتياجاتها من الطاقة. كانت الولايات المتحدة، قبل ظهور إنتاج الصخر الزيتي، تستورد أكثر من 10 ملم برميل نفط في اليوم حتى عام 2005. هذا ما نعرف أنه ممكن.
وتجدر الإشارة إلى أن الهند في وضع مماثل، ولكي تفي بمعيار أرجون البالغ 10 براميل للفرد الواحد لكونها غنية، يجب عليها استيراد 35 – 45 ملم BOPD. نحن فقط لا نعرف ما إذا كان يمكن القيام بذلك من الناحية اللوجستية والقدرة المطلقة على أساس التوريد. هذا مع العلم أن إنتاج النفط العالمي زاد فقط حوالي 3 ملايين برميل نفط يوميا منذ عام 2019. ولكي يصبح فقراء العالم أكثر ثراء، فلا بد من طرح قدر كبير من النفط في الأسواق.
غالبا ما تضيع رسالة نمو الطبقة الوسطى على مستوى العالم في الوهج المستمر لتغير المناخ وضجيج انتقال الطاقة. تبقى الحقيقة أن العالم الذي نعيش فيه اليوم والذي من المحتمل أن يكون موجودا في منتصف القرن، يعمل على النفط.
إن الفكرة القائلة بأن العالم يمكن أن ينتقل بسرعة وبدون ألم إلى أشكال أخرى من الطاقة قد طورت بعض، ليس الثقوب، ولكن الحفر الهائلة في الآونة الأخيرة. يتم إلغاء مزارع الرياح البحرية مع ارتفاع التكاليف. يؤخر مصنعو السيارات تنفيذ عمليات طرح المركبات الكهربائية بسبب عدم اهتمام المستهلكين. المجتمعات المتأثرة بتحديد مواقع مزارع الطاقة الشمسية تتراجع عن استخدام الأراضي لأنها تقترح التهام مساحات كبيرة لهذا الغرض.
يستشهد روجر بيلكي، وهو معلق ومؤلف معروف آخر في مجال الطاقة، في منشور في كتابه Substack ،The Honest Broker، بورقة بيضاء كتبها فاتسلاف سميل تناقش تقدمنا في انتقال الطاقة إلى هذه النقطة: كل ما تمكنا من القيام به في منتصف الطريق من خلال التحول العالمي الكبير المقصود في الطاقة هو انخفاض نسبي صغير في حصة الوقود الأحفوري في استهلاك الطاقة الأولية في العالم – من حوالي 86 في المئة في عام 1997 إلى حوالي 82 في المئة في عام 2022. لكن هذا التراجع النسبي الهامشي صاحبته زيادة مطلقة هائلة في احتراق الوقود الأحفوري: في عام 2022، استهلك العالم ما يقرب من 55 في المئة من الطاقة المحبوسة في الكربون الأحفوري أكثر مما كان عليه في عام 1997.
وفي مقابل هذا النقص في التقدم في استبدال النفط بأشكال أخرى من الطاقة، هناك حقيقة أن إمدادات الطاقة في العالم في توازن وثيق مع الطلب في الوقت الحاضر. إذا أحرز فقراء العالم تقدما متواضعا نحو توقعات أرجون البالغة 10 براميل سنويا في السنوات القادمة، فإن مرحلة “الثور” والتدافع على طلب النفط ستفرض وجودها بالتأكيد.